هذا نهار رمضاني آخر، لكن ليس له مثيل! شق عنان السماء أصوات نسوة في الحارة، فتجمد كل شيء كان صوت حبيبه أكثر الأصوات حزناً وألماً..وحبيبة وجه لا أنساه أول حورية أراها تسير على قدمين بين الآدميين من جسد رشيق اقرب إلى الطول وعينين سوداوين واسعتين تلك العيون التي تحاصرك بوحشيه تحبهاجسارة في النظرة ثم يرتد البصر مدعياً الخجل فتحكم حصارها عليك باقتدار كنت أحب صوتها ذا البحة الجميلة وأهفو أنا الصغير إليها كوني المأمون الجانب لتلبية طلباتها الخفية عن الأهل والآخرين! تدس في جيبي بورقة مطوية، وتهمس بأذني أن اذهب بها بسرعة وسرية إلى حسين الطالب الذي سكن في غرفة مؤجرة من غرف الحارة. لا أدري لماذا اختارتني حبيبة لأكون رسولها إلى حسين، هل رأت نظرة الشغف بعيني القرويتين المنهكتين أم هي هالة الفرح التي تحيط بوجهي كلما أطلت بخطواتها المتميزة في أول الزقاق المؤدي إلى غرفة حسين!كان هو الشاب الأكثر فخراً بأنه وصل إلى الثانوية ويدخل مدرسة الثورة وفي يده دفتر أبو مائتين وهو إشارة على أهمية الطالب ومستواه وظهر الدليل الذي فجر المشكلة وجعلت حارتنا لا تنام كشف سر حبيبة وعرفت خالتها بالقصة وانفجر الموقف وكان الدليل الذي لا يقبل الشك.. صورة لحبيبة مع حسين التقطت في استوديو العبسي شخصياً ، وظهرت حبيبة جالسه بجانب حسين بشعرها الغجري الذي يصل إلى خصرها، مرتدية ثوبها الوردي الجميل، وحرصت ان تمسك بيد حسين الذي ظهر ممتقعاً وقميصه مفتوحاً بحركة تشبه قميص الفنان المصري احمد رمزي وحبيبة تضع ضحكه مع مسحة حزن لتشبه الفنانه سعاد حسني خرجت الصورة وانفجر الموقف في كل الحارة رجال كثيرون مروا بالزقاق يلعنون الزمان القبيح والشباب المنفلت ونساء أطلقن صرخاتهن المفتعلة يدعين على حبيبة بالخراب والدماروالصغار في حالة انبهار بهذه المعركة التي تجعلهم في متعة المتابعة لمشهد مسرحي يبعث على الحياة وحدي الذي لم افرح وشعرت بالحزن على حبيبة والخوف ايضاً، حزنت إلى درجة أني وجدت نفسي في حالة ضيق لم اشعر به من قبل، ووصلت الكارثة إلى بيتنا، حيث طرح اسمي كشاهد على الجريمة، قال العاقل: إني الرسول الذي كان يوصل الرسائل بين الحبيبين ولابد ان القي بشهادتي أمام الجميع، حضر ابن العاقل، وكان شاب ضخم الجثة، يدق بيتنا بقوة وهلعت أمي وصرخ من في البيت. والقي القبض عليّ، أخذني الشاب وامسكني من رقبتي بقوة وطلب ان أسير معه بسرعة اكبر وسرنا ووراءنا زفة من الصغار بنات وأولاد كلهم ينظر إلى بشفقة وأحسست أني ذاهب إلى المقصلة، كان أهل حبيبة من الرجال في حالة من الغضب المجنون وكانت هي، كومة من الحزن متكورة في آخر الغرفة وعمها يلوح بعصاته الغليظة أمامي ورذاذ يتطاير من فمه ووجهه قرص احمر وجحظت عيناه بشكل مخيف أدرك البعض حالة الفزع التي تصيبني وبدأ يربت على رأسي ويطلب ان أجيب على السؤال بصدق هل تعرف أنها (وأشاروا إلى حبيبة) كانت تكتب “لهذا الكلب”وانتبهت إلى حسين الذي لم أره مكوراً على الأرض عندما دخلت وقد صار في حالة لا توصف؟!ولا ادري كيف عملت ذلك لكن هذا الذي حدث وتصرفت بهدوء - لا...لم يحدث وبهت الجميع رفعت حبيبة رأسها نحوي بهدوء ورأيت نظرة الحب نحوي من خلال دموعها التي بللت وجهها وأكدت ثانية - لم يحدث أني رأيت أو سمعت أو قمت بتوصيل رسالة منها أو منه!وشعرت بان معظم الحاضرين تنفس الصعداء وزاح عنهم هم: لكن العم الغاضب كاد ان ينقض عليّ وهو يصرخ مثل المجنون - لا تكذب يا صغير! قلت بثقة - انا لا اكذب.. ورمقتها بنظرة طويلة ورأيت في عينها نظرة امتنان مازالت أمامي حتى الآن ولن تفارقني ابداً ولكن.. غاب حسين عن الحارة والمدينة ولم أره ابداً وقيل عن اختفائه أشياء كثيرة.. ولكن حزني بقي على حبيبة التي ساقها عمها إلى قريته البعيدة وغابت عن حارتنا إطلالة الحزن الجميل التي كانت تبعث الراحة .. والحب فينا.