من بين أروقة السياسة إلى معامل العلوم النووية, ومن كتب الفيزياء والكيمياء النووية إلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية .. كل هذه لا تكاد تخلو من تناول هذا المفهوم سواء من الجانب البحثي أم الجانب السياسي , سواء في اتجاه التسلح أم في الاتجاه السلمي ضمن ما يعرف بالاستخدام السلمي للطاقة النووية لتوليد الطاقة الكهربية. لكن والقارئ دائما وهو يتابع أو يسمع أو يقرأ عن تخصيب اليورانيوم أو اليورانيوم المخصب حتما سيتبادر إلى ذهنه بعض تساؤلات تتعلق بماهية التخصيب وماذا يعني اليورانيوم المخصب Enriched Uranium.. الجواب يمكن أن نجده بين ثنايا هذا المقال بكل بساطة . من المعروف في فيزياء النواة أن النواة تحتوى على نيوترونات وبروتونات , ولكن توجد هناك لبعض لنواة العنصر الواحد ما يسمى بالنظائر Isotopes والتي تنتج عن وجود العنصر في الطبيعة في عدة صور تكون فيه أنوية هذا العنصر لها نفس العدد من البروتونات (والذي يطابق العدد الذري) بينما تختلف فيما بينها في عدد النيوترونات . من بين العناصر الموجودة في الطبيعة بعدة صور(نظائر) هو اليورانيوم . يوجد اليورانيوم في الطبيعة في صورتين (نظائر) منها : يورانيوم (238) بنسبة 99.3% ويورانيوم (235) بنسبة 0.7% .(العدد بين القوسين يعني العدد الكتلي وهو إجمالي عدد البروتونات والنيوترونات) ولكن ورغم أن يورانيوم (238) يتواجد كما نرى في الطبيعة بنسبة كبيرة إلا أنه لا يصلح لإنتاج الطاقة في المفاعلات . حيث أنه حينما يستخدم في المفاعلات كوقود ويقذف بالنيوترونات الحرارية , عندما تصطدم به هذه النيوترونات فإن معظم النيوترونات المتولدة تفقد بواسطة الامتصاص في اليورانيوم(238) وبالتالي لا يحدث انشطار نووي وبالتالي لا يحدث إنتاج للطاقة من المفاعل . ولكن ولزيادة حدوث احتمالية الانشطار بالمعنى العلمي زيادة المقطع العرضيcross section لحدوث التفاعل يتم في هذه الحالة اللجوء إلى عملية تخصيب اليورانيوم . تخصيب اليورانيوم هنا تعني زيادة نسبة أحدى نظائر اليورانيوم على الأخرى بمعنى زيادة نسبة النظير (235) والذي يتميز بأن احتمالية انشطاره بالنيوترونات الحرارية أكبر (أي أن المقطع العرضي للتفاعل الحراري كبير ) . ولتقريب الحالة أكثر: فكما رأينا أن اليوارنيوم (235) أكثر جدوى لحدوث التفاعل الانشطاري وبالتالي أكثر جدوى للعمل في المفاعلات . ولكن يوجد - كما أسلفنا - بنسبة ضئيلة جدا لا تتجاوز 0.7% , ويكمن الحل هنا في عملية التخصيب والتي نقوم فيها بعمل معالجات معينة باستخدام تقنيات خاصة على اليورانيوم الطبيعي والذي يحتوي على كلا النظيرين بحيث تعمل هذه التقنية على زيادة نسبة النظير (235) من النسبة الطبيعية 0.7% إلى نسبة أكثر بحيث يصلح للعمل كوقود في المفاعلات النووية. كل المفاعلات لا تعمل إلا باليورانيوم المخصب - ماعدا مفاعل MAGNOX والتي تستعمل الماء الثقيل والغاز- جرافيت - . أما المفاعلات الأخرى فتعمل باليورانيوم المخصب وبنسب تخصيب مختلفة , تتراوح من نسب تخصيب منخفضة بين 2 - 3 % . ومتوسطة تتراوح بين 20 - 80 % , كما تصل نسبة التخصيب أحيانا إلى 93% .. تتم عملية تخصيب اليورانيوم باستخدام تقنيات عديدة منها : الانتشار الغازي , الطرد المركزي الفائق , الفصل الكهرومغناطيسي , طرق الديناميكا الهوائية , الفصل بالبلازما , التخصيب بالليزر ..... جميع التقنيات السالفة الذكر تعتبر تقنيات معقدة وتحتاج إلى تكنولوجيا متطورة وتكاليف باهظة , وهذا ما يجعل الدخول في النادي النووي حكرا على بعض الدول وبالذات الدول ذات الباع الاقتصادي والنهوض التنموي الكبير .. ما عدا بعض الدول التي دخلت النادي النووي كتقنية تشغيلية ولكن لا تمتلك دورة وفود نووي لتخصيب اليورانيوم كون تقنية التخصيب كما أسلفنا من الصعوبة بمكان وبالتالي تحتاج إلى استيراد اليورانيوم وشرائه من غيرها .. إن قدرة أي دولة على تخصيب اليورانيوم يعكس التطور التكنولوجي والتقني الكبير الذي وصلت إليه وبالتالي امتلاكها دورة وقود نووي والذي يعكس مدى الاستقلالية والقدرة والقوة لهذه الدولة . والذي يؤدي بها إلى توفير الطاقة اللازمة لتشغيل بناها التحتية أو بمعنى آخر يوفر لها عنصري الأمن الغذائي حيث أن الأمن الغذائي دائما يكون ملازما بشكل كبير لأمن الطاقة وأي أمة لم تصل إلى تحقيق أمنها الطاقي حتما لن تضمن أمنها الغذائي.