بدأت أمس بوزارة الصناعة والتجارة الندوة الوطنية العلمية حول الارتفاعات السعرية، أبعادها وأثرها وسبل مواجهتها. ويشارك في الندوة - التي تنظمها الوزارة تحت شعار (مواجهة الارتفاعات السعرية مسؤولية مشتركة) - نخبة من الأكاديميين والاقتصاديين والمسؤولين الحكوميين وممثلي الجهات المانحة ومنظمات المجتمع المدني. وفي افتتاح الندوة أكد نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية، وزير التخطيط والتعاون الدولي عبدالكريم الأرحبي، اهتمام الحكومة وحرصها على وضع المعالجات الكفيلة بتلافي الآثار السلبية للارتفاعات السعرية التي شهدتها أسعار السلع الغذائية. وكشف الأرحبي عن اعتزام الحكومة القيام بمسح جديد للفقراء المحتاجين للدعم عن طريق صندوق الرعاية الاجتماعية على مستوى جميع المناطق اليمنية بمساعدة فنية من الاتحاد الأوروبي.. وأشار إلى النتائج الإيجابية التي تحققت في انخفاض فقر الغذاء وفقاً لنتائج مسح ميزانية الأسرة.. إلا أنه أبدى مخاوفه من أن تؤثر الارتفاعات السعرية في تبديد هذه النتائج. وأشاد نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية بمبادرة وزارة الصناعة لعقد هذه الندوة.. معرباً عن أمله في أن تتوصل الندوة إلى توصيات فاعلة تأخذها الحكومة بعين الاعتبار في جهودها لمواجهة هذه الارتفاعات. من جانبه أشار وزير الصناعة والتجارة الدكتور يحيى بن يحيى المتوكل إلى أن الندوة ستقف على مدى يومين أمام 20 ورقة عمل موزعة على ثلاثة محاور رئيسة، تتناول التطورات الاقتصادية العالمية وآثارها على البلدان النامية، واليمن على وجه التحديد، والأبعاد الراهنة والمتوقعة لأسعار وأزمة الغذاء العالمية، وكذا مشكلة امدادات وارتفاع أسعار الحبوب والمواد الغذائية في اليمن، والجهود المبذولة والإجراءات والمعالجات الاقتصادية المقترحة لمعالجة مشكلة ارتفاع الأسعار، خاصة السلع والمواد الغذائية. وأكد الوزير المتوكل أن الندوة تهدف إلى الوقوف على حقيقة مشكلة ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً وأثر ذلك على معيشة المواطن اليمني والاقتصاد الوطني.. لافتاً إلى أهمية هذه الندوة في دراسة الارتفاعات السعرية واقتراح معالجتها. وأعرب وزير الصناعة والتجارة عن تطلعه في أن تخرج هذه الندوة برؤية توحد كافة الجهود الرسمية مع القوى الفاعلة في المجتمع للتخفيف من الآثار السلبية للارتفاعات السعرية العالمية على السوق المحلية والعمل على معالجتها على المستوى القريب والمتوسط والبعيد، وبما يرفد ويعزز من خطط وبرامج التنمية الحكومية. عقب ذلك بدأت جلسات أعمال الندوة، حيث ناقش المحور الأول بعنوان (الارتفاعات السعرية العالمية وآثارها)، خمسة أوراق عمل، الأولى عن قضايا الطاقة وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي، مقدمة من مكتب البنك الدولي في صنعاء، تطرقت إلى مسببات ارتفاع الأسعار العالمية وآثارها السلبية على الاقتصاد العالمي خاصة الدول النامية. واستعرضت ورقة العمل الثانية المقدمة من الدكتور صفاء النعيمي التوجه نحو الوقود الحيوي وآثاره على الأسعار وإمدادات الغذاء، وبيّنت أنه ما زال هناك صراع غير متكافئ بين طرفين، الأول الدول المنتجة للوقود الحيوي، التي تسعى إلى إجراء موازنة بين ارتفاع أسعار النفط من جهة والاستفادة من الطاقة الجديدة المتمثلة بالوقود الحيوي على حساب شعوب الطرف الآخر المتمثل بالدول الفقيرة التي تعاني من القهر والمرض والبؤس وعجز في ميزانها الغذائي، والتي تتأثر بالأزمات الغذائية أكثر من غيرها. وأوضحت الورقة أن ما يصرفه المواطن في الدول النامية لصالح الغذاء يشكل 50 - 60 بالمائة من دخله، في حين لا يصرف المواطن في الدول المتقدمة إلا بحدود 20 بالمائة من دخله. مؤكدة أن استمرار الدول المنتجة للوقود الحيوي بالتوسع في إنتاجها مع عدم وجود معالجات للحد من استخدام الوقود الحيوي المعتمد على غذاء الإنسان أو عقلنة إنتاجه أو التريث إلى حين إيجاد بدائل، لذلك فسوف تتصاعد الأزمات الغذائية وسترتفع الأسعار أكثر مما هي عليه الآن، وستعاني الدول النامية من صعوبة الحصول على الإمدادات والكميات التي تحتاجها لإشباع جياعها.. في حين سيزداد عدد الجياع في العالم، وستتسع الفجوة أكثر مما هي عليه الآن بين الدول الغنية المنتجة للوقود الحيوي والدول الفقيرة غير القادرة على إنتاج الغذاء والحصول عليه من الخارج بغية تلبية حاجة الاستهلاك المحلي. وأبرزت الورقة المقدمة من برنامج الغذاء العالمي في صنعاء حول الفجوة الغذائية في العالم وتأثيرها على المجتمع الدولي والدول النامية (اليمن مثلاً)، أهم أسباب الفجوة الغذائية وارتفاع أسعار السلع الغذائية، التي أرجعتها إلى ارتفاع أسعار الطاقة والوقود في العالم بدرجة لم يسبق لها مثيل من قبل، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار إنتاج الغذاء، وارتفاع المستوى الاقتصادي لبعض الدول مثل الصين والهند مما أدى إلى تغير أنماط التغذية، وهذا أدى إلى زيادة الطلب على الحبوب، إضافة إلى الأحوال المناخية وإنتاج الوقود الحيوي من أصناف المنتجات الزراعية الهامة وانخفاض المخزون الاستراتيجي للحبوب في العالم وذلك لارتفاع أسعار التخزين وتطور تكنولوجيات التصدير والنقل. وأشارت الورقة إلى أن أسعار القمح الأبيض الأمريكي في اليمن - على سبيل المثال - ارتفعت من 180 دولاراً للطن المتري الواحد في عام 2006م، إلى 600 دولار للطن، أي بزيادة 333 بالمائة في بداية 2008م. وكذلك الحال بالنسبة لبقية المواد الغذائية الأساسية كالأرز والزيوت النباتية التي ارتفعت بنسبة 236 بالمائة.. موضحة أن ذلك أثّر بشكل كبير على موارد البرنامج وعملياته في اليمن وتسبب في ظهور فجوة غذائية بحوالي 28 مليون دولار في ميزانية البرنامج القطري. وكشفت أنه إذا لم يحصل البرنامج على المساعدات اللازمة فقد يحرم أكثر من 320 ألف شخص في اليمن من المساعدات الغذائية التي يقدمها البرنامج. في حين تطرقت الورقة المقدمة من منظمة الأغذية والزراعة إلى أزمة الغذاء والمجاعات في العالم، ودور المنظمة في هذا الجانب.. مبرزة الدور الذي يمكن القيام به للحد من تفشي المجاعات، خاصة في الدول النامية في ظل استمرار ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية، وكذا الدور المطلوب من الدول المانحة للقيام به تجاه ذلك. واستعرضت ورقة العمل الخامسة التي قدمها أستاذ الاقتصاد الزراعي، المستشار الثقافي ومدير المركز الثقافي المصري في صنعاء الدكتور رياض السيد أحمد عمارة، الأسعار وتحديات السياسة الزراعية، والأدوار التي تلعبها الأسعار في توجيه الموارد والتأثير في قرار الإنتاج، والتي تشكل تحدياً واضحاً للسياسة الزراعية. وفي المحور الثاني بعنوان (التطورات الراهنة والمتوقعة للأسعار وتأثيرها على الاقتصاد اليمني)، استعرض المشاركون في الندوة سبع أوراق عمل، الأولى عن واقع الإنتاج الزراعي الغذائي، قدمها أستاذ التجارة الدولية والاقتصاد الزراعي المشارك بكلية الزراعة جامعة صنعاء، أستاذ دكتور.. وشخصت ورقة المهندس علي حسين السقاف أسباب الأزمة الغذائية في العالم وتأثيراتها على المجتمع الدول والنامي (اليمن مثالاً).. وأكدت أن ترك الأسعار في ظروف هذه الطفرة غير الطبيعية من الارتفاع لما يسمى بآلية السوق خطأ، لأن آلية السوق في مثل هذه الحالة تكون آلية مضللة ولا تخدم إلا مصالح التجارة والمحتكرين. وأوضحت الورقة أنه لا يمكن لليمن مواجهة هذا الارتفاع في أسعار السلع فقط بزيادة أجور ورواتب الموظفين، لأن ارتفاع الأجور والرواتب مهما بلغت نسبتها فهي محدودة بحد أقصى لا يتناسب دائماً مع الزيادة التي طرأت على أسعار السلع في السوق، بل في تدخل الدولة ودورها الهام في مراقبة حالة السوق بهدف إحداث التوازن بين أسعار السلع المستوردة والسلع المنتجة محلياً، وهو دور لا يقل عن دورها بإنشاء جهاز قوي لمراقبة الأسعار ومراجعة عناصر التكلفة إدارياً وفنياً، وتحديد هوامش الربح بما يتفق في الأساس مع التشريعات القانونية النافذة، وهو أمر متبع في أكثر الدول الرأسمالية في العالم، ولا يتعارض مع حرية التجارة أو اقتصاديات السوق. وتطرق الدكتور محمد الحميري في ورقته عن استيراد وتوزيع المواد الغذائية في اليمن، إلى آليات الاستيراد وكيفية ضمان توزيع هذه المواد وواقع ذلك وسبل إيجاد آليات فاعلة لتكثيف الاستيراد وعدالة التوزيع. وأبرزت ورقة الدكتور عبدالله المجاهد تنامي الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك محلياً، وعلاقة ذلك بتنامي الاعتماد على مصادر خارجية في توفير الغذاء والتذبذبات السعرية المحلية والدولية، وكذا التسويق وعلاقته بالإنتاج وتناميه. وأوضحت علاقة الأساليب التسويقية العقيمة الحالية في إرباك أي برنامج أو استراتيجية تهدف إلى زيادة الإنتاج المحلي وتناميه، فالتذبذبات الواضحة في أسعار المواد الغذائية محلية. واهتمت الدراسة بالعوامل الرئيسة التي تؤكد أن تزايد الاستيراد لا يخضع لمعيار وأسس علمية في غياب الاستراتيجية الواضحة لذلك، وترك ترحيل المعالجات من عام إلى آخر، وما يترتب عليه من تنامٍ للفجوة الغذائية التي لاشك سوف تتحول إلى مشكلة كبيرة يصعب معالجتها. ولفتت إلى أن الأساليب المتبعة في تسويق الحاصلات الزراعية المنتجة محلياً وكلفتها بتزايد الاعتماد على مصادر خارجية في توفير الغذاء. كما أكدت الغياب الواضح للمؤسسات والجهات الحكومية ذات العلاقة وكذلك القطاعات الأخرى التعاونية والخاصة في تشجيع المزارع والمنتج المحلي وما يرافق ذلك من إضافة عوامل جديدة تساعده على تزايد الاعتماد على مصادر خارجية. وحاولت ورقة العمل السادسة المقدمة من حسين قعطبي استخلاص أثر ارتفاع الأسعار على ميزان المدفوعات وكيفية معالجة ذلك. فيما ركز مكتب الأمم المتحدة بصنعاء، في ورقته المقدمة عن دور الجهات المانحة في مواجهة ارتفاع الأسعار، على الدور الذي يمكن أن يقوم به المانحون لمساعدة الدول النامية على تخطي هذه الأزمة العالمية. وتخلل جلسات العمل تقديم مداخلات من قبل المشاركين، تركزت في مجملها حول السبل الكفيلة للقيام بمواجهة الارتفاعات السعرية والأدوار المتكاملة التي ينبغي أن يلعبها الجميع في هذا الجانب.