مايقدم اليوم على شاشات الفضائيات العربية من تسطيح لوعي المتلقي المشاهد وتمييع لذوقيته يعتبره كثيرون استهدافاً مباشراً لشريحة الشباب..ويعتبره آخرون موجة تنتهي عما قريب أو بالأحرى ظاهرة آنية لن تستمر طويلاً!! الشباب ومايمثلوه من واقع خصب لإثراء خطابنا الإعلامي العربي مازالوا مغيبين عن الشاشة سواءً كمواضيع يتم تناولها أو كوجوه شابة تعرض أو تقدم قضاياه كما ينبغي. تكريس للسلبية!! يعاني الإعلام العربي اليوم من أزمة خطاب ثقافي عربي ..يعاني من فقر في المضمون وسطحية في المعروض. يعتبر كثيرون الكم الهائل من الفضائيات العربية والتي تتزايد بشكل مضطرد يوماً بعد آخر انعكاساً لحالة صحية يعيشها الإعلام العربي ويراها آخرون العكس على اعتبار أن مايقدم لم يضف شيئاً للواقع ولم يعكس الواقع كما يجب وإنما اقتصر دورها على تكريس أو نقل ثقافة الآخر كماهي تقديمها على طبق من الإغراء! فالفضائيات العربية تعمل على تقليد البرامج الغربية ولاتجهد نفسها في التقليم والتشذيب وقولبة تلك البرامج بما يتناسب وواقعنا العربي..يقول الدكتور وليد الحديثي رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون كلية اعلام صنعاء إلى فترة قريبة ظلت الفضائيات العربية تقلد اليوم لم يعد يقتصر دورها على التقليد وإنما امتد ليكون نقل لبرامج لاتمت بصلة للواقع لا من قريب ولا من بعيد للمفهوم العربي الإسلامي أو منظومة القيم العربية أصلاً.. ويمضي قائلاً مثلاً برنامج يعرض على ال mbc حول الرقص وتعلمه ماالذي يقدمه هذا البرنامج للشباب العربي؟ هل مايقدمه ثقافة؟ هل هو مسألة تحول حضاري من مفهوم حضاري معين إلى مفهوم حضاري آخر؟ ويستطرد قائلاً :الأوربيون لديهم فراغ..أو مساحة من الوقت ليتصرفوا هكذا تصرفات ويقدمون هكذا أعمال..في الوطن العربي نعاني من أزمة الزمن المستغرق في عملية تفعيل الجانب الحضاري والأكاديمي والتعليمي والتربوي داخل مؤسساتنا. قواعد عمل ليست صحية؟!! أتساءل هنا هل الإعلام العربي يعيش حالة أزمة؟..هل مايقدم على الفضائيات العربية يعكس حالة تشتت وعدم استيعاب لما يدور اليوم من حولنا أو على صعيد الواقع المعاش بكل سلبياته أو ايجابياته. الدكتور الحديثي يقدم تفسيراً لما يعيشه الإعلام العربي ففي كتابه (الإعلام الدولي) تحدث كثيراً عن واقع الإعلام العربي وقال: الإعلام العربي يتعكز على عكازتين تتمثل الأولى في استيراد تقنيات الاتصال من العالم الآخر والثانية هي التقليد الأعمى الذي أصبح فيما بعد نقلاً لبرامج الآخر..ويقول «يجب علينا أن نفكر بصوت عال عن الإعلام العربي هل الإعلام العربي يستند إلى قواعد عمل صحيحة؟ أم أن الإعلام العربي لديه من الخروقات من الأطراف الأخرى بإتجاه غوربة البرامج المقدمة أولاً وبإتجاه نوعية التقنيات المستخدمة في هذا الإعلام ثانياً. تقصير الإعلام أم تقصير الشباب؟ الشاب عبده الأكوع يرى أن من يلام في هذا الجانب هو الشاب نفسه أو الشباب كونهم يتركون المضامين الثقافية الدينية ويتجهون صوب المضامين الهابطة والمائعة ويعتبر تقصير الفضائيات وهو لانسميه تقصيراً بل يعتبره تجاهلاً للشباب وتهميشاً لثقافتهم عبر تقديم برامج تبعد كثيراً عن واقعهم وهي برامج ترفيهية لاتقدم ثقافة بل على العكس تميع الشباب. نقاط أكفاف فادية حسن بدأت حديثها بالقول «يجب أن تحدد بداية المقصود في سؤالك..هل الفضائيات الخاصة أم الحكومية؟ نشرح بعد ذلك مايقدم على شاشاتها وتمضي قائلة لاشك في أن ثمة تقصيراً حقيقياً وتهميشاً كبيراً للشباب ونسياناً وتجاهلاً وإقصاء للشباب على شاشات الفضائيات العربية.. انما الأمر بحاجة لتمعن وبحاجة لدراسة لواقع الشباب ومدى ارتباط مايقدم على هذه الفضائيات بهذا الواقع.. الغريب في الأمر أن ثمة نقاط اتفاق بين الفضائيات الخاصة والحكومية في مضمون مايقدم على شاشاتها وكأن الأمر مدروس ومتفق عليه. في هذه النقطة يقول الدكتور وليد الحديثي الإعلام العربي مقصر في اتجاهين ازاء الشباب في الثقافة كونه لم يقدم إلى هذه اللحظة ثقافة متميزة لها جذورها وقواعدها ولها أسسها في عملية تطوير البنية الفكرية للشباب العربي..الفضائيات العربية ركزت الآن على المتعة وعلى عملية استلاب الزمن من الشاب في كثير من المنوعات الغنائية أو ماشابه ذلك..ويرى أن ثمة إلهاءً يمارس بحق الشباب العربي بمسائل لاتمت بصلة للواقع العربي ولا ولا لمجرياته التاريخية ولا الحضارية.. ولا الأخلاقية..ولا الدينية..ولا السياسية..والا الاقتصادية. يقول الدكتور الحديثي ركائز بناء الشاب العربي يجب أن تعتمد على محطات من القوة البنائية القادرة على بناء هذا الشاب وتمكنه في عملية الارتقاء المستقبلي.. إن الشباب العربي اليوم يتجه نحو من البرامج الاستهلاكية لكنني بالمقابل لم أبث له ولو جرعات بسيطة من الثقافة فقط نقدم له ثقافة استهلاكية..هناك فرق! سيقول أحدهم إن هذه البرامج الموجودة من برامج المتعة أو الترفيه والتسلية فيها من الثقافة سأتفق معه في وجود جزء من الثقافة ولكنها ثقافة استهلاكية..ثقافة لا تبني.. وهي ثقافة مرحلية.. لاتوصل الشاب العربي إلى مستوى البناء العقلي والذهني وتطور من امكاناته في عملية أن يجسد هذه الثقافة كوعاء وينقله إلى تجربته الحياتية القادمة بحيث يؤسس لبناء بلد بأكمله. يعتبر الدكتور الحديثي جميع البلدان العربية عاجزة عن الإيفاء بمهام الشاب العربي. من جانبه يؤكد الدكتور وديع العزعزي الأستاذ المساعد بكلية الإعلام أن ثمة ربط غريب للشباب بالبرامج الهابطة وبرامج الترفيه السطحية كبرامج المنوعات وبرامج الفيديو كليب، وغير ذلك من البرامج التي لاتثري ولاتنمي ثقافة الشباب الجادة.. ويرجع ذلك على حد العزعزي إلى نمط من السياسات التي تستهدف تسطيح وعي الشباب بقصد أو بدون قصد. ويقول العزعزي ثمة قاعدة تقول بإن كل البرامج التي تبث لاتوضع على الخارطة البرامجية عبثاً وانما بالتأكيد تستهدف قيماً معينة، وتستهدف فئات معينة الشباب احدى هذه الفئات. ثقافة التعري شبابنا اليوم على حد الدكتور الحديثي يتعلم ثقافة التعري العمودي والأفقي..سواءً في الفلم العربي أو المسلسل أو في الأغنية العربية..كنا قبل فترة نتثقف من خلال الأغنية..كلمات وألحان وأداء ونستمع ونطرب.. وإذا طربت النفوس غنت..الآن إذا «شافت» النفوس رقصت! لا طرب لا ثفافة لا..لا الخ ويعتبر مايقدم اليوم على شاشات الفضائيات العربية فتاتاً من السقوط الأخلاقي. ثقافة قطرية يرى الدكتور وديع العزعزي أن ثمة استهدافاً مباشراً للشباب العربي من العربي وهذا مايؤكده الدكتور وليد الحديثي ويمضي الدكتور العزيزي قائلاً: للأسف الشديد فضائياتنا العربية لاتعير هذه الشريحة المهمة أي اهتمام وهي شريحة كبيرة تمثل مايقارب ال 60 70% من نسبة مجتمعاتنا العربية وأتذكر هنا مقولة ل« صمويل برجر» مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس كلنتون وهو يتحدث أمام الجمعية اليهودية في نيويورك قائلاً ينبغي علينا أن نستهدف الشباب في منطقة الشرق الأوسط كون الشباب هناك يتجاوزون النصف من تعداد السكان وهؤلاء الشباب لايعرفون شيئاً عن حروب الاستعمار وحروب المقاومة لذا يجب أن يعرفوا وتربط معارفهم بمايكل جاكسون ومادونا وبكل القيم المعاصرة التي تروج لها العولمة..يرى العزعزي أن ذلك يؤكد ماذهب إليه سابقاً في الاستهداف المباشر للشباب ونحن كما يقول: بقصد أو بدون قصد نسهل من عملية تمرير مثل هكذا مشاريع عبر أدواتنا ومسائلنا العربية. التربية القطرية يرى الدكتور وليد الحديثي أن الشاب العربي يربى اليوم تربية قطرية،ومفهوم الثقافة القطرية أخذت تعزيز مجالاتها في الصحافة والاذاعة والتلفزيون وعلى الانترنت،وفي كل الوسائل الأخرى.. لاشك في أن الشاب العربي اليوم يعاني من أزمة المفهوم القومي العروبي الذي يتحدث عنه الشباب العربي في الستينات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.. الآن لم نعد نتحدث عن هذا الموضوع اطلاقاً، لإن الاعلام العربي ساهم في تهميش ثقافة الوطن العربي،ومفهوم الثقافة العربية الواحدة. ثقافة التطبيع يؤكد الدكتور الحديثي على الجانب الخطير في مفهوم ثقافة الشاب العربي وهي ثقافة التطبيع والاستسلام.. ثقافة الخضوع ببساطة كما يقول «ثقافة ماذا نعمل؟».. علينا أن نتعايش مع الطرف الآخر.. هذه الثقافة نجدها في كل الفضائيات العربية.. تختلف جرعاتها من فضائية لأخرى.. هناك فضائيات تقدم جرعات مكشوفة ومباشرة وأخرى توازن بين هذا الجانب وذاك، وفضائيات إذا لم تتحدث عن هذا الموضوع تعتبر متخلفة عن ركب التطور الحاصل في هذا الميدان العالمي.. القدرة على التعبير يعيش الشاب العربي حالة من الاغتراب والانزواء والوحدة.. لاتؤهلانه على التبصير أو التحدث عن مدى مايعانيه من حالة تمزق داخلي أو معاناة يقول الدكتور الحديثي.. كان الشاب العربي لديه القدرة على التعبير في مجالات معينة.. الآن القدرة على التعبير وفسح المجال من خلال وسائل الاعلام للشاب العربي للتعبير أصبحت محدودة .. وإن وجدت البرامج أو الفضائيات فهي بشكل هزلي وضئيل مقارنة بحجم الشباب الكبير. ويرى أن ثمة نقطة مهمة لم يتم تناولها من قبل الفضائيات وهي المخاطر التي يتعرض لها الشاب العربي في الوقت الحاضر.. ثقافة المخدرات.. ثقافة القات.. ثقافة الجنس الآخر.. وثقافة الاغتراب.. والابتعاد عن الهوية العربية.. لم نتجرأ إلى حد الآن .. إلا في بعض البرامج المحدودة في أن نتحدث بجرأة أكبر. المرأة والإعلام يقول الدكتور وليد «بالمناسبة كنت أشاهد على الجزيرة نتائج دراسة حول المرأة العراقية للأسف الشديد عملية الإساءة للمرأة العراقية في الوقت الراهن وراءها أهداف ودول تعمل على تعظيم بعض الصغائر الموجودة ونقلها عبر الفضائيات بحيث شيء للمرأة كونها نصف المجتمع،والمرأة كما نعرف أخطر في مهمتها التربوية والتعليمية في الرجل، إذ اسقطت المرأة سقط المجتمع. لذلك نحن مقصرون كإعلام عربي في فهم طبيعة المرأة العربية وطبيعة توجهاتها.. ومادا تريد المرأة العربية .. ولاشك فإن العبء الأكبر في عملية تهميش ثقافة المرأة العربية الشابة يقع على وسائل الإعلام.. فالمرأة تظهر على أنها مضطهدة .. والتساؤل مضطهدة بأي اتجاة؟ هي ثقافة التعري والخلاعة هي الثقافة التي نبحث عنها؟ بريطانيا اعترضت على مسابقة «ملكة الجمال» وقالت إن هذا يعرض المرأة كسلعة!.. إذاً لكل مجتمع أخلاقياته وسلوكياته وانحرافاته.. من هذا المنطلق يجب أن نعزز الثقافة الايجابية، ونختلف مع سلبيات الثقافة الأخرى. لايجب أن تكون ثقافتنا.. ثقافة متعة كماهو حاصل في بعض الدول الاسلامية.. والتي تحاول تصديرها إلى دول أخرى عربية وهي تعاني من تبعات ذلك بصورة كبيرة. الدكتور وديع العزعزي يقول: «نحن نمتلك تنوعاً ونمتلك وسائل تقنية بما يتعلق بالفضائيات والانترنت،واستطعنا أن نواكب هذه التطورات، ولكن لم نستفد منها بالشكل المأمول.. ويرجع الدكتور العزعزي السبب إلى السياسة الاعلامية ومدى وعي القائمين على هذه الوسائل باتجاه تحقيق تنمية شاملة.. ورفع مستوى الشباب كون الشاب هم الأداة الفاعلة في خلق هذه التنمية المجتمعية الشاملة. البرامج الثقافية الدكتور الحديثي يقول: من يتفحص جيداً نسبة البرامج الثقافية المقدمة على شاشات الفضائيات العربية سيجد أن البرامج الثقافية لاتتجاوز ال 8% من نسبة المعروض سواءً في القنوات الخاصة أو الحكومية .. قد لاتختلف في وجود فضائيات تقدم ثقافة .. ثقافة المكان.. ثقافة الأدب.. ثقافة الدين.. ثقافة التربية والتعليم..إلخ. ولكن حين نبحث نسبتها في المجموع الكلي سنجد نسبتها قليلة. من جانبه يقول الدكتور وديع في مسألة الاعلام الحكومي «موضوع الاعلام الحكومي أو الفضائيات الحكومية مع الأسف الشديد لم تواكب مايجري من تطورات فيما يتعلق بالشكل أو المضمون أو حتى السياسات فلا تزال كثير من الفضائيات الحكومية تكرر نفس السياسات الاعلامية السابقة وذات الخطاب الواحد والاتجاه التمجيدي الدعائي.. والشباب بالتأكيد قد مل هذا الخطاب، وظهور فضائيات خاصة جعلهم يندفعون باتجاهها كونها ظهرت بشكل جديد ومضمون أجد فيه نوع من الاسفاف والابتذال ولكنه يحمل تشويقاً وعوامل إثارة تمكنت من الشباب. وينهي حديثه قائلاً: الشباب مغيب،ونحن نتحدث عن الشباب،فإذا لم يكن الشباب في قلب الحدث،وفي قلب هذا الهم بالتأكيد سينعكس ذلك على المستقبل. أزمة استقرار الدكتور وليد الحديثي يقدم تفسيراً دقيقاً لما يعيشه المواطن والشاب العربي من أزمة انعكس على كافة الجوانب الحياتية له وهو ما أطلق عليها أزمة عدم الاستقرار النفسي أولاً، والوطني ثانياً، ويمتد يصبح عدم استقرار على مستوى الأمة.. ويقول: اعطني بلداً عربياً واحداً لايعاني من أزمة.. مشاكل مصنوعة من الخارج.. هناك من يصدر مشاكله للدول العربية سعياً وراء احداث قلقلة وعدم استقرار.. القلق يقود إلى قلق ومن ثم يقود إلى تمزق. الشاب العربي يؤمن بجهل مستقبله،وهذه مشكلة تطرح على شاشات التلفزة.. ثقافة الانسان.. وينتهي حديثه قائلاً:الشاب العربي يعيش حالة أزمة هي من تقتل الابداع لديه. بالامكان إذاً القول إن الشاب العربي يعيش حالة اغتراب في وسائل الاعلام العربي وحالة تهميش وإقصاء وكبيرين.. وهذا مايؤدي بطبيعته إلى البحث عن وسائل أخرى تقدمه بشكل حقيقي حيث تتعرض لمشاكله وقضاياه وهمومه. الفضائيات العربية للأسف الشديد غيبت الشباب من برامجها وقدمت لهم ثقافة سطحية لاترتقي بالشاب بل على العكس من ذلك ترسخ فيه قيم اللامبالاة والارتكان في المجهول.