بعد البيان غير المسبوق لأحمد علي عبدالله صالح.. مناشدة عاجلة لقيادات حزب المؤتمر في صفوف الشرعية    صادم.. لن تصدق ماذا فعل رجال القبائل بمارب بالطائرة الأمريكية التي سقطت في مناطقهم! (شاهد الفيديو)    لقاء يجمع ولي العهد السعودي والرئيس الإماراتي في هذا المكان اليوم الجمعة    المليشيات الحوثية تبدأ بنقل "طلاب المراكز الصيفية" إلى معسكرات غير آمنة تحت مسمى "رحلات"    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    بن مبارك يبحث مع المعهد الملكي البريطاني "تشاتم هاوس" التطورات المحلية والإقليمية    مليشيا الحوثي تنظم رحلات لطلاب المراكز الصيفية إلى مواقع عسكرية    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    رئيس مجلس القيادة يناقش مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي مستجدات الوضع اليمني مميز    أسماء من العيار الثقيل.. استقطاب اللاعبين بالدوري السعودي ترفض طلبات للأندية للتوقيع مع لاعبين لهذا السبب!    ظلام دامس يلف وادي حضرموت: خروج توربين بترومسيلة للصيانة    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    طفل يلفظ أنفاسه الأخيرة داخل قاعة الامتحانات.. لسبب غريب    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    رئيس الاتحاد العام للكونغ فو يؤكد ... واجب الشركات والمؤسسات الوطنية ضروري لدعم الشباب والرياضة    بعد أيام فقط من غرق أربع فتيات .. وفاة طفل غرقا بأحد الآبار اليدوية في مفرق حبيش بمحافظة إب    أمطار رعدية على عدد من المحافظات اليمنية.. وتحذيرات من الصواعق    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أربعون زيارة وألف حكاية ورواية الحلق30
اليمن واهل اليمن
نشر في الجمهورية يوم 19 - 07 - 2008

«سالمين» استخدم طائرة «برجنيف» في جولاتة الرسمية الخارجية
كيف أعدم «سالمين» وما هي قصة الطائرة المشئومة ؟!
اختطاف صحفي مصري
مع اندلاع ثورة 14 أكتوبر عام 1963 في شطر اليمن الجنوبي ، كان امين رضوان مواكبا لتطوراتها ووقائعها عبر ما كان يوافي به صحيفة الجمهورية المصرية من رسائله تباعا، اذ كان انذك محرر الصحيفة للشئون العربية ..كان امين رضوان شابا نوبيا أسمر البشرة وماركسياً قحاً رغم ثقافته الازهرية ، وكان صديقا حميما لقحطان الشعبي وفيصل عبد اللطيف ابان اقامتهما بالقاهرة ، وسافر في اعقابهما الى عدن عندما استولت الجبهة القومية على السلطة ، وأصبح قحطان رئيسا للدولة وفيصل عبد اللطيف امينا عاما للجبهة القومية ، فلما اطيح بالرجلين ظل أميناً في عدن ، واستطاع ان يكسب ثقة زعامات العهد الجديد ، واشتغل في صحافته كاتبا ومفكرا حتى تقطعت صلاته بصحيفة الجمهورية بعدما قرر عدم العودة الى مصر .
على ان الصراعات السياسية الدامية بين اجنحة الجبهة القومية التي تبنت الماركسية فيما بعد فكرا وممارسة واصبح اسمها الجديد الحزب الاشتراكي اليمني ، انعكست تلقائيا على امين رضوان ، فكان كل جناح يحسبه على جناح اخر ، وكلما قدر لي زيازة عدن ، كنت اشعر بمدى المرارة التي يعانيها لهذا السبب ، لكنه ظل صامدا في موقعه ، رغم الحاح اسرته عليه بالعودة حيث توفي والده ووالدته واحد اشقائه .
ولعلي من هنا ادين له بفضل تنويري ببواطن الصراعات السياسية بين اجنحة الحزب الاشتراكي كما لم يتسن ادراكه لغيره من الصحفيين غير اليمنيين ، وهي كانت مؤهلاته التي تقدمت بها للاستاذ عبد الرحمن الشرقاوي رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير مجلة روز اليوسف ، فكان اختياره مراسلا لها في عدن .
في عام 1974 كنت في زيارة عدن ، وكالعادة توجهت من مقر اقامتي في فندق كريسنت الى منزل أمين رضوان ، وضغطت على زر جرس شقته مرارا دون مجيب ، وعندئذ خرجت جارة له في الشقة المجاورة وهي تشير بيدها وتدعوني للاقتراب منها .. وروت لي همسا ان رجالاً مجهولين اقتادوه معهم منذ نحو اسبوعين ، وان الكلب الذي كان يقيم معه في شقته راح ينبح جوعا وخوفا حتى سكت عن النباح .. وقالت : أظنه مات داخل الشقة .
التقيت بالصديق الكاتب والمفكر عمر الجاوي وحكيت له ما حدث ، وقال لي ان رجال “محسن” وهو الاسم الحركي لرئيس جهاز المخابرات سعيد علي الشرجبي ، هم الذين قبضوا على أمين رضوان ، وعبر اصدقائي في السلطة علمت بايداعه في معسكر “فتح” المخصص للاعتقال حيث يكابد وطأة التعذيب جلدا وضربا على القدمين ، وانه يخشى ان يفقد بصره ، خاصة وانه يعاني مرضا في عينيه ، ثم طلب مني انقاذه قبل تصفيته جسديا عبر علاقتي بقيادات النظام في عدن !
كانت العادة ان التقي في مطلع زياراتي لعدن بصديقي رئيس الدولة سالم ربيع علي أولا ، ثم علي ناصر رئيس الوزراء ، ولان “سالمين” كان خارج عدن وقتئذ ، لذلك كان لقائي الاول بعلي ناصر محمد و..سألته بغتة : كيف ترى موقفي الصحفي والسياسي من النظام في عدن ؟
ودهش للسؤال .. ثم قال : اشهد انك وقفت معنا بشجاعة وصلابة في كل المحن والمآزق التي تعرضنا لها خاصة فترة احتدام الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب عام 1972، بينما كانت الصحافة المصرية ضدنا على طول الخط !
قلت له : إذا كنت قد وقفت معكم .. هل تسمح لي إذن ان أقف مع صديق مصري يقيم بعدن وانقاذه من محنته ؟
قال : من هو ذلك الصديق .. وما هي محنته ؟
قلت : أمين رضوان الذي اختطف من منزله منذ اسبوعين !
فلما نفي علي ناصر علمه بما جرى له .. قلت له : ان رجال المخابرات اقتادوه من منزله ، وهو الان نزيل معسكر “فتح” حيث يواجه محنة الاعتقال والتعذيب .. ما هي التهمة الموجهة له إذن ؟
قال : تستطيع ان تسأل الرئيس سالم ربيع علي ومحسن عن السبب بعد عودتهما من زيارة المحافظة الخامسة !
قلت : انت رئيس الحكومة ولعلك تعرف كذلك السبب بحكم منصبك
قال : سمعت انه متهم بعلاقته المشبوهة مع المخابرات الاردنية !
قلت في سخرية : هذا غير معقول على الاطلاق .. هل تسمح لي بزيارته في معسكر فتح ؟
قال : هذا الامر يختص به الرئيس ومحسن كونه يتعلق بالامن القومي !
قلت : اعلم ان السفير اللبناني سمحتم له بزيارة معتقل لبناني في معسكر فتح بتهمة التجسس .. وأمين رضوان ليس جاسوسا وهو قد خدم النظام في عدن باخلاص وتفاني .. ومن واجبي الدفاع عنه خاصة وانه مراسل لروز اليوسف ، ثم انني اخشى ان يطرح موضوع اعتقاله في الاجتماع الوشيك لاتحاد الصحفيين العرب بدمشق وهو ما قد يتسبب لكم في فضيحة !
قال علي ناصر : أمهلنا الى حين بحث الموضوع مع الرئيس ومحسن .
وكان قد مضي اسبوع دون ان يعود الرئيس ومحسن الى عدن ، والتقيت بعلي ناصر مرة ثانية لاجراء حوار صحفي معه كالعادة وقلت له : اعتقد انني مطالب أدبيا وصحفيا بطرح موضوع اختطاف أمين رضوان على صفحات روز اليوسف .
قال : أمهلنا أسبوعين !
عدت الى القاهرة ومضى اكثر من اسبوعين وأمين رضوان لا يزال قابعا في معسكر فتح .. ونشرت الخبر تحت عنونا “اختطاف صحفي مصري في عدن” !
ومن عدن تلقيت مكالمة هاتفية من محمد صالح مطيع وكان وزير الداخلية اليمني الديمقراطي ووعدني بحل مشكلة أمين رضوان في غضون أسبوعين.
ثم مضى أكثر من اسبوعين واعدت نشر الخبر مع تفاصيل جديدة حول تعرضه للتعذيب ، حتى تقرر الافراج عنه والاعتذار له عما لحق به من شكوك باطلة والي حد اعتقاله وتعذيبه ، ورغم ذلك رفض أمين رضوان ان يحكي شيئا عما جرى له ، بل وأصر على ان يواصل اقامته وعمله في عدن ..
الحكاية كما عرفنا تفاصيلها في وقت لاحق ان أمين رضوان كان يتردد على السفارة المصرية للحصول على جواز سفره ، بعدما اعلن الرئيس السادات في بداية ولايته قراره بالعفو العام عن اللاجئين السياسيين المصريين بالخارج ومنحهم جوازات سفر جديدة حتى يتمكنوا من العودة الى مصر !
وعلى ما يبدو ان سمير عباس سفير مصر انذاك في عدن ماطل في رد جواز أمين رضوان ، وربما ساومه في المقابل على الحصول منه على معلومات عن النظام الحاكم في اليمن الديمقراطي ، لكن أمين رضوان رفض ان يبوح بشيء ، وذلك كان أرجح الاحتمالات ، وربما من هنا راودت المخابرات في عدن الشكوك في اسباب تردده على السفارة المصرية في عدن ، فكان اعتقاله ، وقال لي أمين رضوان بعد عودته للقاهرة والى عمله بصحيفة “الجمهورية” انه كان قد قرر في حالة حصوله على جواز سفره ، التوجه مباشرة الى اريتريا ليبدأ مشواره الصحفي والنضالي من جديد مع الجبهة الشعبية ، خاصة وان زعيمها سياسي أفورتي صديقه !
والحقيقة ان الرئيس علي ناصر محمد بعد عزله من منصبه ، ظل ضميره يؤنبه على ما يبدو من جراء تجاوزات الاجهزة الامنية فى اليمن الديمقراطي فكان يداوم زياراته ولقاءاته في القاهرة مع أمين رضوان والاطمئنان على صحته وتلبية احتياجاته حتى وافاه الأجل .. يرحمه الله !
طائرة اغتيال الدبلوماسيين
كان الصديق عبد الملك اسماعيل سفيرا لليمن الديمقراطي بالقاهرة اوائل السبعينات ، ولانه لم يكن محسوبا على تنظيم الجبهة القومية الحاكم ، لذلك كان الملحق العسكري الرجل الاقوى في السفارة ، خاصة ومجال نشاطه يبدأ بالشئون العسكرية وينتهي بالشئون الأمنية .
يوما كنت في زيارة صديقي الحاج سيد المليجي تاجر التحف النحاسية بخان الخليلي ، ولانه كان يعرف صلاتي باليمنيين واهتماماتي الصحفية بشئون اليمن ، من هنا على ما يبدو كان حريصا على ان يروي لي قصة غاية في الغرابة بطلها الملحق العسكري اليمني لسفار اليمن الديمقراطي .. قال انه كان يتهرب على ما يبدو من تحويل الاموال التي ترسلها حكومته عبر البنوك كما يقضي القانون ، ويلجأ الى تحويلها عبر السوق السوداء الى العملة المصرية ويحقق بذلك ارباحاً ضخمة .
وقال الحاج سيد المليجي ان الملحق العسكري اليمني كان يتعامل مع احد تجار العملة غير المشروعة في خان الخليلي واستمر الحال هكذا عدة شهور في امان “ولا مين درى ولا مين شاف” ، لكنه عندما جاء الشهر الماضي الى خان الخليلي لم يجد هذا التاجر ، حيث قدم نصاب نفسه اليه باعتباره الساعد الايمن لهذا التاجر ، وسلمه الملحق العسكري المبلغ الضخم بعد الاتفاق على سعر تحويل الدولار الى الجنيه المصري .. ثم صحبه الى احد مقاهي خان الخليلي وجلس في انتظاره الى حين يأتي بالتحويل المطلوب !
ومضى من الوقت زهاء الساعتين ولم يظهر لذلك النصاب اثر لكأنه فص ملح وذاب..
ماذا بوسعه ان يفعل ؟ هل يبلغ الشرطة وتفتضح تعاملاته المشبوهه ؟ وما هو موقفه وهناك مرتبات للموظفين بالسفارة يجب الوفاء بها في موعدها ؟ وحتى أدركت الحكومة في عدن ما حدث عبر البرقيات التي وصلتها بسبب تأخير الرواتب ، ولما راجعت عدن الملحق العسكري عبر المكاتبات الرسمية حول السبب اضطر للاعتراف بوقوعه في شراك نصاب ، ولا احد يدري ان كانت عملية التحويل غير المشروعة كانت بعلم حكومته ام لا !
على انني حين نقلت الخبر الى عبد الملك اسماعيل لم ينكره وتبرأ من الخطأ الذي ارتكبه الملحق العسكري ، وقال ان الشرطة المصرية قبلت البحث عن النصاب مع الحرص على الا ينتقل الخبر الى الصحافة حرصاً على علاقات البلدين .. وقال ان لجنة رسمية وصلت من عدن لتحري الحقيقة !
ولان عبد الملك اسماعيل كان محسوبا سياسيا من قبل النظام الماركسي في عدن باعتباره من فلول جبهة التحرير التي كان يتزعمها عبد القوي مكاوي او لانه مستقلا ، من هنا كان اسمه مدرجا على قائمة التصفية الجسدية التي طالت عشرات الدبلوماسيين من غير الماركسيين عبر حادث الطائرة المشئومة اوائل السبعينات .
وكان استدعاء هذا العدد الكبير من الدبلوماسيين الى اليمن الديمقراطي بدعوى الاطلاع على ما تحقق من الانجازات الاشتراكية وتجديد معلوماتهم حول التطورات التي يشهدها اليمن..ومن حسن حظي شخصيا اننى كنت مدعوا ولم ألبىّ الدعوة في اخر لحظة بسبب توعك معدتي المفاجئ ، ومن ثم اعتذرت لوزير خارجية عدن سيف الضالعي والأديب محمد عبد الولي عندما جاءا لاصطحابي من فندق كريسنت !
على ان عبد الملك اسماعيل نجا بأعجوبة من الموت المحتوم ، اذ كان يبحث في المطار عن “كاميرا” كان قد نسيها على احد المقاعد ، فلما وجدها كانت طائرة الموت قد أقلعت .. وقيل في حينها ان واحداً من اقربائه او اصدقائه كان على علم سابق بالجريمة النكراء قبل وقوعها ولجأ الى تعطيل لحاقه بالطائرة المشئومة !
الاغتيال المحتوم بانتظار “سالمين”
كان اول لقاء صحفي جمعني ورئيس اليمن الديمقراطي سالم ربيع علي اوائل السبعينات في قصر الرئاسة المطل على المحيط الهندي ، وهو نفس القصر الذي كان سكنا ومقرا للحاكم البريطاني قبل الاستقلال ، واكتشفت كم هو بسيط ومتواضع ، كما وان هدوءه وصوته الخافت يوحيان بالثقة والالفة ، وقد اقتربت منه كثيرا وأحببته أكثر اثر جولة صحفية خارج عدن صحبني خلالها زميلي محمد حجي الرسام بمجلة روز اليوسف ، طوفنا خلالها بمناطق أبين ودثينة ولحج ، حيث قدر لي زيارة والدته في منزلها المتواضع !
كان الوقت ليلا ، حين خرجت علينا تحمل مصباحا صغيرا يشتعل بالبترول ، وروت لنا انها منذ نصف عام لم تر سالمين – وهو اسمه الحركي فترة الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني - بينما لم يكن يفارقها عندما كان يشتغل بالتدريس ، ثم طلبت منا الالحاح عليه حتى يزورها او يستدعيها لزيارته في عدن ، ورسمها حجي ونشرنا صورتها وهي تحمل بيدها اللمبة الجاز في مجلة “صباح الخير” .
اذكر انني أهديته فى احدى المرات سبحه من الكهرمان رداً على هديته الوحيدة لي ، وكانت علبة صفيح سبق استخدامها تحتوي على نحو كيلو من العسل “الدوعاني” ، وفي لحظة صفاء كنا وحدنا خارج قصر الرئاسة قال لي بصوته الخافت : أدركت مغزى ان تهديني سبحه .. وانا لمعلوماتك مسلم يؤمن بالله وعروبي حتى النخاع ، على عكس ما يتهمنا البعض بالالحاد والتنكر للعروبة والولاء للاممية الاشتراكية ، وادركت وقتئذ السبب في حرصه على ان يجري الحديث بيننا دوما في الخلاء بعيدا عن آذان المخابرات ، حيث عرفت فيما بعد انها تضعه تحت مجهر المراقبة 24 ساعة رغم انه رئيس الدولة .. وتوالت لقاءاتي وحواراتي الصحفية مع سالمين تباعا ، وفي كل مرة ينتحي بي جانبا ويفضي الى بأسراره وهمومه ، وكان والحق واسع الصدر وهو يستمع لنقدي الصارخ لتجربة الانتفاضات الشعبية بدعوى انها وسيلة ل” تثوير” الجماهير الكادحة وتحريضها للاستيلاء على ما يسمى “وسائل الانتاج” ، وكانت للطرفة او المآساة لا تتعدي احيانا براد شاي وموقد بترول وبضع أكواب ودكة خشبية هي كل محتويات مقهى شديد التواضع ، وربما كانت وسائل الانتاج مجرد “سنبك” أي قارب صغير لصيد الاسماك ، بينما لا يتعدى عدد المنتفضين ثلاثة صيادين كانوا يقتسمون ثمن صيدهم مع صاحب “السنبك” فى محبة ووئام .
قلت لسالمين كذلك .. ان الانجليز خلفوا وراءهم في عدن أمهر العمال والحرفيين وأكفأ عناصر التكنوقراط من الاطباء والمهندسين والمحاسبين ، لكن الجبهة القومية ثم الحزب الاشتراكي من بعد ، ضيق الحناق عليهم امنيا وسياسيا واقتصاديا ، وهكذا فقد تم اهم حلفاء مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية التي تروجون لها وتتباهون خاصة وان هذه الفئات اضطرت للهرب الى الخارج !
كان سالمين يستمع لنقدي وملاحظاتي دوما باهتمام ويجيب عليها عندما يكون الحوار للنشر، بينما كان يقول عندما نكون منفردين : انا لست وحدي صانع تجربة اليمن الديمقراطي ولكنها القيادة الجماعية ، وعليك ان تلتقي بهم جميعا وتطرح عليهم افكارك ورؤاك .. وكنت اقول له انني مجرد صحفي تقتصر مهمته على الكتابة والتقييم في تجرد وامانة ، خاصة وانني لست طرفا في تجربتكم .. ثم ان اهل اليمن ادرى بشعابه !
صادف عام 1973 ان كان سالمين في القاهرة لمتابعة تداعيات الحرب الاهلية بين شمال اليمن وجنوبه مع المسئولين المصريين حيث كانت خاتمة مباحثاته في الجامعة بصفتها الراعية لاتفاقية الوحدة اليمنية وبعدها وجدني بانتظاره في ردهة فنتدق الهيلتون الذي كان يقيم في احدى اجنحته ، وبادرني قائلا : هل لديك مانع للسفر معنا الى طرابلس والجزائر حيث نستكمل المباحثات حول اتفاقية القاهرة للوحدة اليمنية .. ورحبت على الفور .
في صالة كبار الزوار بمطار القاهرة وجدت نفسي وسط حشد من المسئولين واليمنيين الذين جاءوا لوداعه ، واستدعاني اليه ، ثم كلف مرافقيه باصطحابي الى الطائرة التي سوف يستقلها في رحلته ، واكتشفت اننى لم اختم جواز سفري كالعادة لدى ضابط الجوازات حتى يسمح لي بالخروج من القاهرة ، ثم اكتشفت ان الطائرة روسية وفاخرة وقد جهزت بكل وسائل الراحة ، ولما عرفت انها طائرة الرئيس السوفيتي بريجنيف وانه كثيرا ما يسمح للرئيس اليمني باستخدامها في جولاته الرسمية خارج الوطن .. عندئذ سألت مضيفة الطائرة واذكر ان اسمها “تمارا” عن عادة الرئيس السوفيتي خلال ركوبه الطائرة .. وقالت مشيرة لمقعد ضخم وثير من الجلد الطبيعي : هنا يجلس ويقرأ كتابا او مذكرة ويتحاور مع مرافقيه .. وهو دائما يفضل ارتشاف الكونياك الارميني المعتق مع تناول قطع من الشيكولاته السوداء تباعا !
في طرابلس التقى العقيد معمر القذافي بوفدي الشمال والجنوب اليمني ، وجرت اضافات وتعديلات طفيفة في صيغة اتفاقية القاهرة للوحدة اليمنية ، ثم كان وفد اليمن الديمقراطى كان برئاسة سالم ربيع والقاضي عبد الرحمن الاريانى رئيس المجلس الجمهورى فى شمال اليمن خلال لقائهما بعد ذلك في الجزائر بالرئيس هواري بومدين حيث صدر البيان الجزائري الوحدوي .. وأذكر في هذه المناسبة أننى عوملت من قبل المراسم الجزائرية باعتباري يمنيا في مرتبة وزير ، ولذلك خصص لي مرافق وسيارة مرسيدس كانت رهن اشارتي ، وفضلت استثمار الساعات التي قضيناها بالجزائر في استعادة ذكرياتي مع بعض الشخصيات الحميمة والامكنة التي كانت تستهويني كلما زرت الجزائر اثر انتصار ثورة المليون شهيد ، واستدعيت صديقي الفنان أمين بشيش وكان مديرا للاذاعة ومسئولا عن قطاع الموسيقي والطرب وقتئذ ، ثم اصبح من بعد وزيرا للثقافة ، وكنت قد تعرفت عليه لاول مرة حينما كان والمرحوم مفتاحي دينامو حكومة الجزائر المؤقتة بالقاهرة .. و لم نبرح سويا مقهى شعبياً في حي القصبة ونحن نحتسي اكواب الشاي الجزائري الاخضر تباعا .
على انني لا انس جارسون المقهي الذي كان يسترق السمع على حديثي مع امين بشيش ، حين بادرني متسائلا ان كانت جنسيتي يمني ، وقلت : انا مصري ! وقال ان سائق سيارتي الرسمية قال له انني وزيرا يمنيا .. وضحكت قائلا : ليت ذلك كان صحيحا ، وقال الجارسون انه يعشق اليمن واليمنيين لان اصوله يمنيه ، وروى لي ان جده الاكبر من قبيلة تسكن منطقة المهرة في جنوب اليمن وتتحدث الامازيجية التي لا يزال يتحدث بها الكثير من القبائل الجزائرية ، وهو كان مقاتلا في الجيش الاسلامي الذي فتح شمال افريقيا ، حيث استقر في الجزائر وتزوج جزائرية .
على ان صحبة الرئيس سالم ربيع علي خلال الرحلة الى طرابلس والجزائر كان لها على ما يبدو مفعول السحر في توثيق علاقتي به وثقته في شخصي الضعيف الى حد الافضاء لي بعد عدة أسابيع بسر خطير للغاية ، طلب مني وشدد على كتمانه .
كنت في عدن شتاء عام 1975 وبصحبتي صديقي وزميلي حجازي رسام الكاريكاتير بمجلة روز اليوسف، وكنت قد دعوت مجموعة من الاصدقاء اليمنيين على الغذاء في غرفتي، وكان قد اتخفنا مترودوتيل فندق “كريسنت” الصديق عبد الكافي بوجبة فاخرة من الشروخ أي الاستاكوزا ، وبعدها رحنا نستمع بعزف الفنان اليمني جميل غانم على العود ونحن نتعاطى مضغ القات واستحلابه في نشوة !
فجأة دق جرس تليفون غرفتي .. وجاء صوت الرئيس سالم ربيع على قائلا في لهجة قاطعة : سوف امر عليك في الفندق بعد نصف ساعة .. جهز نفسك وزميلك الاستاذ حجازي لجولة ميدانية بالسيارة !
جلسنا مع الرئيس في المقاعد الخلفية لسيارة الرئاسة بينما السائق وحارسه في المقدمة، وحتى وصلنا سوق السمك المطل على المحيط الهندي ، وتقدمنا سالمين وسط الترحيب والهتافات .. وبعدها كان علينا ان نستمع الى الرئيس وهو يشرح في سعادة وفخر الى طريقة تشغيل الثلاجة الكهربائية الضخمة “ديب فريزر” التي جرى استيرادها حديثا لحفظ الفائض الغزير من الاسماك قبل تصديرها مجمدة .. وقال : كانت اطناناً من الاسماك مصيرها الفساد .. الان نصدر الحبة الواحدة المجمدة من الشروخ “الاستاكوزا” الى الخارج بدولار .
بعدها غادرنا سوق السمك دون ان نسأل الى اين .. بينما كانت الشمس تؤذن بالمغيب.. توقفت السيارة في الطريق ونزل حارس سالمين .. ومضى من الوقت القليل حتى غادرت السيارة عدن واصبحنا في ضواحيها او مشارفها حتى توقفت فجأة وهبط السائق .. وجلس سالمين مكانه امام عجلة القيادة .. ثم مضى من الوقت القليل حتى وصلنا الى مرزعة ضخمة دون ان نرى فيها مزارعا او عاملا او موظفا .. وحتى توغلت السيارة داخلها وكان الظلام قد ارخى سدوله حتى توقفت .
قال لنا سالمين بصوته الخافت ان هذه المزرعة الجماعية تحمل اسم “ناصر” تكريما واعتزازا بموقف الرئيس جمال عبد الناصر من دعم خيارات الشعب اليمني في الثورة والتحرر ، وقال : واجهتنا مشكلة ماكينات رفع المياه الروسية لري المزرعة .. اذ كانت كثيرة التوقف والاعطال بسبب حرارة الجو الشديدة .. ماذا نفعل ؟
دلنا رجل اعمال يمني من المهاجرين في الخارج الى طلمبات أمريكية لرفع المياه والري وتعمل بكفاءة ودون توقف مهما بلغت درجة الحرارة سخونة ، وقال انها تستخدم بولاية “نيفادا” في اجواء مشابهة لاجواء الشطر الجنوبي من اليمن ولما نجحت تجربة تشغيل الماكينات الامريكية في هذه المزرعة بنجاح .. عممنا تشغيلها فى غيرها من المزارع الجماعية ، ثم تساءل سالمين : لكن ماذا حدث ؟ وقال : شككوا في موقفنا واتهمونا بالتحريفية وبميولنا نحو الغرب !
ان يشكو الرئيس لنا ويفضفض بهمومه .. فالمطلوب إذن الاصغاء التام حتى ينتهي من البوح !
على ان سالمين استدرك قائلا : هذه المعلومات ليست للنشر .. ثم امسك بذراعي فجأة وضغط عليه بشدة وهو يفضي لنا بسره الخطير .
قال : ربما لن تجدني في زيارتك القادمة لعدن على قيد الحياة .. انني محاصر ومراقب.. ( لن يتورع عبد الفتاح اسماعيل – أمين عام الجبهة القومية وجناحه عن اغتيالي.. اننى اكاد اجزم بأن المؤامرة باتت قيد النفاذ !
ثم مضي بيننا الصمت .. حتى قلت لسالمين : ماذا بوسعي ان افعل اذن يا سيادة الرئيس .. هل اكتب ؟ هل ادعو لمؤتمر صحفي بالقاهرة ؟ .. هل افشي بهذا السر الخطير لليمنيين والمصريين ؟
قال لي في نبرة أمره : اياك ان تفعل ذلك بأي شكل من الاشكال .. هذا السر لا يعلمه احد سواك .. وعلى ان اواجه مصيري المحتوم .
كان حجازي يسمع لسالمين مشدوها .. وعندما عدنا الى فندق كريسنت قال لي : يبدو ان الاغتيال ليس وهما في خيال سالمين .. لكن هل بوسعك ان تتكتم على هذا السر الخطير.
قلت له : كل الرؤوس الكبيرة في اليمن معرضة للاغتيال من خصومها .. وعلينا اذن الالتزام بوعدنا لسالمين بكتمان السر والاعمار على كل حال بيد الله !
والشاهد انني التقيت للحوار مع سالمين بعد شهور بالقصر الجمهوري في اعقاب اغتيال ابراهيم الحمدي عام 1977 ، ولفت انتباهي ان شخصين كانا حاضرين حواري معه ، دون ان يسمحا باختلائي به ، ويبدو انهما من المخابرات ، خاصة وانه ضغط على يدي بشدة عندما صافحته في بداية اللقاء ثم في نهايته..وهكذا وقع المكتوب في علم القدر .. وجرى اعدام سالمين او اغتياله .. كما جرى اعدام او اغتيال محمد صالح مطيع وزير الخارجية .. وتناثرت الشائعات او التكهنات في عدن تؤكد ان جريمة كل منهما كانت تتعلق بالدعوة للانفتاح القومي وتحسين العلاقات مع دول الجوار العربي وتسريع وتيرة اتفاقية القاهرة للوحدة اليمنية !
ومن العجب ان يبادر الحزب الاشتراكي الحاكم في عدن الى رد الاعتبار لعدد من القيادات التي طالها الاغتيال او الموت الزؤام وفي مقدمتهم قحطان الشعبي وفيصل عبد اللطيف وسالم ربيع علي ومحمد صالح مطيع ، وكان الاتحاد السوفيتي قد انهار ، وفقدت الماركسية زخمها وزهوها.. وتهيأت الاجواء السياسية والشعبية لمراجعة ونقد الذات لتجربة الثورة فى جنوب اليمن إيذانا باعلان الوحدة اليمنية !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.