- طلقني.. تقولها الزوجة حين تخسر كل أحلامها في لحظة فاصلة في حياتها.. تنهار عندها باكية، وقد استنفدت كل محاولاتها لإعادة الضوء إلى حياتها الغارقة في العتمة، وتفقد صبرها، فلا تجد أمامها سوى الصراخ: - طلقني.. عيناها اللتان كانتا مملوءتين بالأمل صارتا غارقتين في الدموع المالحة، الدموع التي جاهدت طويلاً لكتمانها دون فائدة، قبل أن تجد نفسها وبدون سابق إنذار في مواجهة مع الحقيقة المرة القاسية.. الحقيقة التي جعلتها ترتمي على أول مقعد وتضع رأسها بين كفيها وتصرخ: - طلقني.. لأن الزوج -كما تقول الأولى- لا يدري كيف أشعل حرائق قلبها.. لأن الزوج لا يدرك أن ما يفعله بحسن أو سوء نية يطعنها ألف طعنة.. لأن الزوج يمضي في طريقه دون أن ينتبه إلى عذاباتها الصامتة.. لأن الزوج يتركها للإهمال والنسيان.. لأنها لا تحتمل فعل الخيانة.. وفعل التجاهل.. وفعل الهدم الذي يقلب البيت رأساً على عقب، لذلك تقولها بحرقة وأسى: - طلقني.. كلمة يتجاهلها الزوج مثل باقي الكلمات، يظنها كلمة قالتها الزوجة في ساعة غضب مثلها مثل مئات الكلمات التي تخرج من فم زوجته دونما حسبان.. يظنها فورة غضب سرعان ما تنتهي، وتهدأ بعدها الزوجة وتعود المياه إلى مجاريها بلا عقبات، لكنه لا يعرف أنها كلمة أخيرة.. كلمة لم تستوردها الزوجة من قواميس اللغة.. كلمة انطلقت من صدرها كطلقة طائشة.. من أحزانها المتراكمة.. من بركان ثورتها.. الكلمة التي تستلزم فهماً أكثر للأسباب.. وحرصاً أكبر للحفاظ على الكيان الأسري الصغير من التصدع والانهيار!! - طلقني.. يشعر الزوج أحياناً بأنه مكبل، وأن في يديه وقدميه ألف قيد، وأن حركته ثقيلة، وإرادته مسلوبة، لا يريد أن يفقد زوجته التي يحبها، ولا يريد أن يهدم بيته، ولا يتمنى أن يسمع هذه الرصاصة التي تخترق عقله، وقلبه، وعظامه لا لشيء، إلا لإرضاء الأهل ممن يقحمون أنوفهم في حياة الزوجين بمبرر إصلاح ذات البين ولا يعلمون أنهم يدمرونها. - طلقني.. شرخ فظيع لا يحتمل في علاقات زوجية غير مستقرة أو محسوبة النتائج منذ البداية، يحمل كل من الزوجين الآخر نتائجها وتبعاتها المؤلمة عندما تصل العلاقة بينهما إلى طريق مسدود، بينما الحقيقة أن الأطفال هم من يتحملون وزرها ونتائجها وتبعاتها المؤسفة، وهم الذين يتحولون إلى ضحايا لا ناقة لهم فيها ولا جمل إلا أنهم كانوا يوماً أبناء لأبوين مستهترين غلبت على كل منهما روح الأنا، ولم يكونا يوماً عند قدر من المسئولية! - طلقني.. لماذا تتعقد الأمور إلى حد الطلاق؟ لماذا تضيع آخر الفرص بين الزوجين في لملمة الشمل وإصلاح ذات البين؟ ويخسر كل منهما الآخر؟ لماذا لا يجدان باباً للحوار والتفاهم، أو نافذة يطلان من خلالها على بقايا حب قديم كان يجمعهما ذات يوم وهو ما جعلهما يؤسسان لمشروع زوجي كان يفترض له أن يقوم على أساس من المشاركة والوعي؟ أسئلة لا حصر لها يكشف من خلالها هدا التحقيق الأسباب الصغيرة والكبيرة التي تجعل نهايات الحب والحياة الزوجية قريبة.. وحزينة.. وحاسمة، وإجابات ترسم صورة المشهد الدرامي الذي يدفع بامرأة تزوجت رجلاً عن حب لأن تقولها بمرارة: - طلقني.. يستفز على إثرها الزوج وتأخذه العزة بالنفس فيقولها دونما اكتراث: - أنتِ طالق.. طالق.. طالق. كانت البداية مع (أم أحمد) التي فاجأت الحضور في جلسة المحكمة التي حضرها كاتب هذه السطور بطلب الطلاق من زوجها الذي جمعتها به علاقة حب طويلة استمرت على مدى ثمان سنوات وكان ثمرتها طفلين (رؤى، وجهاد)، .قالتها (أم أحمد) للقاضي عندما سألها عن السبب، وهي تذرف دموع الحسرة والالم..قالتها بصوت متهدج وقلب منكسر وعينين ذابلتين.. لأنه خائن!! كانت إجابتها هذه مثل صدمة قوية بالنسبة لكل من في القاعة بما فيهم كاتب هذه السطور، الذي وقف مندهشاً صامتاً غير مكترث بالغرق في معرفة بقية التفاصيل! زواج المنفعة أما أم (عبد الرحمن، وعبير، وسلام) فإن نهاية حياتها الزوجية الحزينة كما سردتها، كانت عندما فقدت قدميها في حادث مروري مؤسف واصبحت عاجزة عن العمل والانفاق على زوج عاطل عن العمل واسرة قوامها اربعة اشخاص.. وتقول: كنت أعمل شغالة في البيوت، قبل أن أتعرض في يوم لحادث مروري فقدت على اثره قدماي.. الان أنا عاجزة عن العمل أعيش وأولادي على ما يجود به اهل الخير من معونات ومساعدات.. وما يحصل عليه ابني عبد الرحمن من بيع الجرائد في الجولات.. أما زوجي فلا أعرف اين ذهب بعد أن طلقني". تدخل الأهل مع (أ.خ.ع32 عاماً مطلقة) تبدو نهاية الحياة الزوجية مختلفة تماماً، فهي تزوجت ابن عمها عن حب ودام زواجهما أكثر من خمس سنوات كان ثمرته طفلاً، كان زوجها عند سفره الدائم يضعها عند والدتها لأنها لم تكن على وفاق مع زوجة أبيه وفي مرة من المرات وضعها عند والدتها كالعادة ظناً منها انه سيسافر إلى عمله كالعادة، لكن الفاجعة كانت عندما تلقت اتصالاً من جارتها تقول لها فيه أسرعي الآن يدخلون عروس زوجك إلى بيتك.. جاءت الزوجة المنكوبة في حالة من الجنون لتحطم زجاج نوافذ البيت وهي تصرخ في حالة هستيرية ماذا فعلت بك لتفعل بي كل هذا..؟! الإهانة يبدو أن الإهانة هذه المرة هي السبب وراء تصدع وانهيار الكيان الزوجي الصغير الذي شاركت (عبير.م) في بنائه مع (أحمد.ع.ي) قبل حوالي خمسة عشر عاماً، وبعد أن تحولت حياتها إلى جحيم لا حدود له من إهانة وضرب.. تقول (عبير): لم أكن اعرف أن الزوج الذي احبيته كانت يتعاطى المشروبات الكحولية التي كانت تحوله إلى وحش مفترس، مقلوب الحس والكيان.. كان يتعمد إهانتي وضربي يومياً رغم أننا تزوجنا بعد قصة حب طويلة بدأت مع ايام الدراسة الجامعية".. وتضيف: "لم اتحمل هذه الإهانة والضرب المبرح ليل نهار وبصورة يومية.. طلبت منه الطلاق لم يتردد.. حاول إعادتي أكثر من مرة، رفضت!! انقطاع بيد أن نهاية الحياة الزوجية بالنسبة ل(حنان عبد الواحد) هي خروج زوجها للعمل في أحد البلدان قبل 18 سنة وعدم عودته حتى الآن تاركاً لها اربعة ابناء وطفلة.. تقول "حنان" لم يكن لدى زوجي عقد عمل خرج للعمل بطريقة غير شرعية إلى إحدى دول الجوار.. كنت أظنه سيعود وأن آماله وتطلعاته بالعمل في الهجرة ستتضاءل عندما تسد كل الابواب في طريقه.. لكن للأسف ذهب ولم يعد حتى الآن فطلقت منه.. والان أنا أعمل وأرعى أطفالي".