تصاعدت حدة المنافسة على كعكة التمويل الإسلامي بين العواصم المالية الرئيسة وهي لندن وكوالالمبور ودبي والمنامة للفوز بمركز الصدارة والنصيب الأكبر من هذه الكعكة التي يتراوح حجمها بين 005-007 مليار دولار مع تنامي ظاهرة إصدار الصكوك الإسلامية قليلة المخاطر. وزادت المنافسة اشتعالاً بعد دخول عواصم أوروبية مثل لندن وباريس على الخط، إذ لا يكاد يمر شهر حتى نسمع عن منتجٍ إسلامي جديد ينطلق من لندن التي تسعى جاهدةً لتبؤ مركز الصدارة في التمويل الإسلامي، معتمدةً على تاريخها كعاصمة لأكبر إمبراطورية استعمارية وخبرتها المالية المتجذرة، وانفتاحها على كل الثقافات والمدارس الفقهية الإسلامية دون تحيز لأحدها. السعودية الأكثر تأهلاً وأكد رئيس بنك الإثمار ودار المال الإسلامي في البحرين خالد جناحي- أحد رواد الصيرفة الإسلامية ل “الأسواق.نت”- أن العرب سيخرجون من المنافسة إذا لم يطوروا عقليتهم وأفكارهم، وأن لندن ستتربع على عرش المصرفية الإسلامية إذا استمرت الأمور على خطها الحالي، مشيرًا إلى أن منطقة الخليج لا تزال هي مركز الثروات الإسلامية، لكنها ليست مركز الصناعة المالية الإسلامية التي انتقلت إلى لندن وماليزيا بفضل العقلية المتطورة..وتحتل كوالالمبور حاليًا المركز الأول من حيث الأصول المالية الإسلامية ب50 مليار دولار تليها دبي ب46.3 مليار دولار، لكن دبي تحتل المركز الأول من حيث الصكوك الإسلامية المدرجة وفقًا ل”فوربس” وتأتي العاصمةُ البحرينية المنامة في المركز الثالث؛ حيث تبلغ أصول التمويل الإسلامي لديها 16.4 مليار دولار، فيما تشغل الدوحة المركز الرابع بأصول قيمتها 14.8 مليار دولار، وجاءت العاصمة البريطانية لندن في المركز الخامس ب10 مليارات دولار وسنغافورة بالمركز السادس ب6.8 مليارات دولار. لكن الجديد في هذه المنافسة المحتدمة هو دخول الرياض على الخط بقوة، من خلال تحول قطاعها البنكي والمالي تدريجيًا نحو المصرفية والتمويل الإسلامي حيث تحولت بعض البنوك التقليدية إلى إسلامية، كما تم إطلاق بنوك وشركات خدمات مالية إسلامية جديدة، و تشير التقديرات إلى أن المملكة ستتحول بالكامل إلى المصرفية الإسلامية خلال 5 سنوات. وحسب خبير المصرفية الإسلامية لاحم الناصر فإن المملكة العربية السعودية هي الأكثر تأهلاً لتصدر هذا القطاع؛ بحكم ما تمتلكه من ثروات وخبرات فقهية واقتصادية، لكن الناصر يشير في حديثه ل”الأسواق.نت” إلى أن المملكة -وحتى تتبوأ هذه المكانة- بحاجةٍ إلى سنِّ قوانين تنظم الصيرفة الإسلامية، وتكوين هيئات رقابة إسلامية وتطوير قوانين مؤسسة النقد، مشيرًا إلى أن هناك مشروعات قوانين تُدرس الآن من قِبل لجان متخصصة لتقنين الصيرفة الإسلامية. ويوضح الناصر أن القطاع المصرفي والمالي تحول تدريجيًا خلال الأعوام القليلة الماضية نحو المصرفية الإسلامية مع انطلاق بنوك إسلامية جديدة عملاقة وتحول بنوك تقليدية إلى إسلامية، وفتح العديد من البنوك الأخرى لنوافذ إسلامية؛ بحيث أصبح التمويل الشخصي الإسلامي يمثل 59% من جملة التمويل الشخصي في المملكة، كما أن الصناديق الاستثمارية الإسلامية تمثل ما بين 06-26% من جملة الصناديق الاستثمارية في المملكة. جهود إماراتية حثيثة لندن تحاول حسم المعركة لصالحها مستندةً إلى عراقتها وأسواقها المنظمة، كما أنها دخلت بقوة إلى سوق الصكوك البكر الدكتور معبد الجارحي وقال الناصر إن لندن ستكون لاعبًا رئيسيًا وليس اللاعب الوحيد بحكم حداثة هذه الصناعة الإسلامية، على عكس الصيرفة التقليدية التي استقرت مراكزها العالمية في لندن وفرانكفورت ونيويورك، مشيرًا إلى أن مراكز الصيرفة الإسلامية تتنوع حاليًا بين دبي والمنامة وكوالالمبور ولندن وباريس وسنغافورة وهونغ كونغ.. إلخ. وأشار الناصر إلى أن ماليزيا قطعت أشواطًا بعيدة في تطوير بنيتها التشريعية والمؤسسية الإسلامية عكس الحال في لندن التي لا تزال لديها الكثير من التعقيدات القانونية، وإن كانت الأخيرة تعتمد على عراقتها التاريخية وخبرتها الممتدة في مجالات المال عمومًا، وبنيتها القضائية المستقرة التي جعلتها الوجهة المفضلة لكبار المستثمرين، ولم يعد ينقصها سوى تقنين تشريعات الصرافة الإسلامية لتصبح أكثر قبولاً. ووضح الناصر أيضًا أن لندن تتميز عن ماليزيا بتعدد المدارس الفقهية وعدم تبنيها لمدرسة، محددة بخلاف ماليزيا التي تتبنى مدرسة فقهية متساهلة جدًا تعتمد أحكامًا فقهية غير معتبرة شرعًا وغير مقبولة من المستثمرين الخليجيين، وإذا استمرت ماليزيا على تمسكها بهذه المدرسة الفقهية فإنها ستخرج من المنافسة. من جهته قال أمين عام لجنة الرقابة الشرعية في سوق دبي المالي الدكتور معبد الجارحي أن المنافسة لا تزال محتدمة بين الإمارات والبحرين وماليزيا وبريطانيا ولم تحسم لصالح مركز بعينه، لكنه أشار إلى دخول منافس قوي على الخط وهو المملكة العربية السعودية التي تعمل بهدوء ودون ضجيج، مشيرًا إلى أن النظام المصرفي السعودي تحول نحو الصيرفة الإسلامية بقوة خلال العامين الماضيين، وأنها في تحول بقية القطاع إلى الصيرفة الإسلامية فستصبح هي المنافس الأول وقال الجارحي ل “الاسواق.نت” إن لندن تحاول حسم المعركة لصالحها مستندة إلى عراقتها وأسواقها المنظمة، كما أنها دخلت بقوة إلى سوق الصكوك البكر، وتعتزم وزارة الخزانة البريطانية إصدار صكوك تسحب من خلالها مليارات الدولارات الخليجية وغير الخليجية..وأشار الجارحي إلى أن الإمارات لديها إمكانيات قوية للمنافسة حيث ارتفع عدد البنوك الإسلامية من 4 فقط إلى 8 بنوك، كما أن الإمارات احتلت المرتبة الأولى في الصكوك عالميًا في 7002 بنسبة 63% تليها ماليزيا، متوقعًا أن تحافظ الإمارات على ترتيبها في 8002. مؤسسات بحرينية عريقة وأكد الجارحي أن سوق دبي المالي هو أول سوق مالي يتحول إلى سوق إسلامية في العالم ويضع معايير شرعية للأسهم، حيث تم تقسيم الأسهم إلى متوافقة مع الشريعة وأخرى تقليدية، كما تقدم إدارة السوق خبراتها للشركات الراغبة في توفيق أوضاعها مع المعايير الشرعية، وتستعد السوق لإصدار معايير خاصة بالصكوك قريبًا. ويرى الكثيرون أن البحرين تعتبر الموطن الأول للتمويل الإسلامي الحديث؛ حيث ترجع أصوله إلى السبعينيات، رغم أن اقتصاد البحرين يعتبر صغيرًا غير أنه يتميز بالانفتاح، حيث تصنف مؤسسة هيريتيج البحرين بأنها أكثر اقتصاد يتميز بالحرية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا..ويشير الجارحي إلى أن البحرين منافس قوي بحكم ما تتمتع به من بنية قانونية ومؤسسية يشرف عليها البنك المركزي البحريني الذي يصدر أوراقًا مالية إسلامية صالحة للتداول بين البنوك الإسلامية، كما أن 06% تقريبًا من تمويلات الحكومة البحرينية هي تمويلات إسلامية..من جهته قال عضو هيئة الرقابة الشرعية في بنك البحرين المركزي الشيخ محسن عصفور: إن البحرين لديها توجه لتعزيز حضورها في قطاع التمويل والصيرفة الإسلامية؛ حيث تحتضن المملكة حاليًا العديد من المؤسسات المالية الإسلامية العالمية مثل هيئة المحاسبة والمراجعة للبنوك الإسلامية والوكالة الإسلامية للتصنيف، كما أن البنك المركزي البحريني هو الوحيد في المنطقة الذي يحتفظ بهيئة رقابة شرعية.. التحولات التي حدثت في القطاع المصرفي السعودي للتوافق مع الشريعة الإسلامية حدثت خلال العامين أو الثلاثة الأخيرة فقط، وليس لدى المملكة المؤسسات الإسلامية الكافية الشيخ. محسن العصفور .وأشار العصفور إلى أن لندن تسعى لتصدر التمويل الإسلامي، معتمدةً على عراقة أسواقها ومرونتها، كما أن باريس تحاول الدخول على الخط، والجميع يستهدف استقطاب أموال الخليج والعرب، لكن العصفور يرى أن هذه الأموال بدأت مسيرة العودة إلى أوطانها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 ..ورغم إشاراته إلى النهضة الاقتصادية الكبيرة التي تشهدها المملكة السعودية، إلا أن العصفور يرى أن الحديث عن تبوئها لمكان الصدارة في الصيرفة والتمويل الإسلامي سابق لأوانه، مشيرًا إلى أن السعودية ظلت لفترةٍ طويلة ترفض فكرة المصارف الإسلامية، كما حدث مع بنك فيصل الإسلامي الذي لم يجد له مكانًا فيها فانطلق من البحرين..وأوضح العصفور أن التحولات التي حدثت في القطاع المصرفي السعودي للتوافق مع الشريعة الإسلامية حدثت خلال العامين أو الثلاثة الأخيرة فقط، وليس لدى المملكة المؤسسات الإسلامية الكافية، كما أن عددًا من علماء المملكة هم أعضاء بهيئات الرقابة الشرعية في البحرين..وكانت مؤسسة موديز لخدمات المستثمرين قد أعلنت مؤخرًا أن حكومات دول الخليج العربية ربما تستأثر بنصيبٍ أكبر في الشركات المالية الإسلامية لتعزز قبضتها على هذا القطاع مع نمو الطلب على الاستثمارات والخدمات المالية التي تتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية، في ظل طفرة في أسعار النفط، موضحةً أن هناك إمكانية لنمو صناعة التمويل الإسلامي وحجمها 700 مليار دولار حاليًا إلى 4 تريليونات دولار.