بعيدون عن العين بعيدون عن القلب كما تصفهم منظمة اليونيسف المثقلون بهموم العيش كما يراهم المتلهفون على اكتشاف الحياة واثبات الذات كما يصفون أنفسهم، الأطفال العاملون في مختلف الظروف كما تصنفهم التقارير الدولية . حيث يعتبر عمل الأطفال هماً عالمياً بعد ان تجاوز أعداد الأطفال العاملين عالمياً اكثر من ثلاثمائة وخمسين مليون طفل في الفئة العمرية من ( 14 الى 15 عاماً) فيما تشير الإحصائيات المحلية الى انتشار ظاهرة عمل الأطفال في بلادنا الى 700 الف طفل عامل يتوزعون على مختلف الأعمال البسيطة والمرهقة والخطرة ، لا تستبعد التقارير الدولية ان تلازم ذكريات الإخفاقات والمخاطر في هذه الأعمال بأبعاد ثلاثة نفسية واجتماعية وجسدية . وينقسم مفهوم عمل الأطفال الى قسمين سلبي وايجابي ويتلخص العمل الايجابي في كافة الأعمال الطوعية والمأجورة التي يقوم بها الطفل والمناسبة لعمره وقدراته وتسهم في نموه العقلي والجسدي والذهني. فيما تعتبر الأعمال السلبية كل عمل يضع أعباء ثقيلة على الطفل تهدد سلامته وصحته ورفاهيته وتعيقه من التعليم والتدريب وتمنعه من الإسهام في التنمية .وترجع الدراسات انتشار الظاهرة وتفشيها الى أسباب اقتصادية واجتماعية وتعليمية وتربوية وقانونية حيث تعتبر معدلات الفقر المتزايدة هي السبب الرئيسي في انخراط الأطفال في سوق العمل لكسب المال اللازم لزيادة دخل الأسرة ويعتبر انخفاض الوعي الثقافي لدى الأسرة سبباً في جهل عواقب الآثار السلبية لعمل الأطفال .. ويعتبر ملء الفراغ للطفل في مرحلة الإجازة الصيفية من خلال دفعه الى سوق العمل بعشوائية خطوة سلبية كونها غير مدروسة ولا تنسجم مع توجه الطفل وميوله وتسهم في أحيان كثيرة الى تعوده على الكسب السريع وبالتالي تسربه من التعليم.. وترجع الدراسات الى ان ضعف المسئولية الجنائية سواء على أصحاب العمل ام أولياء الأمور الذين يسارعون بتشغيل أطفالهم سبب رئيسي في قبول الطفل كفرد عامل صامت وجاهل بحقوقه في حالة تعرضه لإصابات عمل خطرة او بسيطة. وتفيد الدراسات ان المخاطر المترتبة على عمل الطفل تتلخص في مخاطر من ناحية التناسق العضوي والقوة البصرية والسمع نتيجة للجروح والكدمات الجسدية والوقوع من أماكن مرتفعة والاختناقات السامة التي يتعرض لها الأطفال في بيئة العمل الخطرة . وخطر معرفي من خلال تأثر التطور المعرفي للطفل نتيجة تسربه من التعليم وتوجهه للعمل والتأثر العاطفي حيث يفقد العديد من الأطفال العاملين احترامهم لارتباطهم الأسري وتقبلهم للآخرين سوى من منطلق الربح والخسارة إضافة الى التقليل من الإحساس من خصوصية المرحلة العمرية وطفولتهم كما يتأثر التطور الاجتماعي والأخلاقي للطفل العامل من خلال عدم القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ وكتمان ما يتعرض له في حدود العمل والإحساس بالدونية بدون عمل.. ويبين اختصاصي السموم المهنية والبيئية مدير برنامج الصحة المهنية عوض سعيد الحنشي ان ساعات العمل الطويلة وتأثيرها النفسي والاجتماعي على الطفل تؤثر عليه من خلال عمله في بيئة خطرة منها الصناعات البيئية والعمل في القمامة وأطفال الشوارع حيث تتضخم المخاطر في ظل تفهم وإدراك منخفض للمخاطر والتعرض لها لفترة طويلة لا تتناسب مع عمر وبنية الطفل خاصة في غياب وقاية شخصية مناسبة للأطفال العاملين حيث يعاني الأغلب منهم من سوء تغذية ونمو جسدي بطيء حيث يرتبط النمو لدى الأطفال على معادلة (الطول / والعمر) و ( الوزن / العمر ) حيث ان النقص الغذائي الحاد يوثر في الوزن فيما يؤثر الوزن الغذائي المزمن في الطول حيث يوثر سوء التغذية لدى الأطفال العاملين في الطول والوزن في اغلب الحالات . منوهاً إلى ان دارسة تمت في الولايات المتحدة حول حوادث عمل الأطفال أظهرت ان 32بالمائة من الحوادث للأطفال حدثت بسبب استعمال المعدات وأكثر من النصف لم يتلقوا تدريباً لتجنب الإصابات وان 68بالمائة من المصابين تغيبوا عن العمل بسبب الإصابة يوم واحد مقابل 25بالمائة تغيبوا لمدة اسبوع ثم عاودوا العمل . وبينت دراسة مماثلة إن إصابات العمل المميتة والقاتلة ب 104 حالات وفاة عند الأطفال العاملين بالولايات المتحدة تسببت في 30 بالمائة من وفيات الأطفال العاملين كانت بسبب وسائل النقل الحديثة والمعدات مقابل 17بالمائة من الوفيات بسبب الصدمات الكهربائية من 11بالمائة من السقوط . أي ما يعادل مائة حالة وفاة سنوياً للأطفال العاملين في بيئة العمل الخطرة.. وقسم االحنشي الإصابات التي يتعرض لها الأطفال الى أمراض مهنية ناتجة عن التعرض لعوامل بيولوجية وأخرى فيزيائية وأخيرة كيميائية . مجملاً أهم الأمراض وأكثرها انتشاراً للعمل في الأماكن الخطرة بالجمرة الخبيثة والحمى المالطية والالتهابات الجلدية التهاب الكبد الالتهاب الفيروسي والسل السحار والسرطانات والمياه الزرقاء الاستسقاء الرئوي والتسمم الحاد والاضطراب العصبي الضعف القلبي . (((الشعور بالدونية .. ؟ )))) يؤكد البائع المتجول الذي يمتهن عمله منذ أكثر من ثلاث سنوات نبيل الوصابي انه يعمل من الساعة التاسعة صباحاً الى الساعة العاشرة مساءً ويعتقد انه لا يساوي شيئاً بدون عمل كون عمله يدر له دخلاً لا بأس به يزيد أيام الأعياد والإجازات الى ثمانمائة ريال او الف ريال فيما ينحسر في الأيام العادية ويرتهن بحسب تقلبات الرزق وذكاء طفل الأربعة عشر ربيعاً في جذب انتباه المشتريات اللاتي اغلبهن من النساء الى بضاعته التجميلية والخاصة بمستلزمات الأطفال متطلبات الجمال للمرأة.. ويلخص الطفل المخاطر التي يتعرض لها في الإهانة اللفظية من المشترين ومخاوف العودة الى المنزل ليلاً الا مع رفقاء العمل إضافة الى بعض النزاعات القتالية التي تنشأ بينه وبين زملائه والتي تنتهي بمعركة حامية دوماًإضافة الى تعنيف والده وزوجته في حال عدم عودته بما يكفي من النقود تؤمن لهما مصاريف يوم اخر من الفقر ومع كل البحث عن الرزق يصر نبيل انه بدون عمل يسجل دونيته عند والده... لافتاً الى ان اسوأ ما يعانيه هو الجوع الدائم كونه يأكل ما تجود به أيادي المارة والعابرين.. فيما تغضب البائعة الصغيرة سريعاً من التقليب المستمر في حاجات بقائها وحقائب اليد الصغيرة التي تمسك بها بقوة وترفض ان تتحاور أو تناقش عن عملها وبعد وعود تدركها الطفلة في سوق العرض والطلب ترضخ للإجابة بعد وعد بشراء كل ما بحوزتها من حقائب مقابل إفصاح بسيط عن ساعات عملها حيث تفصح أفراح انها تعمل من الصباح الى المساء بمعدل ثلاث عشرة ساعة متواصله في الحديقة العامة هي واخوها فيما تعتبر الجمعة يوم تجمع عائلي حيث تأتي هي ووالدتها وجميع اخوتها لبيع سلع مختلفة للوافدين الى الحديقة والتمتع بيوم اسري أكثر عملاً كون والدتها تراقبها في حالة انشغالها باللعب والتسابق مع أخيها .. وتضيف الطفلة الصغيرة التي تذكر بوعود الشراء قبل كل تعليق أنها تستقل الباص هي وأخوها ثلاثة عشر عاماً للعودة الى المنزل في الصافية كل يوم بعد التاسعة وبعد ان تتأكد من انتهاء فرص الكسب وخلو المكان من الناس جاهلة بمخاطر بقائها وعملها ليلاً مع أخيها الذي مازال يصادق الطفولة وأحد أفرادها. (( الابن ... المقصر .. )) وقريباً من مخاطر العمل بعيداً عن المكان لابد ان تسمع صراخ رائد عُباد بعد ان انهال عليه مالك الورشة بالضرب كونه لا يعمل بجد ولا بأس ان يكون الضرب من والده كون الابن المقصر في العمل لا يستوعب عمل الورشة الراكد حالها ولا يسهم في جذب سيارات تعثرت وتوقف بها الزمن لتصادف انامل رائد ووالده لإصلاح ما افسده السائق . وكون طفل الرابعة عشرة لا يجيد العمل ولا كسب مصادر الرزق فلا بأس من ضرب مبرح كل فترة لا ينهيها سوى تدخل الجيران او كسر ورضوض ودماء تجبر الوالد الى اللجوء الى اقرب مستشفى لعلاج رائد وتأجيل عقابه لحين تعافيه.. رفيق طفولي من أصدقاء العمل سائق طفل لا يتجاوز عمره الخامسة عشرة يلازمك شعور النهاية القريبة وأنت تشاركه صعود الباص الذي يقوده بعنف وهو يحشرالقات منذ الصباح الباكر في فمه ويحاول تجاوز خط زمني كبير ليصبح رجلاً يقود باصاً ويسانده المقعد المرتفع والوسادة التي يجلس عليها لتمنحه بعض الطول الإضافي المخادع فيما تفضحه ملامحه انه مازال طفلاً يحاول القفز على الواقع وبالركاب أيضاً من جميع المطبات ويخترق جميع الباصات ليثبت ما يريد تاركاً حياتهم وحياته لدعائك بالعودة سالماً ودعاء والدته بأن يعود رجلها الصغير غانماً سالماً بدون خسائر بشرية.. فيما ادعو له بالنجاة من فقد بعض أنامله الصغيرة وهو يسارع في تقطيع البطاط ( الشبس ) وان يحتفظ بجمال وجهه من حروق متوقعة من الزيت المتطاير الذي يسخنه بقوة حتى يضمن إنهاء سريعاً لمهمة البيع واثبات جاد انه طفل ناجح في العمل بعد ان فشل بالمدرسة حيث يروي امين ( ثلاثة عشر عاماً ) انه فشل في التعليم وهو في الصف الأول الإعدادي واختار بديلاً للتعليم العمل فتنقل من بيع القات الى بيع البطاط وهو لا ينسى طرائق البيع حيث تقوم والدته بتنظيف البطاط بينما ينقلها اخوه الأصغر إليه وفي الطريق يفصح الطفل بخجل ان البطاط تلاقي مصيراً غير متوقع حيث تسقط على الأرض ومن ثم تعاد لغسلها مرة أخرى وبعدها تمر بمرحلة تقطيع شاقة تحمل معها خفايا مرعبة للطفل الذي لا ينكر انه يمتهن العمل تحدياً لوالدته ولمحيطه الأسري الذي انتقد خروجه من المدرسة ففضل ان يثبت نجاحه في سوق العمل المبكر. ((الجهد الحكومي )) وتشير رئيس وحدة عمل الأطفال بوزارة الشئون الاجتماعية والعمل منى سالم الى الجهد الحكومي في مجال الطفولة حيث وقعت اليمن على الاتفاقيات الدولية منها الاتفاقية رقم 138 لسنة 73م بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام والتي تهدف الى القضاء التدريجي على عمل صغار السن من خلال تقريرها الالتزام بالمصادقة على إتباع سياسة وطنية ومعياراً مرناً من اجل الإلغاء الفعلي لعمل الأطفال ورفع الحد الأدنى لسن الاستخدام بصورة تصاعدية الى مستوى يتناسب مع التطور الجسماني والعقلي الكامل للعمال الصغار بحيث لا يكون اقل من 15 عاماً باستثناء الدول النامية يكون العمر 14 عاماً . لافتة الى ان بلادنا صادقت على الاتفاقية رقم ( 183) لعام 99م بشأن حظر اسوأ أشكال عمل الأطفال حيث تم إضافة عبارة اسوأ أشكال الى عمل الأطفال لتصنف الأعمال الى أعمال خطرة كأشكال الرق والممارسات الشبيهة به والعمل القسري والإجباري للأطفال لاستخدامهم في صراعات مسلحة او تشغيلهم في أغراض الدعارة وأنشطة غير مشروعة . منوهة الى ان القانون رقم ( 5 ) لعام 95 م بشأن العمل حدد فصلاً خاصاً بعمل الأطفال حيث لا يجوز تشغيل الأطفال في المناطق البعيدة والنائية واشترط ضرورة توفير بيئة آمنة وصحية للأطفال العاملين وتقديم أجر مناسب وعادل مقابل اعمال البالغين.. كما افرد القانون رقم ( 45) لعام 2002م بشأن حقوق الطفل فصلاً خاصاً برعاية الطفل العامل وحدد عمر 14 عاماً للطفل العامل ويحظر العمل على من هم دون هذا السن . كما حث القرار الوزاري رقم (56) لعام 2004م بشأن لائحة تحديد الأعمال المحظورة على الأطفال العاملين من هم دون 18 عاماً على توفير بيئة حماية قانونية وصحية واجتماعية للطفل العامل ويحظر العمل الذي يضر بصحة الطفل الجسدية والنفسية والعقلية والأخلاقية . حيث حدد القرار 35 مادة منظمة لعمل الأطفال ومبينة للأعمال الخطرة منها أنه لا يجوز ان تزيد ساعات العمل اليومي للطفل العامل عن ست ساعات عمل يتخللها راحة بحيث لا يعمل الطفل أربع ساعات عمل متتالية ولا تقل فترة الراحة عن ساعة واحدة ولا يجوز ان يبقى سبع ساعات عمل او يعمل في أوقات الإجازات ولساعات إضافية .. وألمحت منى سالم الى نشاط الوحدة في هذا المجال من خلال عقد ورش عمل حول مخاطر عمل الأطفال في مجال الزراعة وخاصة مجال رش واستخدام المبيدات وأخرى تعريفية لمنظمات المجتمع المدني والشركاء للتعريف بالقرار 56 إضافة الى ادراج مشاكل عمالة الأطفال ضمن السياسات الوطنية والحكومية. منوهة الى انه بعد إنهاء المرحلة الأولى من أهداف الوحدة تركز المرحلة الثانية على بناء وتحديث قاعدة بيانات وطنية حول عمالة الأطفال ورفع المستوى الوطني حول أسوأ أشكال عمل الأطفال .. وتأمل وحدة مكافحة عمل الأطفال ان يتم تحديد سن 18 عاماً كحد لعمل الأطفال ليخرج ما دون هذا السن من حدود العمل بأبعاده السلبية المرهقة للطفولة والتي يُرحِل جمالها الفقر والاحتياج وأحياناً لإثبات الذات وأخيراً الجهل الاجتماعي والأسري لمخاطرها البعيدة على التكوين البنيوي النفسي والأخلاقي للطفل او الطفله .. ؟؟