لا مكان للوحشة في هذا البلد «الطيب»، لا مكان إلا للجمال والذوق والبحر وسحر الطبيعة.. أهو امتزاج الروح بالدنيا، أم أنه خلط سخيف بين ما أبليتُ من قلق وما أبقيتُ من ذكرى هو يطاولني ويشبه بعض غيماتي.. ويالله!! ما هذا الحنين الذي تصلينه العشاق في الضعن والترحال يا عدنُ؟! هاهنا هاجت أغنيات العشق في روحي، ونازعني على شطآن منتجع العروسة فيض أشواق إلى ذكرى أحبائي.. للمنى الخضر ذات المزن في شفق النواظرِ.. في سرابيل المدى. منتجع العروسة: قبل أن نصل إلى هذا المنتجع الرائع، عَرَّجْنا على ما يسمى بساحل العشاق.. كان الساحل خالياً من كل شيء عدا السيارات التي لا تحمل عدداً كبيراً من الناس عليها.. وهناك اثنان في منتصف الجبل المطل على الساحل.. وآخران هناك في الطرف البعيد من مجفن الساحل.. يبدو كل شيء هناك ميّالاً إلى الصمت والانطواء والحديث الخافت وكره الأضواء والانشغال بالاستماع إلى الأرواح أكثر من تبادل أطراف الحديث الصاخب مع البحر والأشياء والكائنات المحتفية به.. ولذلك آثرت أن أتركه أو أغادره كزائر أو مستطلع ودَّعه بنصف فم.. لأحلق كما يحلو لي أن أحلق فوق منتجع العروسة الذي ألهمني منذ الوهلة الأولى قصيدتي الجديدة «بدمع بنات ياتو» التي يقول مطلعها: تشغلني المرأة الفارهةُ عن البحرْ.. إنه المنتجع الذي يستأثر بشغاف الزائرين من عدن وغير عدن.. ويحتضن بدفء وحنان وكرم نبيل معظم العائلات القادمات، حيث يجدن فيه الراحة المناسبة الملائمة وذلك لتوافر الهدوء فيه ووجود الخيام على الساحل وعمال النظافة وخفر السواحل والحمامات ومسابح الأطفال والكبار والإدارة الناجحة فعلاً في إدارة المنتجع بدليل تزايد المقبلين عليه كل حين خلال العام كله.. وفي الأعياد يمنع فيه دخول غير العلائلات وذلك للازدحام الشديد الذي تسببه العائلات القادمة من المحافظات الشمالية. غرابيب التواهي أحزننا كثيراً أن حديقة التواهي صارت صعيداً جرزاً إلا من بقايا هثيم أشجار.. وأشجار طويلة لم تزل صامدة صمود شمسان. عشرات الطيور من الغرابيب إن لم تكن المئات هي الوحيدة التي ظلت تندب وفاة هذه الحديقة التي اعتادت أن تكتظ بالناس وتؤنس المحبين وتبهج التواهي التي ليس لها إلا هي مؤنساً جميلاً وروحاً حية. صيرة والصياد 80 عاماً مضت من عمر الصياد الكبير.. وثلاثة وثلاثون عاماً وهو يمتهن هذه المهنة «صيد السمك بإمكانات متواضعة عبارة عن خيوط ووجبات قديدية للسمك».. دخل الإنجليز إلى عدن من الجهة المقابلة له شرقاً تقريباً وهو في نفس المكان، وخرج الإنجليز وكان الجلاء والأحداث.. وأخيراً الوحدة اليمنية وهو في نفس المكان: * أنت صياد..؟! - نعم. * وكم لك في الشغلة؟ - ثلاثة وثلاثون عاماً.. يا ابني عمر كامل. - قلت: ثلاثة وثلاثين عاماً والرجل في نفس المكان.. ماذا يفعل هنا؟! وهو ولا حتى قارب صيد بعد كل هذه الفترة؟ «ظروف يا ابني.. ومشاكل.. وزمن مش طيب».. وأضاف: «تحت هذه القلعة أنا من عمر طويل والحمدلله ما احتجت إلى أحد.. ولا معي أطفال ولا يحزنون». قد زهد هذا الصياد الكبير عن كل شيء عدا عما يحسبه يعينه على متابعة تقلبات طوالع البحر وتحولات أشيائه وكائناته.. ووظيفته التطوعية اليومية وهي الخشوع عن إشراقة كل شمس خوفاً على قلعة صيرة الشامخة من الانحناء والانكفاء ربما! عليك سلام الله يانفحة الوَجَنِ.. ويا أميرة الجمال في الزمن.. ياعدن!