إن المعلومات التي وصلنا إليها هذه الأيام عن تركيب الذرة، كان فيلسوف الذرة (ديموقريطس) يشتهي أن يعرف عشر ما نعرفه، ولكن هذا مرتبط بالتطور العلمي في كل عصر. ونحن اليوم إذا دخلنا عالم الخلية واجهنا مصنعا في غاية الدقة والأناقة والحيوية والتعقيد يعمل فيه عشرات الأجهزة، ولكن سر الخلية الأساسي هو نواتها؛ فإذا اقتحمنا النواة فاجأتنا أشكال عجيبة محبة للتلون سموها الكروموسومات؛ فإذا كبرناها عشرة آلاف مرة، رأينا شكلها مثل سلم المنارة الداخلي الملفوف، وهو تركيب كشفت سره سيدة اسمها (روزاليند فرانكلين) وسرق آخرون جهدها، ونشر البحث بقية شلة السارقين. وهذا من أهم أبحاث وكشوفات القرن باسم آخرين، وهو يروي قصة الأبطال والبطلات المجهولين والمجهولات!! والعالم (جيمس واطسون) وزميله (فرانسيس كريك) اللذان أعلنا في الستينيات من القرن العشرين، عن كشفهما لتركيب المادة الوراثية، يعود الفضل في تقنية الكشف عن اللولب الوراثي، إلى روزاليند التي ماتت بسرطان الثدي عن عمر 38 سنة، ولا يستبعد أن يكون ذلك تأثراً من الأشعة السينية التي استخدمتها لتطوير تقنية الكشف عن الكود الوراثي. وإذا نظرنا إلى الكروموسوم وهو على شكل سلم، وطوله لو بسط خارج الخلية متران، وكل عمود من جانب السلم في كل جانب يشبه الآخر على نحو متناظر. وعرف الآن أن هذا السلم يفتح بين جانبيه، ويسمح بأخذ 500 خمسمائة بليون نسخة في الثانية، لتزويد حاجيات الجسم بدون خطأ مطبعي واحد. ومما علم أن محل انفتاح السلم، يصبح مثل كليشة الطباعة؛ فتاتي البروتينات وتصطف بما يوازيها، فيطبع منها نسخا مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، وترسل بواسطة الخلية، إلى مكان الحاجة من جرح أو هورمون أو إنزيم، وهي حاجيات خرافية للصيانة في كل لحظة. فإذا أردنا معرفة بناء هذا السلم، تبين أنه مكون من عقد مثل قصب السكر، وهي تراكيب من أحماض نووية؛ فإذا أردنا دخول التركيب النووي فاجأنا تركيبا كيماويا على شكل جزيئات، وهي بدورها مكونة من (ذرات) متراكبة بعضها إلى بعض. وهنا أي في بطن الذرة تبدأ رحلة من نوع جديد.. والذرة تذكر بسطح الخلية، حيث تطير عليه الإلكترونات، وهي شحنات سلبية، وفي نواة الذرة توجد بنى ذات شحنة إيجابية، بحيث يتحول البناء الذري إلى ما يشبه النظام الشمسي، تدور الإلكترونات فيه مثل دوران الأرض حول الشمس على شكل إهليلجي. وكانت توقعات العلماء أن هذه هي نهاية الرحلة، كما توقع ديموقريطس اليوناني من قبل، ولكن لم تنته الرحلة؛ فقد عرف أن نفس البروتونات في قلب الذرة مكونة بدورها من جزيئات ما تحت ذرية، هي الكواركز اكتشفها العالم جيلليمان. وتم الإعلان من مخبر (فيرمي لاب) من واشنطن أنهم بواسطة المسرعات النووية تحت أرضية، وصلوا إلى ضرب المادة بمضاد المادة، بعد تحقيق سرعة تقترب من سرعة الضوء؛ فوجدوا أن هناك ما هو أصغر من الكواركز؟؟ ويعكف على البحث عالم أمريكي غريب الأطوار هو (ويتين) افترض أن نواة الذرة أي البروتونات، التي تتكون من الكواركز تتكون بدورها مما هو اصغر منها، على ما سماه مخبر واشنطن البريون أو الهالوبرون. إن نهاية الرحلة تصل إلى شيء مفزع، خلاصته أوتار فائقة، تعمل في أكثر من عشرة أبعاد، وفك واحدة، منها يعيد لعبة بداية الكون؛ فتنفجر طاقة فظيعة، وندخل عالما كاملاً. إنه مثل عالم عبقر الساحر، ولكنه يقترب أكثر فأكثر من الإيمان بالله الذي خلق فسوى. خالق كل شيء فاعبدوه... لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير... قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها!! .. . ليس كمثله شيء وهو السميع العليم. وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده.