مصرع وإصابة عدد من عناصر المليشيات الحوثية الإرهابية غربي تعز    الحوثيون يغلقون مسجد في عمران بعد إتهام خطيب المسجد بالترضي على الصحابة    شاب يقتل شقيقه جنوبي اليمن ووالده يتنازل عن دمه فورًا    صاعقة رعدية تنهي حياة شاب يمني    محمد المساح..وداعا يا صاحبنا الجميل!    صورة ..الحوثيون يهدّون الناشط السعودي حصان الرئيس الراحل "صالح" في الحديدة    آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    على الجنوب طرق كل أبواب التعاون بما فيها روسيا وايران    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    صور الاقمار الصناعية تكشف حجم الاضرار بعد ضربة إسرائيل على إيران "شاهد"    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    تظاهرات يمنية حاشدة تضامنا مع غزة وتنديدا بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    اليمن تأسف لفشل مجلس الأمن في منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة مميز    تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    لحظة بلحظة.. إسرائيل «تضرب» بقلب إيران وطهران: النووي آمن    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    اقتحام موانئ الحديدة بالقوة .. كارثة وشيكة تضرب قطاع النقل    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عبدالواسع الاصبحي يتذكر الحلقة "27"
نشر في الجمهورية يوم 21 - 01 - 2008

لقد كتب الأستاذ المرحوم- محمد عبدالواسع الأصبحي، عن الآخرين في مذكراته أكثر مما كتب عن نفسه، فأبرز رجالاً كان حظهم من البروز أقل مما هم به جديرون، ونوه برجالٍ لا يكادُ أكثر الناس يعرفون عنهم شيئاً.. ومن العدل أن نقرر بأن لكل من يكتبون «المذكراتِ» أو «السيرة الذاتية» الحق في أن يتحدثوا بضمير المتكلم، وإلا لما سميت هذه المؤلفات بالمذكرات ولا بالسير الذاتية، ولكن الميزان في هذا المجال دقيق وحساسٌ، فإذا اختل التوازن هنا، ثقلت كفة «الأنا» أو «الذات» ثقلاً تصبح معه عبئاً باهظاً على التاريخ وعلى القارئ.. وبمقابل ذلك تخف كفة «الهو» أو «الغير» خفة مجحفة بحق التاريخ وبحق القارئ في المعرفة الصحيحة.
ولقد أمسك الأستاذ محمد بالميزان، إمساك الصادق الأمين، الذي تهمهُ أولاً وقبل كل شيء الحقيقة الصادقة، والمصلحة الوطنية، وحق القارئ في الاطلاع على حقائق التاريخ المجردة من عبث الأغراض وتسلط الأهواء، وهذه درجة رفيعة لا يصل إليها إلا القليلون من الخائضين في هذا الميدان من ميادين الكتابة التي تتطلب قدراً عظيماً من النزاهة والإحساس بالآخرين.. وسيجد القارئ الكريم، ما يكفي من الأمثلة التي تبرهن على هذه السوية الرفيعة التي وصل إليها كاتب هذه المذكرات.
كما أن القارئ سيقف أمام بعض الحقائق الإقليمية التي تشمل البحر الأحمر وخاصة في شطره الجنوبي وما جرى على ساحله الشرقي في اليمن وساحله الغربي الذي تقع عليه بعض دول ومناطق شرق أفريقية وما كان يدور في شرق أفريقية من الصراع الاستعماري الذي أدى إلى نشوء دول واختفاء أخرى وهو لا تزال رحاه تدور أمام أعيننا إلى هذا اليوم.. ولن يسع القارئ إلا أن يشعر بالإعجاب إلى حد الدهشة، لما أبرزه الأستاذ محمد عبدالواسع الأصبحي، من أخبار اليمنيين في تغريبتهم الحديثة التي بلغوا بها أصقاع الأرض، وما قابلوه من أهوال تتضعضع أمامها الجبال، ولكنهم قابلوا كل ذلك بصبر عظيم، وجلدٍ لا يذل ولا يهون، وبقدرة على التكيف مع عالم غريب ينكرهم وينكرونه، وينفيهم فيقتحمونه، مما ينبئ عن معدن صلب عريق لهذا الشعب الذي أنجب هؤلاء الرجال، ويبشره بمستقبل زاهر مجيد رغم كل ما يحيط به من مكر الأعداء وقسوة الظروف.. ولو كان لي أن أوجه نداء لهتفت.. نداء.. نداء..: أيها اليمنيون اقرأوا مذكرات المناضل الحر الأستاذ «الخال» محمد عبدالواسع حميد الأصبحي المعافري الحميري اليمني، من هذه المنطلقات، وستجدون فيها طاقة خلاقة قوية، تدفع بالمسيرة إلى الأمام بثقة ماضية وجباه عالية.
دمشق 21-5- 1996م مطهر الإرياني
«الجمهورية» تعيد نشر هذه المذكرات لرجل ساهم بقسط وافر في خدمة الوطن واستذكر ملامح وشواهد من التاريخ المعاصر لليمن والظروف المحيطة بتلك المرحلة وهي مذكرات أحق أن يقرأها هذا الجيل الذي لا يعلم حجم تلك التضحيات وطبيعة الظروف فضلاً عن اتسامها بالأسلوب الأدبي الشيق في رواية الأحداث والأسماء
الفصل السادس
أقاصيص من بلاد الغربة
أجل ياأحبائي..سأعود مرةً أخرى إلى الوراء..إلى أيام الاغتراب لأروي لكم بعض الأقاصيص عما كان يعانيه المغترب في بلاد الغربة من تشرد وفقر وظلم وضياع وحنين إلى الوطن.
صلوي على نهر الروّن:
أذكر في عام 1953م بعد قيام الثورة المصرية أنني التقيت في فرنسا صديقاً من اليمن كان اسمه قاسم من الصلو من لواء تعز قضاء الحجرية، فقال لي: مارأيك أن نذهب إلى مكان فيه صديق قد فقدته منذ زمن طويل.
قلت: أين مكانه؟
قال: بوش دي رون (Bouche Rone) أنا أتذكّر أن بوش ديرون نهر الرون الذي كان في أيام القائدين عبدالرحمن الغافقي والسمح بن مالك الخولاني نهر الرون وليس الرين..ويوجد أيضاً اللوار.
قلت له: حسناً فلنذهب إلى هناك.
ذهبنا بسيارة أجرة، ثم انحدرنا إلى ذلك النهر، وفي الضفاف وجدنا هناك ذلك الإنسان الصلوي بقامته المديدة،ولكنه كان أعرج برجل صناعية، فلما رأى صاحبي عرفه، وقال له: أين غبت ياهذا؟ ومن هؤلاء؟
قال صاحبي: هذان من اليمن.
وكان معنا الصديق عبدالله بن أحمد عثمان الذبحاني.
فلما رأنا أجهش وطفق يبكي بكاءً مريراً، ويقول: هاأنتم جئتم من اليمن؟ كيف رأيتم الصلو؟ أين الصلو ياسيدي؟ هل رأيتم هناك زوجتي أو أمي التي ربما ماتت؟ أنا الآن وحيد منذ 42 سنة وقد حضرت الحرب العالمية الأولى والثانية، قُطعت رجلي في الحرب العالمية الثانية فعوضوني هذه المزرعة، وبنيت فيها محل مطعم للعمال.. وإذا به يأتينا بالحلبة والرغيف والرز.. أكلة يمنية لأول مرة أكلها خارج مرسيليا..أما في مرسيليا فكنا نأكل الأكلات اليمنية، حتى العصيد.
قلت: من أين؟ قال: من الصلو.
قلت: هل تعرف عبدالله عبدالجبار الصلوي شيخ مشايخ الصلو؟
قال: ها..ذلك الإنسان العملاق الذي تمرّد على الإمام..أين الإمام يحيى؟
قلت له:قتل.
قال: ومن هناك بعده؟ هل هو سيف الإسلام؟
قلت له: الإمام أحمد صار اسمه الناصر لدين الله.
قال: الناصر..المنصور..وكان لايعرف.
قلت: هل تكتب العربية؟
قال: لا أكتب زوجتي فرنسية، وابنتي هذه مزوّجة لشخص عربي من الجزائر.
وإذ بالجزائري يهبط علينا، ويسلَّم بلهجته الجزائرية: آه ياولد بلادي..أنا هانا أنا وهذا بابا انتاعي أنا وهو كيف كيف.
يعني: آه ياأولاد بلدي أنا هنا أعيش مع هذا كأنه والدي معاً معاً.
قضينا في زيارته ساعات أمضاها بالبكاء وبذكريات الوطن..وودّعنا باكياً يبكي نفسه الممزقة بين بلادين: بلاد لايستطيع أن يفارقها لأن فيها بيته ومزرعته وسكنه وكل شيء في حياته، وبلاد لايستطيع أن ينساها جسمه من ترابها وروحه من هوائها وأهله أهلها.. أعان الله المغترب اليمني. فإنه حتى حين يبتسم تكون ابتساماته مشفوعة بالدموع.
البحث عن «بلاط الشهداء»:
في بلاد الغربة، حين تكون الأرض نائية، ويكون الأهل والأحباب بعيدين..هناك وراء البحار تستيقظ المشاعر، ويصير للوطن ذاكرة خاصة.. وحتى تاريخ القرون الغابرة يصبح له حضوره المختلف في النفس..فالحنين إلى البلاد والعباد لايقلٌ عنه الحنين إلى الصفحات الخالدة من تاريخ الأجداد.
في فرنسا كان هناك المرحوم عبدالقادر مرشد الرعدي والد سلاّم الرعدي وعبدالجليل الرعدي..وكان مصادقاً لامرأة فرنسية كان عبدالله أحمد عثمان الذبحاني وأنا نسميها «الفقيهية»، لأنها كانت تعزف عن كلّ شيء، وهي مساعدة طبيب، وقارئة للتاريخ، قلت لها مرةً: مادام عبدالقادر عنده سيارة «ستروين» فرنسية، مارأيك أن نذهب إلى المناطق التي قرأت عنها .
مثل «أفنيون» و«أورانج» و«آرل» وهذه جمهوريات صغيرة كانت في القرون الوسطى وماقبلها تحت إمارة «أوردو» الذي كان في أيام عبدالرحمن الغافقي والسمح بن مالك الخولاني.
فقالت: إذاً نمشي.
وكان معها خارطة، نستطيع بها وباللوحات المنتشرة على الطرقات أن نتعرَّف إلى المناطق ونتوجّه كما نريد بقراءة الخريطة وقراءة لوحات الطرق.. هكذا في أوروبا كلها.
ذهبنا، ودخلنا أول مدينة واسمها «آرل»، ثم إلى منطقة خالية جداً جداً إلا من الآجر «القرميد»، وهي قرية اسمها «فيلاج دي لامور» قرية المغاربة..عرفت فيما بعد أنها من مخلفات السمح بن مالك الخولاني..تركها الفرنسيون كذكرى، ولم يهدموها كما نفعل نحن.
ثم دخلنا مدينة «أفينيون» وهي مدينة مسوّرة، ونساؤها يلبسن ثياباً متميزة: يلبسن فساتين من الحجل إلى الرقبة، ويضعن اللجعة كما يسمونها في تهامة وهي قبعة صغيرة تغطي الرأس والعنق، وكذلك القمصان أيضاً التي تغطي مما بين الكعبين إلى الرسغ.
فسألت رفيقتناالفرنسية «الفقيهية»: لماذا تلبس الفتيات هذا الزّي؟
فقالت: هذه شارة لبنات «أفينيون».
في مابعد قرأت أن «أفينيون» هذه تمردّت على البابا في روما سبعين عاماً، وظلّت تقاتل ضدها حتى أذعنت في النهاية في أيام نابليون بونابرت.
مكثنا ساعتين،ثم ذهبنا إلى منطقة اسمها «فونتين دي في كليز» أي غيل في كليز،وهذه كانت إحدى الإمارات أو المديريات تحت إمارة «آرل».
عدنا إلى مرسيليا وبعد ثلاثة أيام قلت لها:لماذا لانذهب إلى صقلية إلى منطقة اسمها لالوار(La Loire)؟
قالت: نذهب.
هي لاتعرف الطريق وأنا لاأعرف،ولكن كانت معها خارطة ،فذهبنا ومشينا مايقرب من ثماني ساعات إلى أن وصلنا إلى منطقة اسمها«لارديش»،كتبت عنها فيما بعد في «جريدة الوطن» بعدن..
هناك نزلنا بفندق لم يكن فيه نزلاء غيرنا نحن الثلاثة،لأن الوقت كان آخر أيام الصيف الذي لايستمر هناك إلا شهرين أو ثلاثة أشهر..كان الجو بارداً..وعلى تل قريب وجدت لوحة صغيرة مكتوباً عليها:«هنا بعد 12كيلومتر سوف تشاهدون نبع لالوار».
في اليوم الثاني ،توجّهنا من الفندق إلى ذلك النبع،وإذا نحن أمام كهف نبع لالوار، حيث يبدأ وكأنه إنسان يبول،أي يبدأ بسيطاً.
في الكهف هناك كانت امرأة رأتني شبه أبيض،ورأت صاحبي عبدالقادر الرعدي أسمر،فقالت:اسمعوا يا إخواتي اسمعوا ياأحبابي: أنا لاأريد أن اتهجم عليكم..أنا ولدت في هذاالمكان ولم أغادره إلا إلى مناطق قريبة،ولم أر أسمرَ أو أسودَ مثل هذا، أنارأيت في الصور الزنوج وكذا وكذا ولكني لم أر مثل هذا..إنه جميل وشعره جميل ولكنه أسمر..من أين؟
قلت لها: نحن من اليمن،فلم تفهم..أخيراً فهمت أننا من مكة ومن الحجاز ومن عدن،فإذا بها تصرخ صرخة أفزعتنا،ضاحكةً، وباكيةً،في الوقت نفسه،وقالت: آه أنتم من الجزيرة العربية ،جئتم إلى نهر اللوار،حيثما بدأ العرب يغزون فرنسا، وهزمهم «شارل مارتل»..فأخذت كتاباً كبيراً، وتصفحته، فيه مواقع المعارك قالت:هنا..هنا هُزم العرب بقيادة «عبدالرحمن الغافقي».هزمه «شارل مارتل» فظلّت تسخر منّا وهي فرحة.
فقلت لها: عفواً ،نحن جئنا كسوّاح ليس إلا.
فقالت : إذا كنتم تريدون اللوار فانزلوا..
نزلنا بالسيارة ما يقرب من 13كيلو متراً،وهناك وجدنا لوحة كتب عليها:«إذا أردتم أن ترو االنهر أو الشلال فامشوا50متراً».
مشينا خمسين متراً فإذا نهر اللوار الذي كان صغيراً قد تحول إلى شلال بعرض عشرة أمتار..
هناك على جذوع الأشجار الضخمة رأينا كتابة ورسومات محفورة..قلوب العاشقين وكلمات الحب.فذهبت لآخذ سكيناً لأحفر الله محمد رسول الله،فلم أستطع بعد نصف ساعة أن أحفر إلا كلمة واحدة «الله» فقط.
في لوحة أخرى قرأنا:«إذا أردتم أن تروا بدء النهر فانزلوا 12كيلو متراً».
نزلنااثني عشر كيلومتراً،وهذا يعني أن العودة تكلّفنا ما يقرب من ثلاثين كيلو متراً،فإذا ببحيرة تنحدر منها المياه وتكوَّن النهر..فجاء شخص فرنسي ،أتذكر اسمه «جورج»،قال: أنتم يبدو أنكم عرب..هل أنتم سوّاح؟
قلت:نعم.
فقال: تبحثون عن اللوار؟فقلت:نعم
قال: هذا بدؤه. أما المكان الذي كانت فيه المعركة،فيجب أن تعودوا من حيث أتيتم إلى مرسيليا،ومن هناك تذهبون عن طريق باريس،فتجدون نهراً قرب مدينة «تور»..هناك موقع بواتييه،أي «بلاط الشهداء»..وكان رجلاً مثقفاً.
عدنا إلى مرسيليا بعد ثلاثة أيام،وعرفت خطئي وخطأ الفرنسية «الفقيهية»..لقد أخطأنا في التقدير..
وهكذا سلكنا طريقاً جديداً إلى النبع ثم إلى البحيرة فكان الختام هناك في بواتييه،أي «بلاط الشهداء» في مدينة «تور»..
وصلنا إلى حيث وصل أجدادنا،ولكنهم وصلوا غالبين،ووصلنا مغلوبين.
المغترب المتشرّد:
ذات يوم،وكنت ذاهباً إلى زيارة عبدالقادر الرعدي في منزله بشارع «رول مير» الذي لايبعد عن «ري مازينو» إلا ثلاثة كيلومترات،وكانت الساعة الثامنة والنصف،وإذا بي أشاهد أحد اليمنيين يتلفّت يميناً وشمالاً،وكأنه يريد ألا يراه أحد،لأنه كان يبحث في برميل القمامة عن شيء يأكله،«الأوروبيون يحافظون على الأطعمة التي يرمونها نظيفة». فوجد خبزاً يابساً،فأخذه وراح يقضمه،وهو يتلفّت حواليه كيلا يراه أحد.
ابتعدت عنه عدة خطوات ،ثم عدت لأواجهه ،وقد عرفته:
أهلاً صباح الخير ياعلي.
ردّ: مساء الخير.نحن في المساء.
قلت: أنا آسف. كيف حالك.
قال: والله أنا بخير.
قلت: اطلعوا..وأخذت سيارة أجرة.
أين تذهب؟
قال: أنا والله لا أدري أين أذهب.أنا أريد أن أذهب لأنام.
قلت: أين تنام؟
وإذا بي أجد أن هذا الإنسان ينام في عربات النقل في السكك الحديدية حين تكون فارغة،ومثله كثيرون من الجزائريين ،وفي أحيان يلف القطار تلك العربات، وينطلق بها،فيجد نفسه على بعد أربعين كيلو متراً عن مرسيليا.
أليس لك منزل؟
قال: لي منزل عند صديق ولكنه غير موجود..«وكان خجولاً».
قلت: لماذا لاتعمل؟
قال:والله لي سنتان دون عمل،لأنه ليس لدي أوراق فرنسية.
المهم .كدت أبكي أمامه، ولكني تمالكت وتماسكت..فلما ذهبت إلى غرفتي في الفندق ،وأتذكر اسمه «أوتيل ماري تيم» بكيت ولم أنم طوال الليل حتى الصباح.
في اليوم التالي ذهبت إلى الشيخ صالح الحدئي رحمة الله على هذا الإنسان.
قلت له: هل تعرف علي اليماني؟
قال: أيوه..مشهور.قلت: أتعرف أنه كيت وكيت.
أدّيت القصّة للشيخ صالح الحدئي،وكان مهيباً ومحترماً من قبل اليمنيين جميعاً، فذهب في أول يوم وثاني يوم وثالث يوم وجمع مايقرب من مائة وعشرين جنيهاً استرلينياً ،وقال: أين صاحبك؟
قلت له: سآتي به.
وتواعدنا.فقد كان عليّ يأتي ليأكل معي في «مطعم سيف علي العريقي» مات صاحب هذا المطعم رحمه الله.
جاء الشيخ صالح الحدئي وسلّمه الفلوس،وقلت له:قم سافر بلادك.
قال: أين؟
قلت: أينما تريد.
قال: هل أذهب إلى جيبوتي؟ أمي صومالية قد ماتت ،وأبي من رداع قد مات ،أين أذهب؟
قلت: حيثما تريد أذهب وسافر.هذه فلوس.
ثم أضفت في اليوم الثالث من الرعدي مايقرب من ثلاثين جنيهاً:
خمسة عشر جنيهاً لتذكرة السفر بالبحر،وخمسة عشر جنيهاً له: كمصروف جيب ،ففرح بها وانصرف ،ولم ألتقه من عام 1953م.
لست أدري أين ذهب ذلك المغترب؟هل مات؟ هل غرق؟هل عاد إلى رداع؟ أم عاد إلى «جيبوتي»؟
رحمة الله عليه إن مات أو عاش.
أيها الأخوة..أيها الأحبّاء
إنّ الذي يحدثكم أخوكم.
إنّ الذي يحدثكم والدكم
إن الذي يحدّثكم جدّكم
من أين يأتي الإنسان بالدموع ليذرفها على مافي الحياة من قصص محزنة؟.فما أكثر آلام الحياة وأحزانها!
فلنكفكف إذاً من دموعنا،ولتكن الأحزان ناراً تحرق مافي قلوبنا من غلظة ،وماءً فراتاً يغسل مافي نفوسنا من شحّ وبخل ،فلن يخفف من وقع الأحزان في الحياة إلا أصحاب القلوب الرقيقة الرحيمة وأصحاب النفوس الخّيرة الكريمة،وهذه واحدة من القصص المؤسية المحزنة:
لا .. لاتقبروني:
في عام 1932م، وكان عمري اثنتى عشرة سنة،كنت أذهب في جيبوتي إلى منطقة اسمها الجزيرة..سمّوها هكذا لأنها شبه جزيرة كان يصب فيها الفحم..وكان عمي «صرونج» أي مقدّم على عمال الفحم..وكان هناك مسجد وقبة وشيخ اسمه الشيخ سراج،هكذا يسمونه،ويعتقدون أنه وليّ من أولياء الله، ثبت ذلك أم لم يثبت.
كنت آنذاك رقيقاً عاطفياً، أذرف الدموع بسخاء على كل بائس، وربما كنت أبكي نفسي في هؤلاء المشردين البائسين، فأنا واحد منهم على كل حال، كما يقول الشاعر عمر أبو ريشة في قصيدته «هؤلاء»:
«تتساءلين.. علام يحيا
هؤلاء الأشقياءْ..!
المتعبون ودربهم
قفرٌ ومرماهم هباءْ
الذاهلون الواجمونَ
أمام نعش الكبرياءْ!
الصابرون على الجراحِ
المطرقون على الحياءْ!
أنستهم الأيام، ما
ضحكُ الحياةِ وما البكاءْ
أزرت بدنياهم، ولم
تترك لهم فيها رجاءْ
تتساءلين وكيف أعلمُ
مايرون على البقاءْ؟!
امضي لشأنكِ..
أسكتي..
أنا واحد من هؤلاءْ!».
أجل، أنا واحد من هؤلاء.
أذكر أني كنت أذهب في الجزيرة إلى الساحل، واستمع لصياد يغني، وقاربه مربوط إلى حجر، ينتظر الريح ليذهب ويصطاد سمكاً.. كان يغني أغنية قديمة بصوت شجيّ جداً، وكنت أشعر كأنه قالها آنذاك معبّراً عن غربته.. وكنت أبكي وأبكي.. هكذا كنت كأنني أبحث عن البكاء دوماً.
أما كلمات الأغنية التي كان يغنيها، فمنها:
«ألا لا تقبروني
باموت بالعاني
لاتقبروني.. باشوف
محبي ومن يشناني
لا لا تقبروني».
هذا مابقي في ذاكرتي من الكلمات.. أما لحنها الشجيّ فما زال يتردّد في أذني كأني سمعته منذ ساعة أو أقل.
افتقدت هذا الصياد، ومرّت أيام وأشهر ولم أره، وذات يوم إذا بجثته متورّمة، فقد لفظها البحر إلى الساحل بعد ثلاثة أيام من الغرق.. وكان القارب إلى جانبه.. أجل.. جثة هامدة.. من يكون هذا الإنسان؟
قالوا هذا مغترب، منهم من قال إنه من بني حماد ومنهم من قال من الحدأ ومنهم من قال..
فهمت في ما بعد أنه من آل محيجش من قبيلة أديم.. ربما من وادي أديم.. غادر بلده وظلّ يصطاد السمك في عدن، ثم انتقل إلى جيبوتي، ليصطاد السمك أيضاً ويبكي نفسه.. قبرنا هذا الرجل في منطقة اسمها «حنبلي»، فيها بساتين.. رحمه الله وأعان البائسين.
أيها الأخوة أيها الأحباب..
كم ذرفت الدموع وكم بكيت.. عندما كنت أرى البائسين يمشون على أقدامهم حفاة شبه عراة، أسألهم: من أين أنتم؟
فيقولون: من اليمن.. من الجبال.. من الحكم إلخ..
- أين تذهبون؟
- نروح أديس أبابا أو الحبشة.
مساكين، كانوا يعتقدون أن أديس أبابا قريبة منهم، لذا كانوا يمشون ويمشون ويمشون إلى أن يصيبهم اليأس، فالطريق طويلة طويلة جداً، وليس معهم نقود، فيعودون بالقوارب إلى سواحل باب المندب أو ذوباب أو غيرهما.
هكذا أيها الأخوة..
فإذا رأيتم أن الحنين يملأ أرواح اليمنيين، والشجن يستوطن في نفوسهم، والشوق يغمر عواطفهم، فاعلموا أن السبب في معظم ذلك إنما هو الهجرة والاغتراب.
لم أجد حنيناً وشجناً في الغناء كما وجدته لدى اليمنيين.
نعم اللبنانيون يغنون دائماً للبنان، فهم مغتربون، بلادهم تضيق بهم: عشرة آلاف كيلو متربع لاتتسع لثلاثة عشر مليوناً.. ولكن غناءهم ليس له حنين غناء اليمنيين وشجنه.. لماذا؟ لأن اللبنانيين يغتربون بثقافة بتفكير وتدبير، بينما اليمنيون يغتربون بجهالة، فيهيمون على وجوههم مشردين، إلا من رحم ربك، لذلك يخلّفون وراءهم الأمهات والزوجات والبنات والأولاد، وتنقطع أخبارهم، ويصبح مصيرهم مجهولاً، ويتحوّل الانتظار بين المتباعدين إلى آلام تكوي النفوس، فما أمرّ الغربة على من يبقى وعلى من يهاجر لا سيما إذا كانوا أزواجاً وأحباباً..
لاسيما إذا كانوا أزواجاً وأحباباً..
إن النساء في اليمن يغنين ويبكين بالأشعار على البديهة شوقاً وحنيناً إلى زواجهنّ.. فأغاني ماقبل الثورة في معظمها وكثير من أغاني مابعد الثورة تصدر عن هذه الأشواق وعن ذلك الحنين.. كما في هذا الشعر الذي كان يغنيه علي الآنسي رحمه الله:
ياذي الجبال الشامخات الأركانْ
وطّي قليل عسى الحبيب يبتانْ
أو في هذه الكلمات:
«يارحمتا للعاشق المفارقْ دمعه غزير ونهدته بوارق
ْيشاهد النجمة والقلب عالقْ».
أو في هذه النفثة العاطفية المحزونة:
خلف البحار السود خِلّي نساني
شاعاتبو بالدهر إذا لقاني
أكثر هذه الأشعار خرج من «جبن» والمنطقة الوسطى، لأن من هناك كان أوائل المهاجرين من اليمن إلى خارجها عن طريق «عدن» وعن طريق «عصب».. طبعاً كانوا يبقون مدة في عدن ثم ينتقلون منها إلى بريطانيا بالبواخر لأن البريطانيين كانوا محتاجين إليهم في تلك الأيام.. وكذلك كانوا ينتقلون إلى جيبوتي.. أو إلى أثيوبيا ويطلعون بالبواخر الفرنسية، فالفرنسيون كانوا محتاجين إليهم أيضاً ليعملوا في الفحم، وكوقّادي سفن.
هكذا كان يا أحبابي.
واسمحوا لي أن أختم هذا الفصل بواحدة من أروع الأغنيات التي تعبر عن حال الهجرة، ومايكون فيهامن المشاعر الإنسانية الجيّاشة.. مشاعر الحنين إلى الوطن، ومايكون فيها من أهوال وآلام، إنها «أغنية للمهاجر» «ياالبالة والليلة البال» للأديب الكبير والعالم اللغوي القدير والشاعر الفنان المرهف الأستاذ مطهر علي الإرياني حفظه الله، وقد غناها الفنان/ علي السِّمة رحمه الله.
أوردها هنا مع مقدمتها بقلم مؤلفها لتكون الفائدة أعمّ وأتمّ، وهي مقبوسة من كتاب «فوق الجبل»:
أغنية للمهاجر
يعيش في بلدان العالم المختلفة عشرات بل مئات الألوف من المهاجرين اليمنيين، الذين غادروا بلادهم طلباً للعمل وفي ظل الحكم الإمامي الرهيب.. كان نزوحهم الجماعي يتم في ظل ظروف مأساوية لايمكن تصويرها في هذه العجالة، فقد كان الأئمة يمنعونهم من الرحيل ليبقوا عبيد أرض لهم ينتجون لهم مايسلبونه منهم وهم يموتون ويذوون جوعاً والمهم عند الطغاة هو أن يظلوا يعتصرونهم حتى الرمق الأخير من أنفاسهم، وكانت للبلدان التي يريدون الهجرة إليها قوانينها التي تعوق رحيل هؤلاء الباحثين عن اللقمة، وبسبب هذه العوائق من الجانبين كان بعض المتاجرين من زبانية الأئمة الطغاة أنفسهم يقومون بتهريب النازحين مقابل شيء من المال بأساليب بالغة القسوة حتى لقد كان بعض التجار الجشعين يهربونهم إلى أفريقيا داخل البراميل كسلع تجارية.
والبالة: لحن شعبي معروف يؤدى جماعياً في الليالي الجميلة حيث يصطف الرجال وقد تشترك معهم النساء صفين متقابلين ويرددونه وهم يرقصون جيئة وذهاباً ولهم كلماتهم المتنوعة لهذا اللحن ويتخلل هذه الكلمات عبارة «يا البالة والليلة البال» وللبالة تقاليدها المختلفة بإختلاف المناطق.
يا البالة والليلة البال
والليلة البالْ ما لِلنَسْمه السَّاريةْ
هبَّت مِن الشرقْ فيها نفحةَ الكاذية
فيها شذى البُنّ فيها الهمسة الحانية
عن ذكريات الصبا في أرضنا الغالية
***
«والليلهْ العيد وأنامن بلادي بعيدْ»
ما في فؤادي للطُوفانَ الأسى من مزيدْ
قلبي بوادي «بنا» و«ابين» ووادي «زبيد»
هايم، وجسمي أسير الغربة القاسية
***
خرجت أنا من بلادي في زمان «الفنا»
أيام ما موسم الطاعون قالوا: دنا
وماتوا أهلي ومِن حظّ النَّكد عشت أنا
عشت أزرع الأرض وأحصد روحي الذاوية
ذكرت أخي كان تاجر أينما جا فرش
جوا عسكر «الجن» شلوا ما معه من بقش
بكر غبش:أين رايح؟؟ قال: أرض الحبش
وسار.. واليوم قالوا حالته ناهيه
***
بكرت مثله مهاجر، والظفر في البكر
وكان زادي مع اللقمه ريالين حجر
وأبحرت في ساعيه تحمل جلود البقر
والبن للتاجر المحظوظ والطاغية«1»
***
بحثت عن شغل في الدكه وداخل «عصب»
وفي الطرق والمباني ما وجدت الطلب
شكيت لاخواني البلوى وطول التعب
فقالوا:البحر، قلت:البحر واساعيه«2»
وعشت في البحر عامل خمستعشر سنه
في مركب «اجريكي» أعور، حازق الكبتنه
وسود الفحم جلدي مثلما المدخنة
وطفت كم يابلود أرضها قاصيه «3»
***
مثل الطيور القواطع طفت كل الجزر
غويت لي ما غويت لو ماكرهت السفر
واخترت «بر الدناكل» متجر بالحصر
من حي لا حي يامركب بلا سارية«4»
غريب في الشاطي الغربي بجسمه نزل
والروح في الشاطي الشرقي وقلبه رحل
ياليت والبحر الأحمر ضاق، ولا وصل
جسور تمتد عبر الضفه الثانية «5»
***
من كان مثلي غريب الدار ماله مقر
فما عليه إن بكى وأبكى الحجر والشجر
أبكي لك أبكي وصب الدمع مثل المطر
ومن دم القلب خلي دمعتك جارية «6»
***
غنيت في غربتي «يالله لاهنتنا»
ومزق الشوق روحي في لهيب الضنى
راجع أنا يابلادي ياديار الهنا
ياجنتي ياملاذي يا أمي الغالية «7»
هوامش
«1» الساعية:«السفينة الشراعية الصغيرة وكانت إنذاك وسيلة المواصلات البحرية الوحيدة في اليمن، وفي عبارة: تحمل جلود البقر والبن للتاجر المحظوظ والطاغية، إشارة إلى زبانية الإمام والمتاجرين له بالجلود، والبن وهما أهم صادرات اليمن والمتاجرين أيضاً بالناس بصورة قاسية مؤلمة بعد ابتزازهم كل مايملكون.
«2» الدكة: باللهجة اليمنية الميناء وعصب مدينة أثيوبية معروفة، فقالوا البحر، أي قالوا عليك بالعمل في البحر، وقلت البحر واساعيه:أي فقبلت وقلت احمليني إلى البحر أيتها الساعية السفينة الشراعية الصغيرة.
«3» اجريكي:يوناني، حازق الكبتنة:أي حازك شديد في ممارسة أعمال الكابتن، وفي هذه إشارة إلى مايتلقاه اليمنيون من الاضطهاد والعسف من قبل كباتنة البواخر التجارية التي يضطرون لفقرهم إلى العمل فيها فيكلفون بأقسى مافيها من الأعمال،هاهو هذا المهاجر يعمل في تموين الباخرة بالفحم حتى يسود جلده كما تسود مدخنة الباخرة، ويصبح لافرق بينه وبين أجزاء الباخرة، بلود:حمع بلد بلهجة المعافر «الحجرية».
«4» الطيور القواطع:هي الطيور المهاجرة التي تنتقل بين القارات عبر المسافات الشاسعة لموائمة حياتها،غويت لي ماغويت أي تهت ماشاء لي التيه أن أتوه، باللهجة اليمنية تعني حتى أي حتى كرهت الضياع والسفر.«بر الدناكل»:أي الأرض التي تسكنها قبائل الدنكل بالسودان وهذا يعكس العمق الذي وصله اليمني في تغربه حيث يذهب إلى القبائل البدائية ليتاجر هنالك بشيء واحد وهو الحصير الذي يبنون منه بيوتهم ويفترشونه داخل هذه البيوت، وعبارة:من حي لا حي يامركب بلا سارية تعني أن هذا المهاجر ينتقل بالحصر من حي إلى آخر في مضارب القبائل وهو في حالة ضياع كامل ونهائي مثله في الضياع كمثل سفينة بلا سارية ولاشراع.
«5» في هذه الفقرة توضيح للمكان الذي يشتاق منه المهاجر إلى بلاده في الشاطئ الغربي للبحر الأحمر يشتاق إلى اليمن في شاطئه الشرقي.
«6»أبكي لك أبكي:أي أبكِ ماشاء لك أن تبكي.
«7»من أغاني المهاجرين المعروفة، أغنية يؤدونها بكلمات تقول مما تقول:
يا الله لاهنتنا بين الحبش وحدنا نشتى نروح لنا بلادنا الغالية
وهذا هو وزن هذه الأغنية وكنت أود أن تؤدى بلحنها ولكن اللحن الذي تؤدى به هذه الأغنية هو لحن «أغنية للجند» فوق الجبل حيث وكر النسر فوق الجبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.