حين كنا أطفالاً.. كانت أعيننا تتشبث بشاشات التلفاز بشره «ورغبة» كبيرتين ونحن نرى ذلك الرجل الأشيب.. ضخم الجثة.. بلباسه الأحمر الفاقع.. ولحيته البيضاء الناصعة وهو يحمل هداياه مع إطلالة كل عيد ميلاد إلى كل أطفال العالم.. وكم كانت تلك الليالي فائقة الجمال حين كنا نأوي إلى النوم ونحن نتمنى أن نصحو وبجانبنا هدية وألعاباً كالتي يجدها أولئك الأطفال حين يستيقظون غداة كل عيد وفي «جواربهم» كل ماتمنوه خلال عام مضى.. كنا نمني النفس.. أن نقابل ذلك الرجل الطيب «بابا نويل»، ولم نكن نعلم أنه لا وجود له سوى في أفلام الكرتون وفي التراث الديني الغربي.. فما هي قصة صاحب الهدايا هذا؟ طفولة «بابا نويل» «بابا نويل» أو كما يطلق عليه في الغرب «سانتا كلوز» لم يولد طفلاً، وإنما وجد شيخاً.. وعرفه الناس منذ مئات السنين وهو بهذه الحال.. ونشأت قصة «بابا نويل» من شخصية رجل دين يدعى «نيقولاس» أو «نيكولاس» ومنه استمدت تسمية «سانتا كلوز» وعاش رجل الدين هذا في القرن الرابع الميلادي.. ويقال أنه كان يقوم ليلاً بتوزيع الهدايا والمؤن على الأطفال الفقراء والعائلات المحتاجة دون أن تعلم هذه العائلات من هو الفاعل. وعندما علم الناس بأمر نيقولاس قاموا بتقليده والاستمرار على مداومة هذا الفعل مع كل عيد للميلاد كل عام.. لكن هذا الفعل خارج من دائرة الفقراء والمحتاجين ليشمل الجميع دون استثناء.. غير أنه مالبث أن انحصر بالأطفال لما يعنيه العيد عندهم من معانٍ ومشاعر قد لاتتوفر عند الكبار. «بابا نويل» عبر التاريخ وكلمة «بابا نويل» فرنسية الأصل وتعني «أب العيد»، حيث يتخيل الناس «بابا نويل» شيخاً حسناً ذا لحية بيضاء كالثلج.. ويرتدي ملابس حمراء اللون، وصاحب جسم قوي شديد.. راكباً عربة سحرية تجرها الغزلان ومن خلفها الهدايا.. ليتم توزيعها على الأولاد أثناء هبوطه من المداخن أو دخوله من النوافذ وشقوق الأبواب.. أما الصورة الحديثة «لبابا نويل» فقد ولدت على يد الشاعر الأمريكي «كلارك موريس» الذي كتب قصيدة عام 1823م بعنوان «الليلة التي قبل عيد الميلاد» يصف فيها هذا الزائر المحبب ليلة العيد. وفي عام 1860م قام رسام امريكي يدعى «توماس» بإنتاج أول رسم «لبابا نويل»، كما نعرفه اليوم، استناداً إلى القصص الأوروبية عنه، واشتهرت تلك الشخصية المرسومة في الولايات المتحدة وتلتها أوروبا، ثم في سائر أنحاء العالم. قصص عن بابا... يروى عن رجل الدين «نيقولاس» أنه كان يستهدف العائلات الفقيرة في كل عيد إلا أن أحد الفقراء أبى إلا أن يعرف من يمده بالمال في نفس الوقت من كل عام.. وبعد أن استمر في استقبال الأموال لسنوات قرر أن يعرف صاحب هذا الفضل.. وفي إحدى السنوات وفي ذات الوقت انتظر سقوط كيس المال من المدخنة إلى منزله وبمجرد وصول الكيس انطلق مسرعاً إلى الخارج ليجد «نيقولاس» مرتدياً زياً أحمر وعلى كاهله عدد من الأكياس المليئة بالهدايا والمال.. وبالرغم من كون تلك الروايات لايمكننا أن نسلم بصحتها أو وقوعها إلا أن الاتفاق سارٍ على أن شخصية «بابا نويل» هي شخصية أسطورية انتشرت شعبيتها بصورة كبيرة في أوساط الأطفال.. حتى قام أولياء الأمور بتجسيد شخصية «بابا نويل» لإرضاء أبنائهم والإغداق عليهم بالهدايا.. ومن تلك القصص الكثير.. النوم بين الثلوج من أطرف المواقف حول شخصية بابا نويل، موقف ذلك الرجل السويدي «كارل هانسن» الذي اضطر للنوم بين الثلوج إثر انقلاب سيارته أثناء قيامه بتوزيع الهدايا على أطفال بلدته، فلم يجد حلاً من قضاء ليلته بين الثلوج حتى الصباح، حين وجده أهالي البلدة وقاموا بإنقاذه والحصول على هداياه. البكاء على بابا نويل وأطرف مما سبق هو قصة المعلمة التي اضطرت لتغطية حصة دراسية لزميلتها في إحدى المدارس، وكان ذلك في أواخر العام مع حلول رأس السنة، ولما سألت التلاميذ عن أمنياتهم في العام الجديد، أجابوا بصوت واحد أنهم يريدون رؤية «بابا نويل»، وهنا ابتسمت المعلمة وأكدت لهم أن أهلهم يضحكون عليهم وأنه لا وجود لشخصية «بابا نويل» إطلاقاً، وأن آباءهم وأمهاتهم هم الذين يضعون الهدايا تحت وساداتهم ليلة رأس السنة.. وهنا خرج الأطفال «التلاميذ» يبكون بسبب انهيار أحلامهم وأمنياتهم فجأة وبدون مقدمات و«مرة وحدة» وعلم الآباء ما فعلته المعلمة فتقدموا بشكوى جماعية ضدها، وبعد التحقيق معها قررت إدارة المدرسة فصلها لأنه ليس لديها «حس تربوي». ضحايا «بابا نويل» مأساة كانت تنتظر عدداً من آباء نويل، المزيفين!! أحدهم حاول أن يتسلق منزلاً لكي يضع هدية لطفل صغير تقع غرفته في الدور الثاني، ولسوء حظه الشديد سقطت به النافذة ليصاب بكسر مضاعف في قدمه وجلس في مكانه ساعتين كاملتين حتى شعر به أهل المنزل ونقلوه للمشفى. مأساة أخرى درامية حدثت عندما قرر أحدهم أن يضع عربة تطير لكي ينتقل بها من منزل إلى آخر لتوزيع الهدايا، وبالفعل قرر أن يجربها ليلة رأس السنة، لكنها سقطت من فوق ربوة عالية ومات فوراً!! عيد ميلاد.. بلا «بابا نويل» عبر تصفحي لعدد من المواقع لفت انتباهي موقع الكتروني اسباني شهير «معرب» أطلق حملة ضد «بابا نويل» يتهم فيها الشخصية المحببة بأنه شخصية تجارية وبدينة ومستغلة، تحشد تأييداً واسعاً. ويدعو الموقع للاحتفال برأس السنة وبعيد الميلاد من دون «بابا نويل»، وزار الموقع نحو 30 ألف زائر خلال يومين فقط.. ويتهم الموقع «بابا نويل» بأنه اخترع ووجد لأغراض تجارية، متوعداً بإظهار الوجه الحقيقي له في صورة ماكينة صرافة آلية تصدر فواتير نقدية!! ليت الطفولة...!! بغض النظر عن المعتقدات الدينية التي أوجدت شخصية «بابا نويل» وبصرف النظر عن أسباب تواجده في عالمنا.. إلا أنه يعد شخصية سلبت عقول وتفكير الأطفال سنوات طويلة.. وتشربت معارفهم العيدية بشخصية «حامل الهدايا»، ولعلنا ولزاماً علينا أن نتعامل مع أطفال يؤمنون بوجوده بشكل تلقائي انطلاقاً من واجبات تربوية.. فإن من شأن ذلك أن يحبب الأطفال في إطلاق العنان لخيالاتهم للإبحار بعيداً في عالم الطفولة الجميل الذي نتمنى أن نعود إليه.. إن كان في الأمر سعة وقدرة.