عن دائرة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة اليمنية صدر كتاب "اليمن بين الشورى السبئية وديمقراطية الوحدة" للكاتب والباحث السياسي/سعيد أحمد الجناحي.. الكتاب عبارة عن رصد موجز لمراحل تطور الأنظمة السياسية في اليمن عبر التاريخ والتي يشير المؤلف إلى أنها بلغت ذروتها في التاريخ القديم في عهد الملكة بلقيس كأقدم وأرقى منظومة حكم سياسي شوروي عرفته البشرية. وبين شورى بلقيس وديمقراطية الوحدة يتوقف المؤلف عند الكثير من الأنظمة السياسية والاستعمارية والوطنية التي دمرت خلالها الكثير من القيم والنظم الشوروية التي عرفها المجتمع اليمني في التاريخ القديم . الكتاب الذي جاء في "100" صفحة من القطع الصغيرة احتوى على ستة فصول تحدث الفصل الأول عن "اليمن عبر التاريخ القديم " من خلال التعريف بموقع وتسمية اليمن مروراً بالحديث عن اليمن كمهد للإنسانية حيث ثبت أن اليمن هي بالفعل المهد الأول لإحدى أقدم الحضارات الإنسانية ويأتي استدلالهم هذا عند الحديث عن العصر الجليدى وما بعده وذكر الأمم البائدة التي قطنت اليمن. وفي هذا الإطار يتدرج المؤلف في الحديث عن حضارة اليمن وتطورها وأخذها بالعديد من التجارب الناجحة التي صنعت تميزهم في مجال الزراعة والري وصولا إلى تطور الحضارة اليمنية التي نقشت على الصخور والأحجار التي ظل الكثير منها شاهداً حتى يومنا هذا على عظمة التاريخ اليمني فيما لا زال الجزء الأعظم من تلك الحضارة مطموراً بحسب شهادة بعثات التنقيب الأجنبية بدءاً من بعثة "نيبور" التي زارت اليمن في العام 1762م وحتى يومنا حيث لا تزال البلاد محطة هامة لأنظمة الباحثين عن التاريخ من البعثات التنقيبية والمستشرقين. ويخصص المؤلف الفصل الأول من كتابه للحديث عن اللغة وأنظمة الحكم في اليمن القديم من خلال تأسيس النظام السياسي في عهد الدولة المعينية التي يقول المؤلف أن لغتها وحروفها هي الأقدم من سائر اللغات السامية والتي ربما ترجع إلى ألف عام قبل الميلاد. أنظمة شوروية قديمة ويتحدث المؤلف بعد ذلك عن أشكال الأنظمة السياسية في الدول اليمنية القديمة والتي يشير إلى أن أقدمها يعود للعصر الملكي القتباني وربما إلى تأسيس الدولة السبئية الكبرى ويضيف المؤلف أن تلك البلاد عرفت نظاماً يتكون من مجالس تمثل الشعب تمثيلاً نيابيا قد يكون مجلساً قبلياً إلى جانب العرش كما كانت تمثل القبائل المختلفة في الهيئات التشريعية المتعددة وكانت إدارة البلاد بيدها وربما كان المجلس القبلي يعقد جلساته مرتين في العام في عاصمة الدولة. وينتقل المؤلف بعد ذلك للحديث عن مجالس القبائل التي يصفها بأنها مجالس التشاور عند المجتمع اليمني القديم حيث يقول في ذلك تدل الحقائق المقنعة من خلال النقوش أن المجتمع اليمني القديم عرف نظام المجالس القبلية والاستشارية وكانت المجالس الاستشارية تتكون من كل القبائل ما عدا الرقيق ومهام هذه المجالس هي التشاور حول موضوع معين أو عدة مواضيع. عصر الدويلات وفي الفصل الثاني من الكتاب يتحدث المؤلف عن اليمن ونظام الحكم في ظل الدولة الإسلامية بدءاً من عهد الرسول الكريم والخلفاء الراشدين حيث قسمت اليمن إلى سبع مناطق تعاقب على حكمها حوالي عشرين عاملاً وهو الأمر الذي تواصل عندما كانت اليمن ولاية تابعة للدولة الأموية ثم العباسية ومن ثم عودة الدويلات لحكم مناطق اليمن استمرت في حكم اليمن بدءاً من دولة بني زياد وصولاً إلى دولة الأئمة الأخيرة. وفي الفصل الثالث من الكتاب تعرض المؤلف للحديث عن وقوع اليمن تحت الاحتلال وقبل ذلك السيطرة العثمانية على اليمن والتي بدأت من احتلال عدن عام 1538م ومن ثم صنعاء عام 1570م فيما سمي بالاحتلال التركي الأول ويصل المؤلف بعد ذلك للحديث عن احتلال عدن والهيمنة على جنوب اليمن من قبل البريطانيين الأمر الذي أدى إلى تقسيم اليمن إلى شطرين وهو ما جعل اليمن تعيش في ظل الاحتلال والإمامة في ذات الوقت وهو الأمر الذي تحدث عنه الجناحي في الفصل الرابع من كتابه والذي يسرد فيه كيف سلم الأتراك شمال اليمن للإمام يحيى الذي لم يحتفظ بأسلوب النظام الإدارى والقضائي الذي خلفه الأتراك فقام بإلغاء مجالس الشورى التي كانت تضم الأعيان والمجالس الإدارية التي كانت تتكون من نواب مختارين لإبداء آرائهم ورغباتهم لدى السلطة التركية ويواصل المؤلف رسم الصورة السوداء التي عاشها أبناء الشعب اليمني في ظل الإمامة المتوكلية بدءاً من الإمام يحيى الذي استأثر بكل السلطات في يده وحكم اليمن بقوة السيف والإرهاب والظلم وغير بعيد عن ذلك سلط المؤلف الضوء على الأنظمة التي سادت جنوب الوطن في عهد الاحتلال وتقسيم جنوب اليمن لمحميات بريطانية الأمر الذي أدى إلى نشوء المعارضة والنضال في سبيل التغيير وقيام حزب الأحرار اليمني الذي طالب بأول دستور وقيام الثورة واعتبار الإمام أن الدستور هو اختصار للقرآن وخداع عامة الناس بذلك وفشل ثورة 1948م وسقوط رموزها شهداء.. ويتدرج المؤلف بعد ذلك ليصل للنظام الإمامي أثناء حكم الإمام أحمد الذي كان حكمًا أشد سوداوية من حكم أبيه فزادت حدة القمع في عهده مما أدى لقيام حركة 1955م والتي انتهت بإعدام الثلايا وغيره من الثوار. ويتحدث المؤلف كذلك عن نشوء تنظيم الضباط الأحرار الذي انتهى بإسقاط النظام الإمامي في السادس والعشرين من سبتمبر 1962م. ومن ثم امتداد الثورة إلى جنوب اليمن واندلاع ثورة الرابع عشر من أكتوبر في العام 1963م وصولاً إلى الاستقلال في الثلاثين من نوفمبر من العام 1967م ورحيل آخر جندي بريطاني من جنوب الوطن. وفي الفصل الخامس من الكتاب يتحدث المؤلف عن مرحلة التغيرات التي حدثت في ظل النظام الوطني الشطري في الشمال من خلال إنشاء المجلس الوطنى "1969-1971" ومن ثم مجلس الشورى "1971-1975" وحتى تأسيس مجلس الشعب التأسيسي "1978- 1988م". عهد الاستقرار والتحول يصل المؤلف في تدرجه لمراحل تطور الأنظمة السياسية اليمنية إلى السابع عشر من يوليو من العام 1978م وانتخاب الرئيس اليمني علي عبد الله صالح رئيساً للجمهورية حيث يقول المؤلف أن ذلك العهد الذي يعد البداية الحقيقية للاستقرار والتحول الديمقراطي الذي بدأ من إنشاء مجلس الشورى الذي استمر من العام 1988م وحتى العام 1990م حيث ظل الرئيس علي عبد الله صالح خلال السنوات التسع الأولى من عهده يعمل على طرح المبادرات وإصدار القرارات والإجراءات التي تؤسس للديمقراطية على صرح وقواعد متينة وثابتة لتصبح إطارا للنظام فيصعب إلغاء أنظمتها أو هيئاتها بقرار فردي. ويتحدث المؤلف في هذا الصدد عن تأسيس المؤتمر الشعبي العام وتوسيع النطاق أمام تشكيل النقابات والاتحادات والمنظمات المهنية والجماهيرية وصولاً إلى المجالس المحلية للتطوير التعاوني التي تكونت عبر انتخابات شاملة جرت في العام 1986م ومن ثم انتخابات مجلس الشورى التي تمت في العام 1988م. وفي الفصل السادس والأخير من الكتاب يواصل المؤلف البحث عن مسار تحقيق الوحدة ونمط نظامها بدءاً من إعلان الوحدة في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م وما تلا قيام الوحدة من تعزيز للنظم الديمقراطية التي تعززت من خلال دستور دولة الوحدة.. والاستفتاء الذي تم على الدستور وصولاً لإقرار الحقوق السياسية والحريات التي ظهرت في أجلى صورها من خلال التعددية السياسية التي أفرزت أكثر من 20 حزباً وتنظيماً سياسياً وما رافق ذلك من إطلاق للحريات الصحفية التي أفرزت أكثر من 150 صحيفة يومية وأسبوعية وغير ذلك. كما يتحدث المؤلف عن الانتخابات النيابية التي تلت قيام الوحدة في الأعوام 1993م و1997م ومن ثم تنظيم أول انتخابات رئاسية عامة في العام 1999م والتي أسفرت نتائجها عن فوز الرئيس علي عبد الله صالح الذي واصل ترسيخ قيم الديمقراطية ومبادئ الشورى من خلال تشكيل مجلس الشورى ومن ثم إقرار انتخابات المجالس المحلية التي أجريت في العام 2002م وصولاً إلى الانتخابات النيابية الثالثة التي أجريت في العام 2003م. ويختتم سعيد الجناحى كتابه بالقول :" لقد أرست اليمن نظاماً وبرغم مما تعرضت له من عوائق إلا أن وضعها في إطار الاستقرار باعتباره مصدر التماسك في البناء المؤسسي لسلطات الدولة وقاعدة استوعبت المشاركة الشعبية والحزبية شكل ضماناً للمشاركة في صياغة القرار وإبقاء اليمن الواحد واحداً إلى الأبد". "..ظل الرئيس عليً عبد الله صالح خلال السنوات التسع الأولى من عهده يعمل على طرح المبادرات وإصدار القرارات والإجراءات التي تؤسس للديمقراطية على صرح وقواعد متينة وثابتة لتصبح إطارا للنظام فيصعب إلغاء أنظمتها أو هيئاتها بقرار فردي.." "... لقد أرست اليمن نظاماً وبرغم مما تعرضت له من عوائق إلا أن وضعها في إطار الاستقرار باعتباره مصدر التماسك في البناء المؤسسي لسلطات الدولة وقاعدة استوعبت المشاركة الشعبية والحزبية شكل ضماناً للمشاركة في صياغة القرار وإبقاء اليمن الواحد واحداً إلى الأبد..."