(1) طال الفراق ... أحس أنني دونها بلا عينين .. بلا شفتين .. بلا ملامح على الإطلاق : يتعمق شعوري بالغربة ، وبأنني مصلوب على جدار القلق والقهر والأحزان. (2) .. تراءت لي جميلة كما كانت ، تتأوه بتلذذ عندما أقبلها بلهفة وأحتضنها بشوق قاس. أمسكت بيدي وبدأت تضغط عليها ثم تتساءل بهمس محبب ونحنت نتعانق : - لماذا طال فراقنا هكذا ياترى ؟! أعرف أنها تعرف ولكنني قلت لها بحنان : - عندما أحرق الأشرار سفائننا ، ذات ليلة ، وأغرقوها في نهر المدينة القديمة ، قبل أن تسافر بنا إلى المستقبل ، اضطررنا إلى الافتراق .. و .. أضافت مقاطعة : - وظللنا ، منذ تلك الليلة ، نجوب أعماق النهر .. نشعل الحرائق في كل السفائن الشريرة التي تعبر ، دون أن نلتقي ..! - كان ذلك هو قدرنا : أن نظل ، مذ ذلك ، منفصلين ، نوقد النار لنضيء لإنساننا البائس طريق الخلاص .. - .. وكنا نقاسي كثيراً من الجوع والعطش. - نعم يا حبيبتي ، لقد كان النهر مليئاً بالتماسيح المفترسة .. كانت تحتكر كل شيء لها ، وكان مفروضاً علينا أن نظل محرومين من خيراتنا. - .. فهل ينتهي الفراق ؟ - لابد أن ينتهي . بالرغم من أن المخلوقات الشريرة لاتزال تتكاثر وتحاول أن تسد علينا منافذ الأمل ! - ......... تلاشى طيفها . تشوشت الرؤيا . انتهت .. وجدتني لا أزال وحيداً. (3) .. قبلها عدت أنا إلى مشارف المدينة، تأخرت ليلى عن العودة ها أنا ذا الآن أناجي الصمت الموحش ، أتجرع مرارة الوحدة القاسية. خائف أترقب. .... في منتصف الليل اختفى القمر خلف سحابة معتمة . سمعت وقع أقدام . التفت . رأيت شخصاً غريباً ، مخفي الملامح ، يتقدم نحوي . يمد يديه ، وبسرعة يطبق على رقبتي ، يبدأ في الضغط عليها. قاومته ، بذلت جهداً كبيراً حتى تمكنت من تخليص رقبتي من بين يديه . نهضت . عاجلته بضربة عنيفة على رأسه . بدأ يتراجع ، ثم قفز إلى الشارع واختفى في منعطف مظلم. .. أسرعت إلى الخارج أبحث عنه (لابد من القبض عليه والقصاص منه). ظللت أركض ، أركض ، في شوارع المدينة الخرساء بلا توقف ..! (1973)