تلعب الأجيال الجديدة المتطورة والمتلاحقة من الهواتف المحمولة التي تطلقها الشركات العالمية دوراً فاعلاً وبنسب متفاوتة في حياة الكثير من اليمنيين بمختلف طوائفهم العمرية ومستوياتهم العلمية والثقافية.. ففي حين تعد مسيطرة على فئة معينة تحرص على اقتناء كل ما يستجد من هذه الهواتف، يظل اقتناؤها لدى شريحة أخرى طموحاً صعب المنال وهوساً يداعب الأفكار، فيما تقل أهميتها لدى فئة أخرى. الاستطلاع التالي يرصد آراء وأطروحات أفراد ينتمون إلى فئات مجتمعية مختلفة، بغية التماس الحيثيات الجوهرية التي تقف وراء تنامي مثل هذه الظاهرة لدى الجماعات التي تمارسها، لتتكشف بالمقابل وجهة نظر المعارضين لاقتناء ما يستجد من تقنيات الهواتف المحمولة..! مصدر رزق الكثيرين حمود أحمد عامر صاحب محل هواتف محمولة يرى أن الأجيال الحديثة أو غير الحديثة من الهواتف المحمولة صارت مصدر دخل للكثير ممن يمارسون مهنة الاتجار بها والترويج لها في الأوساط الشعبية المحلية، وأنا واحد منهم، حسب قوله. ويضيف حمود: إن هناك أناساً من هذه الشريحة المتخصصة وهم في تزايد مستمر، يستغلون ما توفره منطقة التجارة الحرة في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، ودول عربية شقيقة أخرى، وهي تمثل أبرز المنابع الرئيسية لما يتم توريده من أجيال جديدة من الهواتف المحمولة، وتلاقي ترحيباً في أوساط العامة في بلادنا. هوس وبحث عن التميز أما صباح الحاشدي طالبة جامعية فتقول: إن هذه الظاهرة ارتبطت بشريحة معينة ذات طفرة اقتصادية ومادية ممتازة، يقابلها في الجانب الآخر تدني في المستوى التعليمي والثقافي لتلك الفئة. وتضيف: وفي ظل غياب حالات التميز الحقيقية لديهم في المؤهلات والمواهب والقدرات العلمية والعملية، بالتالي فإنهم يتجهون بحثاً عن حالات تميز أخرى يرونها مجدية من وجهة نظرهم، ومنها على سبيل المثال الظهور أمام علاقاتهم بهواتف مختلفة ومميزة من حيث الشكل أو الحجم أو حتى الرنات. وترى صباح الحاشدي أن هذا الاعتقاد الخاطئ هو ما تروج له الشركات التجارية العالمية من أن التميز قد يكون عبر اقتناء هاتف محمول مميز وأحيانا أخرى أشياء أكثر قيمة نقدية كالسيارات مثلاً. أما علي محمد محسن الهادي طالب جامعي فيرى أن هناك أناساً مهووسون بالهواتف المحمولة وما يستجد منها سواء الخدمات أو الأشكال التي تستحدثها الشركات في ما تصنعه من الأجيال المتلاحقة من الهواتف. ويضيف علي: هذه الفئة قد تتصف حالتها الاقتصادية بالنسبية أو المتدهورة، وبالتالي ونظراً لهذه الحالة المادية المقرونة بالهوس والتعلق بما يستجد من الهواتف المحمولة، فإن الفرد منها قد يلجأ إلى بيع مقتنيات أو موروثات أخرى وأحياناً أخرى الاقتراض ليلبي رغبة الشغف لديه لهاتف محمول حديث. سرقة الهواتف أكبر مصيبة وعادة ما تكون تلك الهواتف النقالة بأجيالها العتيقة والحديثة هدفاً للسرقة في الأسواق والباصات، والأماكن العامة والشوارع التي يزدحم فيها المارة وغيرها، مخلفة العديد من الضحايا الذي يضطرون فيما بعد إلى اقتناء محمول جديد قد يكون في الغالب أحدث من سابقه. فواز قائد عايض موظف يقول: إن ظاهرة سرقة التلفونات هي ظاهرة اجتماعية سلبية، أخذت تتنامى في الآونة الأخيرة، وهي أجدر أن تحظى بأن تجرى حولها استطلاعات وتحقيقات صحفية، كونها ظاهرة سلبية تمس قيم ومبادئ المجتمع اليمني حسب تعبيره. ويرى فواز أن الهدف من تلك الاستطلاعات هو أن تتناول بالدراسة والتحليل الظروف والأساليب التي يتم أثناءها سرقة الهاتف المحمول، ليصبح الجميع على علم بها، ويتمكنوا من تفاديها وتلافي سرقة هواتفهم المحمولة. ويضيف: كما تستطيع الجهات الأمنية على ضوء هذه الاستطلاعات ونتائجها، رصد من يمارسون تلك الجريمة وإلقاء القبض عليهم سواء كانوا أفراداً أو عصابات. ويوضح فواز أنه عندما يتعرض هاتفك المحمول للسرقة في ظل ظروف غامضة، تجبرك أعمالك وعلاقاتك الخاصة إلى ضرورة اقتناء هاتف آخر قد يكون أحياناً أكثر تطوراً من سابقه وأكثر قيمة نقدية، في ظل اعتقاد يسودك أنك ستكون حريصاً عليه أكثر من تعرضه للنشل هو الآخر. شركات الاتصال ضمن الأسباب وفي ظل التنافس النزيه والاستثمار الحر الذي تشهده البلاد في مجال الاتصالات، الأمر الذي أدى إلى تعدد شركات الاتصالات اللاسلكية وتباين الأنظمة التي تقدم من خلالها هذه الشركات خدماتها، إضافة إلى الخدمات المتجددة والمتعاقبة التي تطلقها هذه الشركات.. هذه التناقضات ودورها في تنامي هذه الظاهرة يوضحها الاخ عبدالواحد العميثلي موظف في شركة اتصال محلية الذي علل الإقبال المتصاعد على الأجيال الجديدة من الهواتف المحمولة بأن شركات الاتصال ذات صلة رئيسية وراء تناميها. وقال: إن الخدمات المتجددة التي تطلقها شركات الاتصال العاملة في اليمن يتطلب العديد منها هاتفاً محمولاً يتمتع بخصائص معينة حتى يتسنى لزبونها أن يتمتع هو الآخر بالخدمة التي أطلقتها الشركة. ويضيف العميثلي: من ناحية ثانية هو التباين الحاصل بين شركات الاتصال فيما تطلقه من "شرائح" لاتتوافق جميعها في هاتف محمول واحد، نظراً لاختلاف الخصائص فيما بينها، وبالتالي فإن الشخص الذي يرغب في الاشتراك في خدمات أكثر من شركة عليه أن يحمل أكثر من هاتف محمول.. إذا ما تجاهلنا ما يظهر مؤخراً من هواتف محدودة وغالية الأسعار تجمع نظامي اتصال في هاتف محمول واحد. مسرحية وتبذير بالمال رغم هوس التسابق على الأجيال الجديدة من الهواتف المحمولة إلا أن ثمة من لا يزال وفياً ومحافظاً على أول هاتف اقتناه ولا يلقي بالاً لما تغرق به الأسواق من الهواتف المحمولة الحديثة. نعمان الحماطي تاجر ورغم الحالة الاقتصادية الممتازة التي يتمتع بها إلا أنه يؤكد تمسكه بأول هاتف اقتناه عقب إطلاق شركة الاتصال "سبأفون" لخدمتها في البلاد اليمنية.. ويقول: طالما وأن هذا التلفون يؤدي الغرض بمهمة الاتصال بالجهات المرغوبة وذات العلاقة بي، فإنه لا داعي للدخول في هذه المسرحية من الاستبدال والتجديد والتي أعتبرها تبذيراً بالمال. رأي الاقتصاد هذه الظاهرة وما تشهده من تنامٍ لافت للنظر وخصوصاً لدى شريحة الشباب، ومآثرها وما ترسمه من سلبيات على الوضع الاقتصادي العام أو الخاص "للفرد" يوضحها الرأي الاقتصادي للأكاديمي المتخصص في الاقتصاد الأستاذ نبيل سلامة الذي قال: هذه ظاهرة تنضم إلى ظواهر وممارسات اقتصادية عدة تعكس في جوهرها الرؤية الاستهلاكية فقط دون غيرها من الرؤى لدى الشعوب العربية ومن ضمنها الشعب اليمني بشكل خاص. ويضيف سلامة: هي ظاهرة سلبية حتماً وبكل المقاييس الاقتصادية كونها تفتح الباب بمصراعيه للشركات العالمية التي تهدف إلى جعل المنطقة سوقاً متحركاً وأكثر استيعاباً لما تنتجه تلك الشركات من أنماط جديدة ليس الهواتف المحمولة فقط بل سلع والكترونيات أكثر قيمة مادية من الهاتف المحمول. ويختم سلامة: إن تنامي هذه الظاهرة وبهذا الشكل الذي نراه يساهم في تعميق الفجوة الاقتصادية بين الدول المنتجة والدول المستوعبة "الأسواق" ولصالح الدول المنتجة، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فيما بين المجتمع اليمني بحد ذاته، يعني أنه يعمق الفجوة الاقتصادية بين أفراده ويأخذه إلى مزيد من الاستمرار في تدهور الوضع الاقتصادي للفرد وكذا تدني مستوى الدخل لديه. تجدر الإشارة إلى أن المنظمات والهيئات الإنسانية والاقتصادية الدولية تصنف اليمن ضمن قائمة الدول الفقيرة في العالم، مستندة في ذلك على عدد من العوامل، أبرزها حسب تقارير تلك الهيئات هو شحة الموارد الاقتصادية لتلك الدول وتدني مستوى دخل الفرد فيها، وكذا تدني المستوى العلمي والثقافي أيضاً.