كثر الحديث عن استنزاف المياه ومياه الشرب بالذات، وأصبح الخوف من القادم كبيراً في ظل عشوائية استخدام المياه واستنزافها بشكل جائر من قبل جهات عديدة والإسراف الشديد فيه، ويعتبر العبث بهذه النعمة والإسراف فيها جريمة عظيمة، فهذه النعمة لا تخص شخصاً بعينه ولكنها تعم كل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسرف بالماء ولو كنت على نهر جارٍ».. واقع المياه في بلادنا وحول هذا الموضوع التقينا الأخ خالد صالح عون، المشرف الفني لمختبر الأغذية والمياه في المركز الوطني لمختبرات الصحة العامة بعدن الذي قال: بلادنا من البلدان التي لا توجد فيها أنهار، وتعتمد اعتماداً كاملاً على المياه الجوفية وعلى مياه الأمطار في المقام الأول، فكمية الأمطار في المنطقة الوسطى «400/1100» مليمتر، أما المناطق الساحلية فلا تزيد عن «100» مليمتر سنوياً، وتعتمد البلاد تقريباً على نحو «45» ألف بئر تنفد مياهها سريعاً. وقد قدرت الرؤية الاستراتيجية لبلادنا حتى عام 2025م الصادرة مؤخراً عن وزارة التخطيط والتنمية للمخزون المائي الجوفي المتاح في كل الأحوال بما يقارب «20» بليون متر مكعب، وطبقاً لمعدل الاستهلاك الحالي فإن بلادنا ستستنزف حوالي 20.12 بليون متر مكعب حتى سنة «2010» بينما المتوسط العالمي لحصة الفرد من المياه «7500» مترمكعب. وأضافت الدراسة أن بلادنا من بين أفقر «10» بلدان في العالم في مسألة المياه، وأن مساحة الأرض التي يمكن زراعتها في بلادنا تقدر بحوالي «6.3» مليون هكتار، أي حوالي «5.6%» من مساحة بلادنا؛ إلا أنه وبسبب النقص الحاد في المياه فإن اجمالي المساحة المزروعة في بلادنا لا تتجاوز «6.1» مليون هكتار؛ أي حوالي «6.2%» من إجمالي مساحة بلادنا. أسباب استنزاف المياه والإسراف بها ويوضح الأخ خالد صالح أسباب استنزاف المياه والإسراف بها في بلادنا فيقول: يأتي في المقام استخدام المياه لري مزارع القات وبشكل جائر جداً، فقد ذكر خبراء أن ما يصل لأكثر من «60%» من المياه المستهلكة في بلادنا تستخدم لري محصول القات، ويقدر استهلاك القات من الماء بحوالي «800» مليون متر مكعب سنوياً، أىضاً الحفر العشوائي للمياه الجوفية، فقد أشار وزير المياه والبيئة إلى أن وزارته فشلت في السيطرة على «150» حفاراً يعمل في حفر الآبار الارتوازية للمياه بشكل عشوائي، وأن هذا العدد ليس لإجمالي الحفارات التي تعمل في مختلف المحافظات في بلادنا، وانها تصل إلى أكثر من «950» حفاراً. وكذا البناء، فقد ازداد العمران بشكل كبير في الفترة الأخيرة مما أدى إلى استهلاك كميات كبيرة من المياه والإسراف في هذا المجال ملاحظ من خلال ما نراه من مياه حول أي مشروع بناء، ومياه الوضوء في المساجد؛ نلاحظ الإسراف فيها من كثير من المصلين الذين يقومون بالوضوء في المساجد ويلاحظ حجم كميات المياه التي تذهب هدراً إلى المجاري، بالإضافة إلى الاستخدام المنزلي؛ فلا يكاد منزل يخلو من الإسراف في المياه من جميع أفراد الأسرة، فغسيل الملابس والأواني وغيرها؛ فلا ينكر أحد أن ما يستهلك من مياه أكثر بثلاثة أضعاف إن لم يكن أكثر مما يحتاجه، وكذا الاستخدام الصناعي؛ فكل المصانع والمعامل تستهلك الكثير من المياه، حيث إنها لا تستخدم حاجتها فقط وإنما بإسراف، وهذا ملاحظ في معامل المياه وغيرها، وأيضاً المعامل والمختبرات؛ فلا يكاد معمل أو مختبر يخلو من جهاز لتقطير المياه لاستخدامها في التحاليل وما يذهب هدراً ولا يستخدم حوالي خمسة أضعاف أو أكثر مما يستخدم. وكذا المياه في المدارس؛ لا ينكر أحد اسراف طلابنا بالمياه والعبث بها، والمرشحات المنزلية (الفلاتر) مع نقص المياه زادت نسب الأملاح في المياه خصوصاً في محافظة عدن لعدم كفاية المياه المنخفضة الملوحة؛ لذا كثر الطلب على المرشحات (الفلاتر) والملاحظ في هذه المرشحات أن المياه المستخدمة للشرب والخارجة من المرشح قليلة بالنسبة لغير المستخدم والذي يذهب إلى المجاري، فلكل مئة لتر ماء مستخدم للشرب هناك حوالي ألف لتر تذهب إلى المجاري، والتشجير والحدائق، حيث يستخدم القائمون على التشجير والحدائق العامة مياهاً إذا عولجت قد تكون صالحة للشرب وبكميات كبيرة من خلال الوايتات، وكذا تآكل وقدم شبكة المياه، إذ من المعروف أن شبكة المياه أغلبها من المعدن القابل للصدأ، وهذا يؤدي إلى حدوث الكسور والأعطاب مما يؤدي إلى إهدار كميات كبيرة من المياه قبل أن يتم إصلاح مكان الكسر من قبل الجهات المختصة، بالإضافة إلى المرافق الحكومية؛ فالإسراف في المياه بالمرافق الحكومية والمعسكرات ظاهرة واضحة، حيث يعتقد الكثيرون أن استخدام المياه بشكل مسرف، وغسيل السيارات في أماكن غسيل السيارات تستهلك كميات كبيرة مع أن دلواً سعة عشرة لترات يكفي لغسيل سيارة، وكذا عدم إدراك بعض المواطنين أهمية التعاون مع الجهات المعنية للتخلص من هذه المشكلة التي تهدد أمن واستقرار البلد. الحلول المقترحة ويذكر الأستاذ خالد صالح الحلول الموقتة التي تم اقتراحها لكي تنتهي مشكلة الإسراف بالمياه أو النقص منها ويقول: أولاً التخطيط السليم بوضع القوانين الرادعة التي لا تفرق بين صغير ولا كبير وذلك بمنع الحفر العشوائي للآبار، ورفع أسعار المياه التي تستخدم لري مزارع القات، وعدم السماح بالحفر لأي بئر لاستخدامها في مزارع القات، ومحاربة زراعة القات بشتى الوسائل الممكنة، ومراقبة مشاريع البناء من حيث استخدامها المياه وفرض غرامات على من يسرف في استخدام المياه، وعدم السماح لهم باستخدام مياه الشبكة الصالحة للشرب، بل يفرض عليهم استخدام مياه آبار غير صالحة للشرب. أيضاًَ يجب وضع حنفيات خاصة بالمساجد ومعايرتها بحيث تصب المياه بشكل لا يعطي مجالاً للعبث بالمياه وإهدارها، والتوعية المستمرة في وسائل الإعلام بطريقة توضح للناس أهمية المياه دينياً واجتماعياً واقتصادياً، بحيث يفزع المستمع والمشاهد والقارئ من نقص المياه في المستقبل، وزيارة المناطق التي تعاني من نقص المياه، ورفع التسعيرة عندما تصل كمية المياه المستخدمة إلى الحد المعقول للمستهلك، وعدم السماح للمصانع التي لا تستخدم المياه في مجالات الأغذية والمياه باستخدام مياه صالحة للشرب، بل يفرض عليهم استخدام مياه آبار غير صالحة للشرب. وعلى كل المعامل والمختبرات أن تعمل على وضع خزانات لاستقبال المياه الخارجة من أجهزة التقطير واستخدامها لأغراض أخرى مثل تنظيف الحمامات أو للتشجير، وعلى المدارس أن تقوم بتربية التلاميذ على عدم الإسراف بالمياه ومراقبتهم أثناء فترة الاستراحة وتوعيتهم بأهمية المياه وما يعانيه إخوانهم في المناطق الأخرى من نقص المياه، وإرشاد أصحاب المرشحات المنزلية «الفلاتر» حول كيفية استخدام المياه الخارجة من المرشح كاستخدامها في الغسيل أو تنظيف الأواني وغيرها بعد تجميعها في خزان. ويجب على الجهات المختصة بالتشجير في المحافظة ان تستخدم طريقة الري بالتنقيط وليس بالوايتات كما هو حاصل في الوقت الحاضر، واستبدال الشبكة القديمة بمياه الشرب ضرورة لكي لا تذهب المياه هدراً وبكميات كبيرة، وقد قامت مؤسسة المياه في الفترة الأخيرة بمد شبكة من البلاستيك.. ويجب محاسبة من يقوم بالإسراف بالمياه في المرافق الحكومية والمعسكرات، وتوعية الموظفين في المرافق الحكومية والجنود في المعسكرات بأن المياه التي تهدر ليست حق الحكومة؛ ولكننا نحن المتضررين في المقام الأول عندما تحدث مشكلة في نقص المياه، وعدم السماح لأماكن غسيل السيارات بالعبث بالمياه ورفع التسعيرة على المياه حتى لا تقوم باستخدام كميات كبيرة من المياه. وأخيراً يجب التعاون من قبل الجميع في الحفاظ على هذه النعمة التي يجهل الكثيرون أهميتها لأنهم لا يعانون مثلما يعاني بعض أهالي المناطق الريفية الذين يقومون بشراء المياه بالوايتات بمبالغ كبيرة أو المشي لمسافات طويلة لجلب المياه، ومن كان في نعمة فلينظر إلى من حُرم من هذه النعمة.