عبدالله حميد عبدالرحمن ربما كان للشعر العربي نصيب لا بأس به من الشهرة لميل كثير من شعرائه إلى أسلوب استدعاء الأسطورة في الحكاية إلى الواقع أو توظيف الأسطورة في محاكاة الواقع بشكل ما.. وهو ينجح نسبياً في توصيل تعبيراته الشعبية عن طريق الشعر المعبر عن الحماسة والفروسية والشهامة والإباء وبعض العادات الجميلة التي يحفل بها كل مجتمع حسب حاله وتقلبات ظروفه،غير أن هذا اللون من الشعر لم يأت نتيجة ثراء في عطاء الشعر العربي الفصيح،وإنما جاء عقب تحولات أقل ماتوصف بالسلبية من تاريخ الأمة العربية،منها ضعف النتاج الشعري العربي الفصيح،وتراجع الأداء أو العطاء الأدبي العربي.. وانتشار مدارس أدبية جديدة شعراً ونقداً أسهمت في هذا التردي التاريخي سياسياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وحضارياً والذي أصاب الأمة وأضعف من دورها الثقافي،مع كثرة إنتاج ودوريات ثقافية يصعب حصرها في الواقع العربي،وقلة جودة في معطياتها «أي ثقافات وآداب» ركيكة المعنى ضئيلة الجدوى ضعيفة الاثر. ومنها انقسام الواقع العربي على الصعيد الثقافي بين مؤيد لحركة التجديد الادبي في الغرب ومناهض لها بوعي نقدي وفكري وبدونه،ومنها القاعدة التعليمية العربية التي كانت مخرجاتها دون المستوى الأدبي والثقافي القديم..ومنها استخدام النظم العربية المتخلفة «دينياً سياسياً اقتصادياً اجتماعياً ثقافياً حضارياً» للثقافة والآداب لتلميع انحرافاتها وتبرير تراجعاتها وهزائمها وتصديرها بالانتصارات العظيمة فيما الواقع العربي يرسف منذ آماد طويلة تحت طائلة الفقر والجهل والصراعات والتخلف والانقسام والبطالة وانتشار الفساد الشامل بكل مناحي الحياة العربية ولذلك فالعودة إلى تشجيع الثقافة العامية بلهجاتها المختلفة تحت مبررات شعبيتها لاتمثل إلا هروباً سافراً من هزيمة أدبية فكرية ثقافية حضارية،أي هزيمة المعطيات الادبية التي حفل بها الواقع أمام زحف المؤثرات الاستعمارية.. مع أن اللغة العربية هي الأصل الذي يتوجب رعايته بكل أساليب العناية،وإحاطته بكل الاهتمام،واللغة لم تكن في يوم من الأيام متخلفة أو عاجزة عن التوصيل المعرفي في أوساط الأمة العربية،رغم أنها هي الجذر الذي يتوجب الحفاظ عليه كالحفاظ على الوجود والمستقبل والمصير،وهنا فإننا لانعارض وجود أدب شعبي وشعر وفن وفلكلور شعبي، وإنما نخشى أن تطغى الموضة الشعبية بلهجاتها الركيكة على اللغة الأدبية والثقافية والفكرية «الأم»فنخسر مرتين فلا يرقى أدبنا وشعرنا الفصيح إلى المستويات الابداعية الخلاقة ابتكاراً وتجديداً،ولايصل الأدب الشعبي إلى المكانة التي نأملها له، فهو لايمكن بلهجاته أن يكون أكثر ملاءمة من الفصيح، أو أعلى شأناً منه، لأن اللهجات الشعبية،مهما تفرعت وتلونت، فإنها فروع من اللغة الأصل، فالأصل هي العربية الفصيحة لا اللهجة.. وعادة ماتكون اللهجات مشوبة بالأخطاء والتغيرات التي طرأت وتطرأ عليها من حين لآخر، في مفرداتها واختلاطها بلهجات ولغات مختلفة ويصعب تقويمها،لأن الآداب الشعبية بكل المجتمعات العربية لامرجعية أدبية وثقافية لها،بعكس اللغة العربية التي تحمل مرجعية علمية معروفة منذ القدم وحتى الآن،ويصعب تغييرها أو تحريفها، فهي لغة الاشتقاقات والثراء الأدبي،وقلما نجد لغة عالمية غنية بالثراء الجمالي كاللغة العربية.. لغة التجديد والابداع عبر تاريخنا كله،وعبر مراحل الانحطاط والازدهار الحضاري..وإنه لمن العجيب أن نواجه برامج ثقافية شعبية عربية هنا وهناك تنتشر بكثافة لافتة وعبر قنوات عديدة، تستنهض الموروث الشعبي بلهجاته الركيكة على حساب لغة القرآن ولغة العروبة والإسلام وتخصص جوائز تقدر بالملايين، فيما يعيش أدباء وشعراء ومثقفو العربية في ضنك العيش وبأكناف الفقر المدقع..يصعب عليهم توفير لقمة العيش والبيت اللائق، ولن نذهب بعيداً إذا ماتذكرنا معاناة أساتذة وأدباء وشعراء عرب في مجتمعاتهم وهم أكثر إبداعاً وانتاجاً واستنارة من كثير ممن حازوا جوائز الملايين وهم من الابداع والتجديد والابتكار بعيدون جداً، ولكن لغرض ماتم تشجيع الفكر والأدب والشعر والفن الركيك على حساب الآداب والثقافات الرصينة المفيدة ذات العطاء المثمر النافع والأثر الخالد..فهل حصل العقاد وطه حسين ومحمود شاكر وغيرهم من أدباء العربية على جوائز الملايين؟ لقد رحل بعضهم وهو يعاني شظف العيش في مجتمعاتنا العربية وغيرهم فمن لايستحقون تلك الجوائز على ضخامتها كانوا من الفائزين.. إن هذه المفارقات العجيبة لاتبشر بخير على صعيد الأدب والفكر والثقافة والإبداع، إن لم تكن مردودات هذه التوجهات سيئة على معطيات الحضارة العربية «أدباً وشعراً ولغة وثقافة وفناً» مستقبلياً. إن الاستهانة باللغة العربية وجعلها في آخر سلم أولويات هذه النظم المنتسبة للعروبة والإسلام لايعبر إلا عن انحراف مشين في خط التاريخ العربي العام وسيكون لمردوداته الأثر السلبي على أجيال الأمة العربية مستقبلاً.. فالعرب اليوم الذين هم ينسبون للعربية لايتكلمون بغير اللهجات على كثرتها وكثرة أخطائها وكأن هذه الأمة العظيمة سوف تكون أمة مقطوعة الجذور مشتتة النظم، ممزقة الفكر، مجدبة ثقافياً ولغوياً..أدبها تستنبته استنباتاً، وكأنها تعيش جنينياً، في طور اختبار كما يفعل الأطباء مع أطفال الأنابيب، إن هذه الأمة التي اختلفت سياسياً وأيديولوجياً..عليها أن تتفق مع أصول وجودها التاريخي واللغة إحدى هذه الأصول بل وأصل هذه الأصول فقرآنها ونبيها صلى الله عليه وآله وسلم عربي..عليها أن تتفق مع أهم خصائص وجودها ألا وهي لغة التخاطب والشعر والبيان..لغة الأدب والفكر والفن والإبداع لغة التجديد والجمال والتطور الحضاري. ? عليها أن تهتم باللغة وماينتسب إليها من أدباء وشعراء ومثقفين ومفكرين ومعلمين ومبدعين وأن ترعاهم حق الرعاية حتى لايعيشون كفافاً، وتذهب الملايين هباء، عليها أن تهتم بالفصحى كاهتمامها بالعامية ولهجاتها التي لاندري من أي الوديان جاءت بها.. ? أية منعطفات تمر بها هذه الأمة؟؟ وأي مستقبل ينتظرها إذا ماواصلت سيرها المعوح في هذا المسار؟؟ ورحم الله المتنبي حين قال: ذو العلم يشقى في الحياة بعلمه وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم