إذا وضعنا الأمور في نصابها سنجد أن التحصين الداعم الوحيد للمنظومة المناعية الجسدية المكتسبة ضد أمراض الطفولة القاتلة المتربصة بفلذات الأكباد. فبجرعات التطعيم الروتيني كاملة للأطفال دون العام،وتلك التي تعطى في حملات التحصين ضد شلل الأطفال لمن هم دون الخامسة من العمر، وفي سائر الحملات الأخرى، تكتمل لديهم الوقاية الدائمة من هذه الأمراض مدى ال حياة. في السياق التالي سنعرج على مجريات الحملة الوطنية ضد شلل الأطفال المستهدفة للأطفال دون سن الخامسة مع تفاصيل أخرى حول داء الشلل.. من خلال هذا اللقاء الذي جمعنا بالدكتور خالد غيلان سعيد استشاري طب الأطفال «الأستاذ المساعد لطب الأطفال بكلية الطب جامعة صنعاء»،إيماناً منا بأهمية بناء قاعدة معرفية ووعي جيد بمشكلة مرض شلل الأطفال وخطورته المهددة صحة وسلامة المصابين،وكذا لأهمية الوقاية منه من خلال التحصين فإلى ما دار في هذا اللقاء.. الانماط الفيروسية ?شلل الأطفال معروف بأنه يسبب الكثير من الإعاقة والتشوهات.. فما حقيقة هذا المرض؟ شلل الأطفال أو التهاب سنجابية النخاع هو في الحقيقة مرض فيروسي حاد لايصيب إلا البشر.. تتراوح حصيلته مابين عدوى خفيفة ومرض شللي،حيث يصيب في الحالات الشديدة الجملة العصبية، مؤدياً إلى شلل رخو وإعاقة وضمور لعضلات حركية معينة في الجسم تبعاً لموقع ومستوى إصابة الحبل الشوكي،كما من الممكن أن تنتج عن الاصابة الوفاة في الحالات الوخيمة. يوجد منه ثلاثة أنماط «3,2,1» جميعهما يسبب الشلل،إلا أن النوع الأول أخطرها لتسببه في أغلب حالات الإعاقة الشللية. انتقال العدوى ?مامجمل الظروف التي تهيئ وتساعد على العدوى والإصابة بفيروس شلل الأطفال؟ تتيح الأماكن المزدحمة رديئة النظافة والتهوية التي لايهتم قاطنوها بنظافتها ونظافتهم الشخصية،تتيح متسعاً ومتنفساً لانتشار مرض شلل الأطفال. فالطفل الذي يحمل العدوى في بيت يفتقر إلى مقومات الصحة والنظافة يظل قادراً على نقلها أثناء الطور المبكر للمظاهر السريرية. حيث تنتقل العدوى أساساً من خلال تناول طعام أو شراب خالطته أشياء ملوثة،كالأيدي الملوثة مثلاً ببراز حاملي العدوى أو لتلوث الطعام أو الشراب بالإفرازات الأنفية والفموية لحاملي المرض. الجانب الآخر،يمكن الكشف عن فيروس شلل الأطفال في إفرازات الحلق في وقت مبكر يصل إلى «36ساعة» بعد التعرض للعدوى،ويشاهد مخبرياً في البراز بعد «72 ساعة» من التعرض، سواءً أفضى الأمر إلى عدوى خفيفة أو إلى مظاهرسريرية. ومن جملة العوامل المساعدة على حدوث العدوى بفيروس شلل الأطفال: حرمان الأطفال خلال السنة الأولى من العمر من التحصين الروتيني أو عدم استيفائهم الجرعات كاملة على النحو المحدد في كرت التحصين الروتيني المعتاد،بالإضافة إلى حرمان من هم دون الخامسة من العمر من التطعيم خلال الحملات. سوء التغذية،وتلوث الطعام والشراب بفيروس الشلل. إهمال النظافة الشخصية وسوء الصرف الصحي،والتبرز في العراء خاصة قرب المنازل ومصادر المياه. الازدحام الشديد وسوء تهوية المنازل. عدم التبليغ الفوري في أقرب مستشفى أو مركز صحي عند الاشتباه بوجود حالات إصابة جديدة بالمرض. دورة المرض .. وأعراضه ?بدءاً من مرحلة العدوى ومروراً بفترة الحضانة ثم إنتهاءً بالإعاقة الحركية.. كيف تصف هنا الأعراض المصاحبة؟ ? من دون شك أن انتقال الفيروس سببه تناول الطفل لطعام أو شرب ملوث أو وضعه أي شيء ملوث في فمه، وهذه الخطوة الأولى للفيروس لدخول جسم الإنسان، فهو ينتقل إليه عن طريق الفم،ومن يتكاثر في البلعوم والقناة الهضمية للعائل المضيف،لينتشر بعد ذلك في الجسم عن طريق مجرى الدم وصولاً إلى مهاجمة الجهاز الليمفاوي والجهاز العصبي المركزي. وتختلف دورة المرض تبعاً لحدة الفيروس،فيما تستغرق فترة حصانته عادة نحو «أسبوع واحد». . كما تتفاوت ردة الفعل للعدوى بالفيروس إلى حد كبير تبعاً لشدة الحالة الاكلينيكية للمريض. وعند مطعم الحالات يظهر المرض في صورة: توعك طفيف. حمى خفيفة. تقيؤ وألم بالبطن. فقدان الشهية. التهابات بالحلق. وهي علامات شائعة لايمكن التمييز بينها وبين أعراض حالات العدوى الفيروسية الخفيفة الأخرى. ولاتبدو على المرضى في معظم الحالات أية أعراض إضافية. غير أن الوضع يختلف لدى القليل من المرضى لتمكن الفيروس من الوصول إلى المخ والحبل الشوكي،إذ تظهر فيهم أعراض مرضية شديدة في الجهاز العصبي بشكل مفاجئ،وإن سبقتها أحياناً فترة هدوء وسكون مؤقتة. وعلى إثرها تنتاب المريض حالة من القلق والتوتر والصداع وتفاوت في ارتفاع درجة حرارة الجسم بين «39-38م».. في ثلث الحالات التي تصل إلى هذه المرحلة يختفي المرض خلال «سبعة أيام»،أما بقية الحالات فتتطور إلى الشلل،وعادة مايظهر الشلل أثناء الحمى، وفي الغالب لايتطور أكثر بعد ما تعود درجة الحرارة إلى معدلها الطبيعي. ويلاحظ مرور المرض في الحالات التي تنتهي بالشلل عبر طورين، طور أصغر وطور أكبر، وأحياناً تفصل بين الطورين عدة أيام بلا أعراض. ففي الطور الأصغر يعاني المريض الحمى والأعراض التنفسية العلوية وأعراضاً معدية. أما بالنسبة للطور الأكبر فيبدأ بآلام عضلية وتشنجات بالعضلات ومعاودة الحمى،وقد تختفي الآثار السلبية قبل أن يظهر بوضوح ضعف العضلات. إعاقة وتشوهات ? كيف تصنفون صور وأشكال الإعاقة لدى الإصابة بشلل الأطفال؟ وهل ثمة بصيص أمل في علاج بعض الحالات المصابة؟ ? يمكن أن يبدأ الشلل فجأة أو بالتدريج، ومن الممكن أن يصيب أية مجموعة من العضلات في أي موضع تبعاً لموقع ومستوى إصابة الحبل الشوكي،إلا أنه يصيب الساقين أكثر مما يصيب الذراعين. . وتصبح على إثرها العضلات المصابة مشلولة رخوة تفقد توترها، بينما يظل الاحساس بالآلم واللمس على حالة دون تغير.. ويمكن في الحالات الوخيمة أن يصاب المريض بالشلل الرباعي الذي يصيب عضلات الجذع والبطن والصدر، ومايترتب عليه من نتائج خطيرة. وعند إصابة عضلات الجذع يمكن أن تقود هذه الإصابة في بعض الحالات إلى حدوث انحناء في العمود الفقري. . أما إصابة عضلات الصدر فتقود كثيراً إلى تعطيل مرونة القدرة على التنفس لدى المصاب، وربما نجم عنها توقف التنفس نهائياً،ومن ثم الوفاة. إلى ذلك هناك صور كثيرة للأضرار بالأطراف العلوية والسفلية التي تلحقها الإصابة بشلل الأطفال،وهي موزعة على النحو التالي: الرصد والتبليغ ?الكشف عن حالات الاصابة الجديدة بشلل الأطفال.. ألا يشكل عبئاً نظراً لما تتسم به الكثير من مناطق اليمن من صعوبة في الوصول إليها لتضاريسها وطرقها الصعبة؟ وماجدوى تعاون الناس وتبليغهم الجهات المختصة عن الحالات التي يشتبه إصابتها بالمرض؟ دعم جهود التحصين لبلوغ هدف القضاء على فيروس شلل الأطفال وصفاء ونقاء بيئتنا من دنسه إلى الأبد،بمشيئة الله، يتطلب تعاون الأهالي ومدهم يد العون للمنسقين والقائمين على الترصد الوبائي في مناطقهم ولو بمجرد اشتباهم بظهور حالة أو حالات إصابة جديدة بشلل الأطفال، وذلك من خلال التبليغ الفوري عنها في أقرب مركز أو وحدة صحية أو مستشفى عام، ولو لمجرد الشك. وهو عمل بسيط وفي الوقت ذاته يمثل خدمة عظيمة تنم عن حب الخير وتمثل روح المسؤولية في الحفاظ على صحة أطفالنا وبقائهم متحررين حاضراً ومستقبلاً بعيدين عن تهديدات فيروسات الشلل..فالكل ملزم بالتبليغ الفوري في حال الاشتباه بوجود إصابة أو إصابات حديثة لدى طفل أو مجموعة أطفال، ولايقتصر الاشتباه على الأطفال دون الخمسة أعوام، بل وعلى كل المعرضين للإصابة ممن نقل أعمارهم عن خمسة عشر عاماً. . ولكي يتم التثبت والتأكد مما إذا كان فيروس شلل الأطفال متسبب بالفعل في الأعراض والآثار التي ظهرت على الحالات المشتبه إصابتها بالمرض، يأتي دور الجهات المختصة للتأكد والتثبت من الأمر عبر فحص عينات من براز حالات الاشتباه، ومن ثم تأكيد النتيجة بفحصها خارج البلاد لدى المختبرات المرجعية لمنظمة الصحة العالمية وتحديد نوع الفيروس المسبب للإصابة وسلالته الفيروسية إذا كانت النتيجة إيجابية. وفي حال اشتباه الطبيب المعالج لحالة أو لمجموعة من الحالات لايتم الجزم بالإصابة، ذلك لأن تقرير الطبيب للحالة مهما يكن وثيقاً وإن بدا له يقيناً ينطوي تحت قائمة الاشتباه، كذلك عند حدوث شلل رخو غير متصلب ويكون حاداً ينطوي تحت قائمة الاشتباه، لكنه يستوجب حال ظهوره التبليغ الفوري. شائعات .. وتضليل ?التشكيك في سلامة ومأمونية اللقاح المضاد لفيروس شلل الأطفال،كالتسبب في العقم أو الزعم بأنه يحتوي على مواد مضرة بصحة الأطفال.. ما ردك على هذه الادعاءات؟ لا أساس لما يقال من زيف ويشاع من أكاذيب تطعن في صلاحية وسلامة اللقاح المضاد لفيروس شلل الأطفال، فليس منطقياً اعتبار اللقاح فاسداً غير صالح لأطفالنا أو أنه يسبب العقم أو اتهامه بأنه يسبب شلل الأطفال أو غير ذلك من الادعاءات،ولأنه يأتي من بلاد غير إسلامية يعتبرونها تضمر الضغينة والكراهية لمجتمعنا. هذه محض افتراءات تقدح في الأمانة العلمية والمهنية والرقابة الشديدة لمراحل إنتاج مصل اللقاح، من بداية الإنتاج ومراحله وحتى جاهزيته الكاملة بعد الإنتاج، بل وتعد تشكيكاً مرفوضاً في مساعي وحرص وزارة الصحة العامة والسكان والبرنامج الوطني للتحصين الموسع الرامية إلى حفظ صحة أطفالنا،وبنزاهة منظمة الصحة العالمية التي تضم في كنفها أيضاً خبراء مسلمين ثقة يعملون معها وعلماء ذوي علم ودراية بالأمور الفقهية وأحكام الحلال والحرام في كل ماله علاقة بالصحة، كأمثال د. محمد هيثم الخياط الذي ألف سلسلة كتب «فقه الصحة» وقدم من خلالها مرجعاً ونموذجاً فريداً من نوعه، هو نتاج آراء وأحكام الشرعية الإسلامية في المناحي التي تخص وتلامس صحة الإنسان.