إن الكون بكل موجوداته وتفاصيله في وضعه الحالي مبني على أسس وقوانين محكمة ومحكوم بدستور دقيق بحيث انتظمت تراكيبه وتناسقت مكوناته بإتقان وإبداع عظيم وثبات واستقرار دائم وبقدر مناسب لجميع المكونات،إن دل فإنما يدل على أن من أوجده هو أعظم من الموجود ذاته... * السؤال الذي دار في خلدي وأنا أتأمل هذا المعنى هو ماذا سيحدث لو كان هذا الكون بكل تفاصيله ومكوناته على غير الهيئة التي خلق فيها وبغير الكميات والمقادير التي قدر فيها وكيف سيكون الوضع وهل سيبقى الكون بنفس الاستقرار والثبات والتوازن كما هو الحال الآن؟؟؟ الجواب يمكن أن نصل إليه بأن نحاول أن ننظر برؤية من خارج حدود النظام الذي وجد فيه الكون وذلك بأن نحاول استقراء بعض الثوابت الكونية والمكونات والتراكيب الطبيعية سواء على المستوى الميكروسكوبي «المجهري» أم على المستوى الماكروسكوبي «العياني» ،ولكن ليس على الوضع الذي وجدت فيه بل على الوضع الافتراضي الذي سنتخيلها عليه في الحالة التي تخالف فيه كل نواميس الكون وقوانينه الثابتة وخارج حدود الإتزان وذلك حتى نصل إلى النتيجة الحتمية التي تنتج لدينا لو كانت كما افترضناها أم لن تكون.. * إننا نعرف الظواهر والحتميات في كوننا الواسع كما هي عليها منذ وجدت ولكن ماذا لو نظرنا إليها من منظور آخر غير المنظور المنتظم التي هي عليه الآن ؟ماذا لو تغير مسار حياتنا عن المسار الحالي؟ماذا لو كانت مواصفات المخلوقات بمن فيهم نحن مختلفة عما هي عليه الآن؟؟بمعنى أشمل كيف سيبدو كل شيء إذا ماتغيرت القوانين واللوائح واختلت المقادير الكونية وخرجت عن النظام الثابت الدقيق؟؟؟ماذا لو أن قوة الجاذبية لأعلى؟ الجواب: لو كانت الجاذبية لأعلى فهذا يتطلب زيادة أوزان الموجودات حتى يكسبها شيئاً من الثبات،بحيث يعادل الوزن لأسفل الجاذبية لأعلى وبالتالي سيتطلب الأمر أن تكون العظام أكثر سماكة لتحمل الوزن، والعضلات أقوى،وبالتالي الطبيعة ستسمح بتطور الكائنات التي تسير على أربع وذلك لتوزيع الوزن على الأطراف أي أن الكائنات الذكية ومنها الإنسان ستسير على أربع أيضاً!!! كما أن درجة حرارة الشمس ستكون عالية جداً وحجمها أقل وستكون كمية المياه عند القطبين أقل وستغلي المياه عند خط الاستواء. * ماذا لو زاد الأوكسجين في الجو بنسبة 1%؟؟ الأوكسجين عنصر هام في عمليتين حيويتين هما التأكسد والاحتراق،فلو زادت كميته ولو بهذا المقدار فقط لزادت كمية الحرائق فوراً وأيضاً لكان التأكسد والصدأ يحدث بشكل شديد وسريع. * ماذا لوكان الالكترون أكبر حجماً؟؟ لو كانت كتلة الالكترونات أكبر مما هي عليه الآن ستصبح مداراتها حول النواة أقصر مما يؤدي إلى صغر حجم الذرة ككل وبالتالي سيصغر حجم كل شيء...فمن المعروف أن الذرة تتكون من نواة صغيرة تقدر ابعادها بحدود جزء من مليون مليون «10-12» من المليمتر..وهو حجم صغير جداً...وبالتالي فإن معظم حجم الذرة تغطيه مدارات الالكترونات والتي تكون حول النواة كسحابة أوغيمة تشغل فراغاً يمثل معظم الذرة،هذه الفراغات هي التي تحدد حجم الذرة وبالتالي لو زادت كتلة الالكترونات إلى مايقارب كتلة البروتونات مثلاً فإن البروتونات ستنجذب نحو الالكترونات ولن تبقى في مركز الذرة وسيختل التوازن الذري وبالتالي يحدث اختلال في التركيبة الأساسية للكون ومكوناته ويخرج عن إطار التوازن.. *ماذا لوكان حجم الماء يقل عند التجمد كغيره من المواد الأخرى؟؟ من المعروف أن الماء يملك استثناءً خاصاً عن بقية المواد الأخرى..فحجم الماء يقل بتقليل درجة الحرارة حتى نقطة معينة 4م يبدأ الطور بالاتجاه العكسي نحو زيادة الحجم«وهذه الظاهرة خاصة بالماء فقط» وبالتالي يطفو الجليد على السطح نتيجة لزيادة الحجم والذي يعني نقصان الكثافة.. هذه الظاهرة تحفظ الحياة للأحياء البحرية على أعماق البحار الجليدية ،فلو كان الماء يهبط إلى الأعماق بعد هذه الدرجة لقضى على الحياة والأحياء عند الأعماق في حالات الانخفاض الشديد للحرارة... * ماذا لو لم يوجد الأوزون.؟؟ الأوزون عبارة عن أوكسجين بالحالة O3ويشكل طبقة في الغلاف الجوي حول الأرض يحميها من الأشعة فوق البنفسجية UVالتي تأتي من الشمس،فلو لم تكن موجودة لدمرت الأشعة فوق البنفسجية كل مظاهر الحياة على وجه هذه البسيطة. * ماذا لو تغير حجم المكونات دون الذرية ؟ معلوم أن المادة معظمها فراغ في الصورة توضيح للمسافات مادون الذرية: لو كان قطر الكوارك «والتي تعتبر من المكونات الأولية للبروتونات» متراً واحداً، سيكون عرض البروتون كيلو متر واحد ،سيكون قطر النواة عشرة كيلو مترات ولكان قطر الذرة يساوي مئة ألف كيلو متر«كيف سيكون حجم مكونات الطبيعة؟؟!!!» * ماذا لو تغيرت القوى الكهربية بين مكونات المادة سيزداد التنافر بين البروتونات في نواة الذرة مما سيؤدي إلى تضاؤل امكانية الإنصهار النووي..من نتائج هذا التغير نجد أن التفاعلات النووية داخل الشمس ستتباطأ وسيقل لمعان الشمس مما سيوصل كمية أقل من حرارة الشمس وإضاءتها إلى الأرض. سيصبح حجم الذرات أصغر لأن نواة الذرة ستجذب الإلكترونات إليها أكثر...ستتحول ألوان الأجسام نحو الأزرق وسيصبح حجم وطول قوس قزح أكبر..قوى التجاذب بين الجسيمات ستكون أشد مما سيجعل الأجسام متماسكة أكبر. * المواد الصلبة ستتحول إلى الحالات الأخرى بصعوبة أكبر والسوائل ستصل إلى الغليان عند درجات حرارة أعلى ،لكن هل ستتمكن الحياة من النشوء في ظروف كتلك؟ يؤكد العلماء على أن الDNAسيأخذ شكلاً ودوراً مختلفاً مما يعني أنه سيوصل الكائنات الحية إلى تغيرات جينية غاية في الخطورة. أخيراً...من كل هذا لانقدر إلا أن نسلم بأنه:لو كان الكون بكل مافيه على غير ماقد كان....لما كان أصلاً. وصدق الله العظيم «إنا كل شيء خلقناه بقدر»...«قسم الفيزياء جامعة تعز»