قامت الدنيا ولم تقعد منذ الإعلان عن استنساخ النعجة «دوللي» في مزرعة روزلين للبحوث البصرية بأسكتلندا في آواخر فبراير من عام 1997م وانتشرت ردود الأفعال والآراء المختلفة في أنحاء العالم ما بين مؤيد ومعارض ومحلل ومحرم بل وداع إلى الإيقاف الفوري والدائم لممارسة وإجراء مثل هذه التجارب أو تطبيق مثل هذه التقنية المستحدثة ويتفق معظم العلماء في العالم باختلاف تخصصاتهم واعتقاداتهم بل وانتماءاتهم وبلدانهم المختلفة . إلى أن تطبيق تقنية الاستنساخ في عالم البشر ستؤدي إلى إنتاج نسخ متشابهة أو متماثلة مما يؤدي إلى اختفاء سنة ضرورية، هي التنوع البيولوجي- أي التنوع الأحيائي، أو كما عبر عنه عالم الاجتماع الشهير «دور كايم» بمصطلح «التضامن العضوي» حيث شبه المجتمع البشري بجسد له أعضاء متنوعة لكل منها خصائصه ووظائفه التي لا يؤديها غيره، حيث إن بقاء كل عضو في هذا الجسد مهم من أجل صلاح هذا الجسد، فلا بد من وجود التنوع في الأشكال والألوان والأطوال وكذلك الأجناس وغيرها من جوانب التنوع. إن الأخطاء التي يمكن وقوعها أثناء ممارسة الاستنساخ كثيرة وتؤدي إلى حدوث العديد من التشوهات في الجنين وظهور عاهات خطيرة قبل الولادة أو بعدها لأن المّورثات على درجة عالية من التحسس الجراحي أو المعالجة الوراثية على درجة كبيرة جداً من الخطورة وعدم الأمان واحتمال ظهور العيوب أكثر من احتمال التحسن. وكما أن الأشخاص المستنسخين سيكونون عقماً فلا يستطيعون الإنجاب قياساً على البغل الذي ينتج بالتهجين بين الحصان والحمار وهكذا يؤدي الاستنساخ إلى عدم التواصل الطبيعي للنسل كما أن معدل الإجهاض التلقائي في عمليات الاستنساخ يوضح أن المادة الوراثية «الحامض النوويDNA» تتلف وهو الأمر الذي يؤدي إلى ظهور الشيخوخة المبكرة فالنسخة لن تكون مساوية للأصل الذي استنسخت منه في العمر فإذا استنسخت من أصل واحد «حيوان أو إنسان» عمره 40 سنة ثم مات الأصل بعد ما وصل إلى الستين من عمره فهل ستظل النسخة إلى الستين ثم تموت أم ستموت بعد العشرين من عمرها فقط؟! إن الخلية الجسدية التي استخدمت في الاستنساخ للكائن الجديد قد تعرضت خلال عمرها في الكائن الأصل لأشعة وكيمياويات وتغيرات عديدة وبالتالي فإن المستنسخ سيُستنسخ قبل أوانه، ومن الراجح أيضاً أنه سيصاب بأمراض عدة مثل الشلل الرعاش والزهايمر.. ومن الأرجح كذلك أنه سيصاب بطفرات وراثية متكررة وستزداد قابليتهُ للإصابة بالأمراض وبالتالي فإن الاستنساخ سوف يكون نذير شؤم في النهاية. يذكر أصحاب تقنية استنساخ النعجة «دوللي» أنهم استخدموا خلية مجمدة وليست طازجة وهذا الأمر الذي أدى ببعض العلماء مثل دون جيمز من معهد روزلين بأسكتلندا إلى القول بإمكان إحياء الخلايا الميتة بتعرضها للتجميد ثم الاستفادة منها في الاستنساخ. - هل يُسمح باستنساخ البشر؟! بعد ظهور تقارير إخبارية تؤكد البدء الفعلي لاستنساخ البشر تعددت وتباينت الآراء والمقالات التي تناولت موضوع الاستنساخ هذا وككل المقالات والضجة التي تناولت هذا الموضوع سابقاً أصبح هذا الأمر يعني للكثيرين الشر الذي يعارض طبيعة وآلية سير الحياة. إن الاستنساخ بمفهومة العام يعني التوالد الخضري أو اللاجنسي وآلية تستخدمها الطبيعة الحية كطريقة للتكاثر عند الحيوانات غير الراقية والنباتات الراقية وغير الراقية التي ألهمها خالقها سبحانه وتعالى إلى ذلك. فإذا كان الاستنساخ قد أثار ضجة عارمة في الأوساط العلمية والاجتماعية والدينية كافة في الآونة الأخيرة فإن ذلك يعود إلى استخدام تقنيات تخصيب مخبرية ليس لها مقابل في الطبيعة، والتي يمكن تطبيقها على الإنسان لتوليد أجنة بشرية متماثلة. لذلك سوف يتم التطرق للمضامين الأخلاقية لعملية الاستنساخ بجميع جوانبها وتوضيح مفارقة ما يحتاج إليه الطب وما ينبغي أن يعارضه في كل حقول المعرفة. يحتل اللامتوقع أو الجديد حيزاً مهماً وعاملاً أساسياً، فالباحث العلمي يقوم بالتجارب المناسبة دون ما أن يدرك مسبقاً ما ستؤول إليه النتائج. هذه النتائج قد تأتي مخالفة تماماً لكل التوقعات والتي غالباً ما تبنى على التحليل المنطقي أو على مجموع الاحتمالات الممكنة، وقبل الخوض في هذا النوع من التحليل هناك تساؤل عما آل إليه علم الوراثة بشكل عام والهندسة الوراثية بشكل خاص في نهاية القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة، فالبرغم من الحقائق العلمية الكثيرة التي تكشفت عن هذا الحقل يأتي إمكان تطبيق بعض الاكتشافات والتقنيات كالاستنساخ مثلاً ليقلق المجتمع وكل الأوساط العلمية في العالم. - ألبرت أنشتاين: ماذا عن نسخة منه؟! قد يطيب للبعض التفكير بما ستكون عليه نسخة مماثلة للفيزيائي ألبرت أنيشتاين لو توافرت بعض خلاياها لإنجاز عملية استنساخ بواسطة النقل النووي. هل ستعيد النسخة التجربة العقلية الإنسانية والعلمية الفذة للعالم الألماني الشهير الذي كان لأبحاثه أبعد الأثر على علم الفيزياء الحديث حتى اليوم؟ ومن باب زيادة المعرفة أو قد يكون الفضول قد يتساءل البعض عما إذا كان ممكناً أن نستنسخ عباقرة آخرين في شتى حقول المعرفة؟ هل ستأتي النسخ مطابقة إنسانياً وعلمياً وبقدر الدرجة نفسها من العبقرية؟ إذا كان التوائم تعد شكلاً من الاستنساخ الطبيعي، فلماذا نعارض وبشدة هذه الآلية أو التقنية ونرفض استخدامها على الإنسان؟ حيث أن الطب أعلن حاجته الماسة لآليات الاستنساخ وذلك لتوليد خلايا جذعية قياسية لعلا ج الكثير من الأمراض غير القابلة للعلاج بالطرق العادية. وهل يجوز أن تخدمه هذه الوسيلة التي ستعود بالنفع على الكثير من المرضى؟ إذا كان الأمر على هذا النحو فكيف نوفق بين استخدام تقنية الاستنساخ لأغراض طبية، ومعارضة كل أشكال الاستنساخ الذي يهدف إلى توليد أجنة بشرية مماثلة؟ * جامعة تعز- كلية العلوم