كيف استقبل رمضان وفي القلب ألف ألف غصة ، وفي جعبة الذاكرة تفاصيل مؤلمة لأيام نفضت غبار الاحتفاء برمضان ولم تترك غير صقيع البؤس يكنس أوراق الاحتفاء. أستجمع الآن ذكريات أهملتها أو هي عن قصد أهملتني ، ذكريات كانت لي محطات لسنوات كنت على باب رمضان أحصيها ، وبكثير من الفرح الغبي أتفاخر بأني كبرت وازداد عمري ، مع أن الحقيقة انه ينقص ، وأخطو خطوة أخرى باتجاه النهاية. والآن صار حلمي بان أعود للوراء سنوات لأعيش ولو لحظة من تلك اللحظات. مازلت أتذكر كل شيء : الأيام التي كنا نحصيها قبل رمضان ، (حطب) والدتي الذي كنا نجمعه من رجب (للحوح) رمضان ، أغنية(مرحب مرحب يا رمضان) التي نشدوا بها كل ليلة ، (المحلبية والعطرية والمكرونة) والحفلة التي كنا نعملها لأجلهم ، والدي العزيز الذي كان يحضر برفقة رمضان ثم يذهب معه،(صالح رمضان) الذي كانت والدتي الحبيبة (تفجعنا) به، (ألسنتنا) التي كنا نخرجها لمن هب ودب لنثبت لهم أننا صائمون ، وأشياء أخرى كان رمضان يعني لنا فيها الكثير ، الآن أتساءل هل تسرب الفرح من حياتنا كما تسربت سنوات عمرنا؟؟ هل أطفالنا شابوا قبل الأوان وتحجرت أحلام طفولتهم؟ هل شنقت فرحة الاحتفاء برمضان لديهم بعوز وفقر آبائهم؟؟ من يعيد لنا فرحة الاحتفاء برمضان ؟ من يمنحنا لذة التهافت إلى لقائه كأنه واحد من أسرتنا الصغيرة؟ من يرجع لنا رمضان الذي كان؟؟ أدرك الآن سر المقولة التي سمعتها من والدي مراراً (الأيام لا تأتي بالأحسن) والآن فقط أجزم بأن ناظم حكمت لم يكن موفقاً حين قال: (إن أجمل الأيام هي التي لم تأت بعد) ربما أجدني أقول ذلك وأنا أرى كيف صار الوضع وكيف استقبل الناس رمضان ، والفرق الواضح الذي ارتسم على وجوه الأطفال ، والبرود الشديد في كل شيء حتى في لهجة المذيع وهو يعلن قدوم رمضان . أنا آسف جداً ، أدرك بأنكم (أعزائي القراء) لستم بحاجة لمن يكتب تفاصيل حزني وحزنكم/قهري وقهركم/ألمي وألمكم/لستم بحاجة لمن يذكركم بتفاصيل بائسة نعيشها جميعاً لكني لم أستطع أن أكتب غير هذا الواقع الرديء الذي يصفعنا صباح مساء . قبل الرحيل : كيف لي أن أفصل بيني وبينك ، وأنا الذي لم أستطع فك التلاحم الذي تغشاني ذات ليلة حين جئت لي على غفلة من القدر، كيف لي البوح بحب مازلت حتى اللحظة أكتشف كل يوم أني أعيشه من جديد ؟!، إذاً.. سأخفي حبك عن العالمين حتى يحبك حبي أكثر!!