ان اي حديث يريد ان يمسك بمفهوم المرأة في الشعر العربي , يجد خيوط هذا المفهوم في المعتقدات الدينية للانسان القديم الذي ارتقى بها الى الذرى , حيث اقام التماثيل الممجدة للخصوبة والقدرة على الانجاب , والمراة بوظيفتها تلك تدخل في علاقة متماهية مع الارض بوصفها فضاء للخصوبة والانبات , وتصبح الامومة هي جوهر هذه العلاقة , وهو الطرح الذي اكده الفكر اليوناني المرتكز على التفسير الاسطوري للظواهر الوجودية والكونية , حين ان ( جايا ) – الارض – اخصبت من ( اورانوس ) – السماء – لذلك اتسمت العلاقة بين الرجل والمرأة في الحضارات القديمة لاسيما عند السومريين بنوع من القداسة والجلال , وكان طقس الزواج لديهم يخضع لممارسة تعبدية تصبح المرأة فيها آلهة تستحق العبادة والتبجيل , من خلال تواشيح ينشدها الزوج المرشح , ولا شك ان التصور الديني للمرأة قد اثر كثيرا في الشعر العربي الجاهلي , لان الشعراء سلكوا فيه طريقة التجسيد المادي لها , بل اكثر من ذلك سعيا منهم لنحت النموذج المطلق اجمعوا بشكل يدفع الى الدهشة على وصف معشوقاتهم بأوصاف متشابهة تؤسس لوجود المرأة نمطية تعتبر مثال الجمال و ويستخلص صلاح عبد الصبور اوصاف هذه المرأة المكتملة في قوله ( المرأة الطويلة البيضاء البدينة , سوداء الشعر والعينين , رقيقة الرائحة , طيبة الملمس , ثقيلة الخطو والحركة ) . . واذا كان صلاح عبد الصبور يبرر تشابه اوصاف معشوقات الجاهليين , يطمح اولئك الشعراء الى نحت المثال وتكريم عناصر الكمال , فإن باحثا آخر – علي البطل – يرجع المسألة الى تسرب المؤثر الديني الى الشعر حين يقول : ( ان الصور المترسبة في الشعر من الدين القديم هي من آثار احتذاء الشعراء لنماذج فنية سابقة كانت وثيقة الصلة بهذا الدين , او بمعنى آخر لقد تحولت الصورة الدينية الى قوالب وتقاليد فنية ) فما الغزل الذي ترسخ في الشعر الجاهلي كغرض شعري الا تحول لذلك التودد الذي يسبق الزواج المقدس بين الزوجين , وما البدانة التي وصفت بها المرأة في الشعر الجاهلي الا تجليات الخصوبة وشرط من الشروط الاساسية التي تؤهلها الى وظيفة الامومة . لكن هذا المفهوم التقديسي للمرأة لم يكن مطلقا وخالصا , ولم يكن وجها وحيدا لها , ففي الاثار القديمة وخاصة الدينية منها تحضر المرأة بوصفها منبع الشرور وعلة الآثام الارضية كلها ولعل هذا الوجه الشرير يفصح عن واقعية المراة في مقابل اسطوريتها , خصوصا بعد تطور الدين نفسه واتجاه الانسان لعبادة اله واحد مجرد , ففي الكتب السماوية تاريخ لبداية الخطيئة البشرية التي دشنها اغراء ( حواء ) بالاكل من الشجرة المحرمة في الجنة وفي القرآن الكريم وصف درامي لغواية ( ليخا ) ومراودتها للنبي ( يوسف ) عليه السلام , وهكذا تصبح المرأة مشتملة على وجهين : اولهما خير ومقدس , وثانيهما : شرير ومدنس . وفي اشتمالها على الشيء ونقيضه دليل على واقعيتها , ودخولها في علاقة تكاملية وتفاعلية مع الرجل , هذه العلاقة التي ستقوم على الحب المتبادل بينهما , حب ينطلق من الجسد ليوغل في اغوار الروح , ويتولد عن ذلك شوق حار لا يهدأ , وظمأ شديد لا ينطفئ . وربما وجد الشعراء العشاق في القول الشعري ما يخفف من هذا الشوق , ويعوض عن لذة الجسد , فالغرض اذاً هو بحث الصلة بين تجربة الحب وقولها , ان المرأة كمتخيل شعري نوع من ممارسة النشوة الصوفية من خلال اللغة , اي محاولة الوصول الى المطلق ما دام الارتواء لا يتحقق جسديا , بمعنى ان اللغة الشعرية تصبح معبرا الى عالم المرأة , وتحقق النص الشعري يصبح ارتقاء هذا العالم . المرأة في الشعر العربي المعاصر وعالم المراة ليس دائما هو ذلك العالم المليء بالاسرار وبهالات الطهر والجمال , انه – تبعا لتطور المجتمع وضرورة المرأة فيه – عالم يقوم على التنوع والصراع حيث النظرة الرومانسية تتكسر على فجاجة الواقع ومتطلباته , وحيث المرأة والرجل يسعيان معا الى تحقيق ذاتيهما في بوتقة من التفاعل والتعاون , تربطهما علاقات الالتقاء والافتراق , والتجاذب والتباعد , وبصفة عامة تصبح المرأة فيه محققة لوجودها الذاتي والموضوعي بل هناك من الفلسفات المعاصرة ما عادى المرأة وحذر منها , ونشير هنا الى فريدريك نيتشه الذي يقول على لسان زرادشت : (ليحذر الرجل المرأة عندما يستولي الحب عليها , فهي تضحي بكل شيء في سبيل حبها , اذ تضمحل في نظرها قيم الاشياء كلها تجاه قيمته ليحذر الرجل المرأة عندما تساورها البغضاء لانه اذا كان قلب الرجل مكمنا للقسوة فإن قلب المرأة مكمنا للشر ) . واذا كان الشعر العربي القديم الذي دار حول موضوع المراة قد اقتصر – الا نادرا – على الحب المادي لها والحب العذري , وتحدث الشعراء انطلاقا من ذلك عن المغامرة والصفات الجسدية في الاول , وعن العذاب النفسي والتتيم في الثاني , فإن الشاعر المعاصر قد انفتح على كل الجوانب المحيطة بالمرأة والمتعلقة بحياتها الخاصة والعامة , ولم تعد تجربة الحب لدى الكثيرين الا محطة اولى تتسم فيها التجربة الفنية بالتقليد , وتصبح فيها لغة الحب نوعا من التنفيس والتطهير .