في مجمل أعمال الأديب والقاص والروائي الفلسطيني غسان كنفاني البندقية حضورها الأساسي فقد أدرك بحسه السياسي ووعيه الوطني الملتزم أن المقاومة والكفاح المسلح الطريق الأمثل لذلك وقام بدوره الريادي وسخر أعماله الفنية لترسيخ ثقافة ثورية في أوساط الجماهير العربية والفلسطينية وبرزت هنا أهمية الأديب غسان كنفاني ودوره الوطني وأدرك مجدداً أن الرواية والقصة يجب وينبغي أن تكون لخدمة هدف سياسي جماهيري وتمكن من خلاله تراكم تجربته الأدبية والقصصية دون أن يقع في السطحية والخطابية المباشرة فجاءت أعماله الروائية والقصصية بالإضافة إلى ريادتها في الموضوع السياسي رائدة في تقنيتها وأخذها بأساليب القصة والرواية الحديثة التي تسبق ما وصل إليه المعاصرون. ومنذ سنوات أعقبت نكبة 1948م ظلت القضية الفلسطينية في الأوساط العربية والدولية مجرد قضية شعب من اللاجئين ينبغي النظر إليها بعطف وإحسان يترافق مع تقديم ما أمكن من معونات مادية تمكنه من العيش وفي الميدان الفلسطيني ذاته انشغل الشعب الفلسطيني اللاجئ بهمومه الحياتية فكانت السنوات الأولى من النكبة قاسية للغاية ولا سيما في المخيمات الفلسطينية واتجهت أنظار الفلسطينيين نحو لب القضية الفلسطينية وجوهر الصراع مع العدو الصهيوني من حيث إن هذا الصراع لا يمكن حسمه إلا بالكفاح المسلح. ومن هنا أخذت الدعوة للكفاح المسلح جانباً مهماً في أدب غسان كنفاني عبر التركيز والاهتمام المميز والجدى ففي قصصه القصيرة في مجموعته الأولى «موت سرير رقم12» عام 1961م كانت أغلب شخوصه ذات الهموم الوطنية لاتزال مبهورة بواقع النكبة وآثارها ودواخلها من المعاناة التي عاشها إبان أحداثها في فلسطين والتي أصبحت الآن ممثلة ففي قصصه البومه 1959م وقصة شيء لايذهب 1958م وقصة منتصف آيار 1990م وقصة «ورقة من الطيرة» وورقة من غزة وقصة عالم ليس أنا 1965م ورواية رجال في الشمس 1963م وماتبقى لكم 1966م ورواية عائد من حيفا1969 وفي مجموعته القصصية الرجال والبنادق 1968م. نجد أنفسنا عبر قراءاتنا المتعمقة أمام شخوص تتألم لأنها لم تناضل في السابق ولم تدافع عن الوطن مما أوصلها إلى حياة الذل واللجوء الحالية التي تعيشها وهي استجابة فريدة أمام بدايات الوعي بضرورة ممارسة المقاومة والكفاح المسلح وسيلة لتحرير الوطن وطرد الغاصبين وبدأ الوعي يتبلور بوضوح أكثر في مجموعته القصصية الثانية أرض البرتقال الحزين 1964م ففي هذا العام كان الوعي الجماهيري قد ازداد تبلوراً بفعل نشاط الطلائع الثورية المنظمة مما جعل شخصيات هذه المجموعة تعي معنى حمل السلاح وفي القصة الأخيرة من هذه المجموعة عالم ليس لنا 1965م المسماه العروس تتبلور رحلة بكاملها لتؤكد أن البندقية هي الطريق الوحيد لحسم الصراع مع العدو الصهيوني بينما في مجموعته الثالثة عن الرجال والبنادق 1968م يتغير الوضع الفلسطيني وتدخل الطلائع الثورية المسلحة زمن الاشتباك الفعلي مع العدو الصهيوني وكذلك الأمر في أعماله الروائية فقد واكب الأديب غسان كنفاني حركة الشعب الفلسطيني موجهاً أنظار طلائعه إلى المقاومة والكفاح المسلح وقدم أعمالاً روائية رائدة في الموضوع والأسلوب جاعلاً الكفاح المسلح هو الأساس في الصراع مع العدو الصهيوني فكل رواياته التي قدمها غسان كنفاني كانت صرخة موجهة إلى الشعب الفلسطيني نحو المقاومة والكفاح لمحو آثار الذل والهوان. ويجيء الجواب سريعاً بعد ثلاث سنوات في عام 1966م في روايته ماتبقى لكم وكانت طلائع الشعب المسلحة في تلك السنة قد دقت جدران الخزان فعلاً وأعلنت الثورة المسلحة ضد العدو المغتصب..حامد في هذه الرواية عندما يقرر ترك القطاع هرباً من العديد من مشاكله وبالذات فضيحة أخته مريم مع النتن زكريا يهرب في اتجاه أمه الأرض لأنه يعرف لاشعورياً أن صدر الأم الأرض قادراً على حل كل المشاكل فيتوجه نحو الأردن مخترقاً فلسطين المحتلة وعلى صدرها الحنون يشتبك مع جندي الدورية الصهيونية ويقتل حامد الجندي الصهيوني وتقتل مريم زكريا الذي خانها هنا يبدأ الاشتباك فعلاً ،أما الاشتباك الفردي في رواية ماتبقى لكم 1969م أم سعد دفعتها المشاركة الثورية إلى الثورة الموروث الديني المختلف الذي يشغل لمزيد من التخلف والاستغلال نراها ترمي الحجاب القديم وتعلق بدلاً منه رصاصة أهداها لها ولدها «سعد» أصبحت الرصاصة حجاب المرحلة الجديدة أو الحجاب القديم فقد صنعه لي شيخ قديم عتيق منذ كنا في فلسطين أما أبوسعد التحق بالفدائيين ومعه التحق الآلاف فيدخل الشعب الاشتباك فعلاً في رواية عن الرجال والبنادق كان اشتباكاً مع الفقر والجوع وفي رواية أم سعد اشتباك جماهيري مع العدو الصهيوني. ولعل ما أبدعه الأديب والقاص والروائي الفلسطيني قد أعطى توجهاً جاداً نحو استوحاء المقاومة سلاحاً نحو النضال الفلسطيني لمحو الهون والاستبداد وتحرير الأراضي الفلسطينية ومجابهة الحصار الظالم وعدوان الإبادة والمحرقة الصهيونية التي تشنها آلة الحرب الصهيونية على قطاع غزة..لهذا انطلقت الانتفاضة الفلسطينية في ديسمبر عام 1987م وكانت هذه الانتفاضة دوراً رئيساً في جمع الهم الفلسطيني وحشد الشعب الفلسطيني للتحرير الشامل وقيام الدولة الفلسطينية الوطنية وعاصمتها القدس الشرقية...وهذا يتطلب توحيد الصف الفلسطيني والارتفاع فوق المصاعب والخلافات.*هامش : مجلة الحكمة اليمانية مايو1985م د. أحمد أبومطر