كانت "الشريجة" همزة وصل في أحد محاور نشاط "المناضلين"، ضد الإمامة والاستعمار، لكنها لم تستطع لعب الدور ذاته بعد الثورة والاستقلال.. لقد قرر الإخوة الذين ناضلوا معا أن يقيم كل واحد لنفسه دولة في شطر من البلد.. مما حولها لجدار شطر قلبها.. ومع أنها فقدت محوريتها "بعد 22 مايو 1990م"، حيث لم يعد يتذكرها أحد بعد أن كانوا يتابعون أرضها وسماها ليلاً ونهارًا تحت ضرورات الحرب الباردة، إلا أنها "ساكنة من الألم، بانتظار لحظة قد يشرق فيها أمل العمران". "الشريجة"، هي منطقة صغيرة كانت جغرافيتها تستعصي على قوانين الصراع السياسي، تبعد عن الحوطة (شمالا)100 كيلو، وعن تعز جنوبا 50، غير أنها دفعت شهداء يعدد منهم "الشيخ علي عبده حنش قائد حراس الحدود قطاع الراهدة 1978 - 1994"، 18 اسما. يتذكر الرجل (في ال65 من عمره): كنت مسئولاً عن جبل "القاهر" داخل الحدود الشمالية فيما يتولى "مقبل عبدالله علي"، جبل "الخصلة" داخل الحدود الجنوبية. وفي تفاصيل الحكايا: "الشماليون والجنوبيون الذين كانوا يديرون الشطر الجنوبي، "كانوا أكثر صرامة أمنية ضد المواطنين الذين يخترقون الحدود شمالا وجنوبا. جنبا إلى جنب مع كونهم الأكثر حديثا عن الوحدة". مقبل، ورغم إنه لم يكن يواجه سوى 30 فردا يقودهم "حنش". ولأنه كان يستمع كثيرا لخطابات دولته عن الوحدة، فقد "رأى الأوامر اليومية صارمة ضد "العابرين". يقول "حنش": "تواصلنا واتفقنا على إقامة وحدة". كانوا يديرون منطقة صغيرة لكن من سوء حظهم أنها "من أكثر مناطق التوتر في المنطقة بطولها وعرضها.. إنها قوانين الحرب الباردة. ووفقًا لحنش، فقد اتفق القائدان "على مواجهة عسكرية مزيفة في المساء" ليبدو الأمر "نصرا وهزيمة عسكرية"، لكنه انتهى بإعدام مقبل من قبل دولته التي حققت معه مطولاً وفقًا لقوانين "خيانة الوطن والعمل مع الامبريالية". القتل نفذ أثناء نقله إلى كرش، في منطقة "العلفقي". فيما فر جنوده الى جزء آخر من وطنهم، ولم يعودا إليه إلا بعد 1994م. يطيل التذكر، حتى أحداث يناير، التي تقدم فيها الوطن خطوات نحو الموت كما الحياة.. يقول: "بجانب جبل حمالة، هناك مقبرة الشهداء"، معددًا تفاصيل مشاهداته من على ثكنته في "جبال الحمحم". حيث قتلت القوات المنتصرة بين فرقاء حرب يناير 1986م جنودا كانوا يحاولون الفرار إلى الحياة في جزء آخر من وطنهم ادخروه لوقت الشدة، حيث أقيم لهم مخيم "شعب" التابع لبدو خدير..يتذكر "عبدالله محمد سالم -75عاما"، من سكان المناطق الحدودية "معاناة من يرغب في زيارة أهله أو أقاربه بين الشطرين"، لكنه ينتقل ببصره إلى حاضر يثير الأسف، يعتقد أن "دولة الوحدة أهملت تلك المناطق.. كأنها لاتصلح من وجهة نظرها إلا للموت"، رغم أن "الواجب مكافأتها". يتذكر كثيرا حكاية "الضمان الشخصي" لمن يريد الانتقال على ضفتي خط الحدود، رغم تجاور المنازل أحيانا. ويتذكر أناسا "اعتقلوا لتأخرهم عن العودة من وراء الخط جنوبا لساعات". أما إبراهيم العثماني، فقصته أوضح، حيث دارا "القرية"، الأول يدار وفقا لقوانين الشمال والآخر للجنوب.. إنها حكاية الصراع بين السياسة والجغرافيا. وإذا كانت الأولى تصنع الألم فإن الثانية تظل وفية لقوانينها، لذا يحتفل "الحاج عبدالحق حزام"، بجمع شمل أسرته بالوحدة، بعد أن فرقتها السياسة طويلا. حيث كان أقرباؤه يناقلون أبناءه بين الحدود لزيارة بعضهم البعض، ضمن تجارة بسيطة للفواكه بين المناطق..ووفقاً لعبدالله محمد سالم فإن "التجارة بين قرى الحدود"، بالأدق يسميها "التهريب" لاختلاف إدارتي الأسواق في الشطرين، حيث تعتبر أي تجارة ولو على ظهر حمار "خرقا لمبادئ الدولة" جنوبا، ذلك التهريب كان "تحت رحمة البندقية التي تدير الأمر كاختراقات أمنية تخص النظام العالمي..وإذا كانت الجمال والحمير، هي وسائل التنقل، فإن التجار كانوا "أحيانا" وسائل ناجحة لتنفيذ الاغتيالات.