أتعبنا الاقتتال مع أنفسنا فابتدعنا أردية هي مزيج من ليلٍ جائر ونهارٍ باهت. أرديةٌ تسكنها رائحة المساء، وصمتُ الليل، وأوجاعُ النوم. أرديةٌ من وجلٍ، ومن سؤالٍ دائم اليقظة. من خنوعٍ خطناها في صمتٍ، وفي خشوع، مثل ميت ينتابه خوف الموت. أعددناها لنحلم ولنعتاد الوهن. نرتديها معتقدين أننا نخفي تناقضاتنا وعيوبنا، لكننا في النوم أقسى من اليقظة. نتضرع لنخفف وطأة كوابيسنا. نبتهل لنوقف ارتحال أحلامنا، ونقلق كثيراً خوفاً من سفر العمر خلسة. نحن كنساءٍ، يتفتق قلبنا عن قلوبٍ أخرى زمن بعد زمن. ننذرها للحب فيرتوي من بعدها العطاشى حتى لا يتبقى لنا إلا النبض الأخير. قلوب عدة، وأنهار يجترع الآخرون من نبعها دون أدنى التفاته لمصدر تدفقها. هل مازال في عنفوانه أو أنه قد بدأ يخبو، أو أنه جف دون أن يلاحظوه. ومع تقدمنا في السن نستشعر خذلان الزمن لنا. في أجفاننا الغائرة، وشعورنا المتساقطة، وتجاعيد وجناتنا، وقلوبنا التي رغم توالدها فأنها لا تحتمل أصغر آهاتنا. كنساءٍ، ليس لنا سوى حدائقنا السرية التي نبتدعها بأنفسنا ونسكنها ملائكة قلوبنا، نفني بها ونحرص ألا يخدش بهاءها أحد، فنسورها ثم نخاف أكثر، فنُعلّي أسوارها حتى نصبح عاجزات عن اجتياز السور، عاجزات عن الدخول. حدائق في القلب من زهر البنفسج ، تعبق طرقاها برائحة الياسمين وورود القلب القديمة . حدائق لا يدخلها إلا من بدأ زهر الرمان بالنمو على أجفانه ، فلا يجرح من يتقصى النور في عتمتنا ، ويستشعر حرارة الآه في سكوتنا . وكلما تفاقمت آلامنا ، وافتقر الطريق إلى الرفاق ، أمعنا في التوحد داخل ذواتنا . قد تتعبنا شفافيتنا ، وقد تئن الروح تستنجد الرب ، وقد لا نحتمل أن نعيش يوما آخر لاهم لنا فيه سوى مواصلة تأدية واجباتنا والتسلل للنوم رغم اعتذاره المتكرر عن استقبالنا. قد لا يليق بنا ما أخطنا من أردية . فنبدأ بنسج خيوط جديدة لأردية جديدة بياضها عتمة وملمسها شتاء دائم . حين ذاك نعود من حيث بدأنا، يملنا الاحتمال فنبدأ في عقد صفقات مع الألم، نعده بأن يكبر ويعدنا باللذة في ازدياده.