تعالت مؤخراً العديد من الأصوات معلنة نجاحها في استخلاص أدوية من الأعشاب لمعالجة أمراض مستعصية مثل الإيدز والسرطان والغرغرينا وفيروسات الكبد والسكري وضغط الدم، في وقت يؤكد فيه اختصاصيون استقبالهم لمئات الحالات الحرجة من مضاعفات الأمراض المزمنة نتيجة الانقطاع عن تناول الوصفات الطبية، والاعتقاد بما يصفه "العشابون". في هذا التحقيق وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) تتناول التناقضات الكبيرة في سوق الدواء العشبي والطريقة التي يستنبط بها بعض العشابين أدويتهم لعلاج المرضى، ورأى أصحاب الاختصاص من الأطباء والأكاديميين في هذا الشأن عبر النزول الميداني إلى أشهر مراكز المعالجة بالأعشاب بأمانة العاصمة. يكشف واقع الحال، أن الكثير من العشّابين الموجودين في الساحة يمارسون مهنة طب الأعشاب بعدة طرق، فمنهم من يمارسها بشكل تقليدي في منزله، ومنهم من يمارسها في محلات العطارة أو في عربات وسيارات متنقلة، والبعض الآخر في مراكز وعيادات تحاكي عيادات الأطباء الحديثة، وتتصدر جدرانها اللافتات والشهادات والتزكيات من قبل شخصيات اجتماعية وجهات مختلفة محلية وعربية، وكأنها بمثابة شهادات اعتماد تخوّل لهم ممارسة الطب وتحويل الآخرين إلى فئران بشرية لتطبيق تجاربهم. (نعالج ما عجزت أكبر المستشفيات الحديثة معالجته)، (ابن سيناء العرب.. طبيب الأعشاب الوحيد الناجح في اليمن)، (زورونا ستجدوا ما يسركم).. مثل هذه الشعارات وغيرها من توقيعات الاعتماد لشخصيات اجتماعية ومشائخ على نحو (نحن نشهد لفلان الفلاني بأنه طبيب) و(نحن نشهد أن علاج فلان الفلاني نافع وغير ضار) تجد أنها بمثابة شهادات اعتماد تخول للكثير من العشابين ممارسة مهنة الطب في ظل غياب رقابة الأجهزة المعنية!! ادعاءات يرى كثير من الأطباء اليمنيين العاملين في الطب الحديث أن أغلب أطباء الأعشاب المتواجدين في الساحة يعتمدون في علاجهم على العشوائية والارتجال في تطبيب المرضى. يقول اختصاصي أمراض الباطنية الدكتور محمد زايد: يتدخل أطباء الأعشاب عادة في معالجة أمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم باستخدام أعشاب يعتقدون أنها إن لم تكن نافعة فهي غير ضارة ما يجعل المريض يتوقف عن استخدام الأدوية الضرورية وبالتالي يدخل المريض في مضاعفات الأمراض تكون عواقبها وخيمة وقاتلة. وأضاف: المشكلة أن طبيب الأعشاب يساعد في تدهور حالة المريض، حيث يكون طبيب الأعشاب هو المقيّم للحالة قبل العلاج وبعد العلاج دون الاستعانة بطبيب مختص. والحل بنظر الدكتور زايد أن يتم إلزام أطباء الأعشاب من قبل الجهات المختصة بإخضاع أدويتهم لفحص مكوناتها وآثارها مثل أي صنف دوائي يستورد إلى اليمن.. ناصحاً أطباء الأعشاب محاولة دارسة الطب الحديث ليتسنى لهم الربط بين النوعين، وتطوير طب الأعشاب بما يكفل خدمة طبية فريدة خالية من الأضرار والمساوئ. إقرارات فيما يقر طبيب الأعشاب نبيل الأهجري أن طبيب الأعشاب هو عبارة عن صيدلي أولاً وليس له الحق أن يشخّص الأمراض، حيث أن طبيب الأعشاب يأتي إليه حاملاً تقريراً من الطبيب المختص بأن المريض عنده كذا وكذا، فيقوم بصرف العلاج الذي يراه مناسباً، نافياً بهذا التوصيف أن يكون طبيب الأعشاب طبيباً بكل ما تعنيه الكلمة أو أن يكون عالماً.. ورسم إطاراً عاماً لطبيب الأعشاب بقوله: طبيب الأعشاب يالله يصنع لبعض الأمراض أدوية مع البحث والتجارب هذا إذا كان طبيب أعشاب صح، لأن هناك أطباء أعشاب وهناك من يتلاعب بطب الأعشاب. أما طبيب الأعشاب فارس الظمين من عيادة الحكمة اليمانية للتداوي بالأعشاب فيرجع بداية طب الأعشاب في اليمن إلى أكثر من 600 سنة، وانتقلت اليه من خلال (الوراثة) عن الآباء والأجداد.. ويضيف: كما درسنا دراسة علمية في قسم الصيدلة والمختبرات حتى نستطيع التعامل مع الفحوصات التي تأتينا عبر الأطباء. في حين يعتقد طبيب الأعشاب محمد عبدالسلام الظمين وكما بدا في إعلاناته أنه "ابن سيناء العرب" الجديد، وقال مزهواً خلال مؤتمر صحفي عقد الشهر الماضي لتكريمه لحصوله على الزمالة الفخرية من قبل "الجمعية الأوروبية للتسويق والتنمية": أنا طبيب الأعشاب الوحيد الناجح في اليمن، محذراً من كل من ينتحل اسم "الظمين" للاحتيال على المرضى، ولا يرى محمد عبد السلام الظمين اشتراط البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراه لممارسة مهنة طب الأعشاب. طريقة المعالجة والتشخيص وفي السطور التالية نترك نافذة آلية المعالجة التي يتم من خلالها معالجة الحالات المرضية التي تصل عيادات التداوي بالأعشاب للقارئ ليبني عليها رأيه وحكمه، مكتفين بتقديم الإجابات كما هي.. يقول فارس الظمين: هناك حالات يتم تشخصيها ومعرفة نوع مرضها من خلال ممارستنا للمهنة ومن خلال التجارب السابقة التي جربناها ومن خلال هذه المعاينة نعرف أن هذا المريض لديه مرض كذا، وهذا في بعض الأمراض وخاصة الجلدية التي تعد نسبة نجاحنا في علاجها 100% وذلك بدون استشارة طبيب، أما أمراض الباطنية فإنها تحتاج إلى أشعة ونضطر لإرسال المريض إلى أي مختبر لإجراء الفحص اللازم حتى يتم التأكد من حالته. فيما قال نبيل الأهجري إن المريض الذي يأتي إليّ يكون حاملاً للتقرير الطبي الذي يصف حالته بدقة، ومن خلال هذا التقرير أبني معرفتي عن حالة المريض وما يحتاج إليه ومن ثم أقدم له العلاج المناسب، أي أنني كالصيدلاني تماماً. فئران تجارب بشرية يرى جميع العشابين الذين التقيناهم عدم وجود ضرر أو أعراض جانبية من تناول أدويتهم العشبية، ولكن كيف تسنى لهم معرفة ذلك؟ يقول الدكتور وليد الكسار اختصاصي علم الصيدلة: من المتعارف عليه أن تداول الدواء في الأسواق يتم دراسته في مراكز متخصصة، حيث تجرب الأدوية سواء كانت مشتقة من الأعشاب أو عقارات كيميائية في البداية على الفئران وبعد التأكد من سلامتها وفاعلية العلاج تجرب على الأرانب ثم على القرود ثم يتم فتح باب التطوع للمرضى مع الالتزام بالسلامة وتأمينهم صحياً ثم يتم التداول في منطقة محدودة وبعد التأكد منه يتم الإعلان أن العلاج الفلاني يعالج المرض الفلاني وليس ضاراً. أما نبيل الأهجري من مركز الأهجري فيقول: أدويتنا توارثنا تركيبتها من الآباء والأجداد وليس لها أي ضرر، أما الأدوية الجديدة فنحن نجرب الدواء على أنفسنا قبل أن نبدأ بوصفه للمرضى. فيما يقول فارس الظمين من عيادة الحكمة اليمانية للتداوي بالأعشاب: طورنا مهنتنا عن طريق التجارب العلمية والعملية وحققنا الكثير من النجاحات حتى استطعنا علاج حالات مستعصية داخل اليمن وخارجه. في حين يقول محمد عبد السلام الظمين من مركز العشب الأخضر: أدويتنا ناتجة عن تجارب توارثناها من الآباء والأجداد ونضمن عدم حدوث أي ضرر منها.. وعن تجارب الأدوية الجديدة يضيف قائلاً أمام الصحفيين خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد في صنعاء: تجاربنا لا تمثل شيئاً مقارنة مع ما يجرى من تجارب للأدوية على الشعب اليمني في الصيدليات وسوق الدواء اليمني.