الإهداء إلى الأخ عبدالسلام عبده سعيد تداخلت الأفكار وهي لاتريد أن تنفك تقوده إلى مكان يريح بها نفسه في هذه الساعة والناس في هذه الظهيرة ينظرون إلى أحوالهم التي يرثى لها.. تناول وجبة الغداء وقرر أخيراً زيارة المدينة القديمة بدأت الشمس تحجب ضوءها والناس لاهم لهم سوء مضغ القات.. سيارات تمر من جانبه مسرعة.. والموتر سيكل يجرف مايحصل من أمامه لايهمه من القادم.. الناس بلهاء في هذه الساعة بعد مضغ القات المختلف أصنافه.. بدأت الشمس بالاحتجاب من شدة الغبار المتسق بها من شدة الحرارة وعدم هطول الأمطار.. الجبل المثقل بالغبار تراه هامداً من كثرة ما لصق به من أتربة،البائعون المتجولون يقطعون الطريق بعربياتهم اليدوية إلى باب المدينة،يحملون فاكهة الصيف.. المشكلة بالغبار وقلة الماء وانقطاع التيار الكهربائي.. وجبل صبر يشكو حاله من العطش المفرط بائع يصيح بكل صوته.. بلح اليمن.. وآخر تين شوكي اقترب من البائعين.. رمان ياعمو .. «هذا الصيف قل مطره ستنتهي الفواكه قبل وقتها» سكت وراح يواصل طريقه.. تين شوكي.. بلح.. قرر الدخول من الباب الكبير للمدينة إلى جوف المدينة المثقلة بالهموم.. موز.. اخترق الشارع يتأمل أوجه الناس البائسة.. إنه يعرفهم من زمن بعيد.. الرياح تجرف ماتبقى من أكياس النايلون المتطايرة في السماء وعجاجة قادمة تخفي وراءها رائحة المطر القادم. الشارع يطول أمامه.. الباصات مكتظة عند الباب الكبير هكذا يسمونه. الهيس والعكبار.. عرضي مدينة صالة.. كل لون له اتجاه.. من كثرة البائعين المتجولين صدر الشارع لا يسع إلى أحد.. أخذ يمشي بصعوبة جمة.. اخترق الجموع عند الباب الكبير.. إلى أين أنت ذاهب يا حاج.. لم يرد بكلمة واحدة.. أخذ اتجاه نحو المعالم الحضارية القديمة اركب رقم واحد بلون.. يريد زيارة المعالم القديمة في المدينة «لاتسمع الداعي من المجيب». الأشرفية «المعتبية» عبدالهادي .. المظفر وغيرها.. من معالم الدولة الرسولية. لابد من زيارة قلعة القاهرة يوم آخر لقد عمل حسابه لزيارة القلعة. نظر إلى المدينة القديمة قال في نفسه أين الدولة الرسولية.. أين المدينة؟ تأمل الزمن المالي وراح يقطف ثمار الحاضر الدخول هنا بالأقدام تابع خطاه وتجول المعالم الحضارية القديمة.. قدماه تأخذه بداءً من باب المدينة يتحسس الناس القادمين بائع الجبن وبائع التمر.. لايفترقان.. هذا باب المخلولة لقد تهدم هو أيضاً .. أصبح ممراً للناس.. هو يعرف معالم المدينة تماماً.. هنا بائعة الخبز والملوج والكدم بدأت الشمس تأخذ مسارها إلى الغروب.. والجبل لازال يحمل في طياته الجاثم على صدره المتخم بالهموم ذرات الغبار في هذا الصيف القارص.. لايستطيع الناس النظر إلى المدينة القديمة كانت يتيمة.. متصدعة فلقد رحل أكثر سكانها، إما إلى العالم الآخر وإما إلى خارجها. قال في نفسه:مسكينة أنت يا ذو عدينة.. وضع لنفسه خطة لزيارة بعض المعالم القديمة.. المدرسة المعتبية والاشرفية.. وادي المحبة.. المظفر.. غيرها من المعالم القديمة التي تجعله يحس بالماضي. بدأ الخطأ.. كانت الشمس قد أخذت بالغروب تركته يهيم ليكمل جولته. بدأ السواح يتأملون المدينة.. يأخذون صوراً تذكارية لمعالمها.. مد رجليه ليرى معلم الدولة الرسولية.. هذه هي الأشرفية.. عالم آخر.. وفن زاخر من الجمال.. إنه مدرسة ومسجد. دخل المسجد.. أدى ركعتين شكراً لله.. صحبه مقيم المسجد.. تعال انظر إلى هذا.. فتح له باباً إلى أسفل المسجد تدفق السواح يأخذون الصور للقبور القديمة التي ظلت هائجعة يتأمل الزمن الماضي تحكي حروف التاريخ القديم «لتقول هل من مصير لهذه المدينة». قال له هذا هو قبر الأشرف الرسولي بات هذا الصرح شامخاً وهذه زوجته قلت ومن هي؟ قال:المعتبية. لازال جو المدينة مشحوناً بالأتربة والغبار، أسرار كثيرة قالها لي.. تأملت القبور وخرج مسرعاً. «كانت القاهرة بقلعتها تحكي حصاراً من زمن بعيد» نزل وهو يحمل نفسه على قدميه كإنسان مكبل بالحديد معلناً أن المدينة لازالت يتيمة «تحتاج إلى من يصونها رن جرس التلفون في جيبه.. كان التلفون صامتاً كماهي القبور.. قال له هل تحفظ السر.. قلت نعم.. ماهو السر؟ سكت في نفسه وأخذ يقلب الماضي قلت له السر.. رفع رأسه شامخاً ونظر إلى المدينة وهي راقدة في حضن الجبل كطفل في حضن أمه.. تراجع قليلاً إلى الخلف.. نظر كل شيء وشاهد الأشرفية بقببها التي نفخر بها.. قال هل تحفظ السر؟.. قلت نعم.. قال سري للغاية وقلت وماهو؟ .. قال:هل بجانبك أحد.. قلت سواح.. يتأملون تلك العظمة.. قال وما هو أمامك الآن.. قلت قلعة القاهرة.. وشمالك.. قلت مسجد الأشرفية.. وعن يمنيك قلت المدرسة المعتبية.. ومن خلفك جامع الملك المظفر.. سكت وقال لي سري للغاية .. هل فهمت..؟