ثمة حقائق دامغة ومذهلة لا يمكن تجاهلها عن المشكلة السكانية في عالم اليوم والتي أعادها إلى دائرة الاهتمام إطلاق التقرير الدولي للأمم المتحدة حول سكان العالم للعام 2008 مؤخراً، فطبقاً للدراسات الحديثة فإن سكان اليمن سيتضاعف عددهم مرتين بحلول العام 2025، وبالتالي فإن ذلك سيخلق مناخاً مناسباً للتردي على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية حيث يترافق الارتفاع الشديد للطلب البشري على الخدمات مع انخفاض كبير في معدل الإنتاج نتيجة تصنيف العدد الأكبر من السكان ضمن الشريحة المعالة غير العاملة.... ولذلك فقد كان لا بد من الاهتمام بالمشكلة من خلال توعية الجيل الجديد خصوصاً طلبة الجامعات بأبعاد المشكلة وفي هذا السياق نظمت جامعة إب بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان أسبوعاً ثقافياً خصص للتوعية بالمشكلة السكانية. المسؤولية مشتركة يقول الأستاذ الدكتور أحمد محمد شجاع الدين رئيس جامعة إب عن مسببات الاهتمام المتزايد بالمشكلة السكانية : يجب أن نؤكد ضرورة مراجعة الوضع السكاني بالجمهورية اليمنية نتيجة ما تمر به البلاد من ظروف اقتصادية صعبة وهي التي جعلت المسألة السكانية على رأس أولويات القيادة السياسية ممثلة بفخامة المشير علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية، وهنا يجب أن لا يفهم أن الاهتمام المطلوب يفيد التفسيرات المغلوطة لمطالب التنظيم الأسري، بل يجب أن نركز على أهمية المباعدة بين المواليد لعامين كاملين على الأقل حماية للطفل والأم والأسرة والمجتمع خصوصاً أن محافظة إب تعد المنطقة الأعلى في معدل الكثافة السكانية في الجزيرة العربية حيث يقيم أكثر من مليونين ونصف المليون من البشر في مساحة لا تتجاوز الخمسة آلاف كيلومتر مربع، وهذا الواقع يقتضي من الجميع التحلي بمسؤولياتهم في نشر الوعي بالثقافة السكانية والتفاعل الجاد مع أنشطتها كمدخل لمواجهة التحديات التي يفرضها النمو السكاني المتسارع، لأن من العبث الاستمرار في تجاهل الأزمات المترتبة على الزيادة السكانية خصوصاً في المياه والغذاء، خصوصاً أن الدولة لن يكون بمقدورها القيام بمواجهة كل تلك التحديات بمفردها ولكن بتضافر جهود الجميع باعتبار الوطن وطن الجميع والمسؤولية مشتركة، ولذلك فلا بد من اضطلاع الخطباء ومؤسسات التعليم العام والجامعي بمهمتها في هذا السياق في سبيل بناء أسرة متماسكة ووطن سعيد. إبراز القضية السكانية ويشير الدكتور أحمد يحيى الجوفي نائب رئيس الجامعة إلى دور الجامعات في نشر الوعي السكاني بقوله: نحن في جامعة إب نعمل في سبيل أداء دورنا المطلوب من أجل نشر الوعي في صفوف أبنائنا الطلبة بأبعاد المشكلة السكانية وقد قمنا مؤخراً بتنظيم أسبوع الثقافة السكانية بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان بهدف إبراز القضية السكانية ومخاطرها على مستقبل اليمن بصفة عامة ومحافظة إب بصفة خاصة كون الكثافة السكانية في محافظة إب من أعلى نسب الكثافة السكانية ليس في اليمن وحسب، بل وفي الجزيرة العربية. إن استمرار مستويات الخصوبة السائدة حالياً في اليمن سوف يكون له انعكاساته السكانية الواضحة على معدلات نمو وحجم السكان حيث توضح الإسقاطات السكانية أن استمرار مستويات الإنجاب الحالية مع قوة الدفع الذاتي للسكان سيؤدي إلى تضاعف عدد سكان اليمن تقريباً خلال الفترة 2008 2025، كما سيزداد ضعفين ونصف الضعف بحلول العام 2050 ليصل عدد سكان اليمن إلى حوالي مئة وتسعة ملايين إنسان وهو ما سيكون له انعكاساته السلبية على كافة الخدمات الاجتماعية والمستوى المعيشي لأفراد المجتمع. إن كل ذلك يعني وبما لايدع مجالاً للشك أن الوقت قد حان للعمل في سبيل التصدي والمواجهة الحقيقية للسبب الباعث لمختلف القضايا السكانية من خلال تبني حزمة متكاملة من السياسات والإجراءات والخطط اللازمة للحد من تفاقم هذه المشكلة، والحقيقة أن القيادة السياسية لم تأل جهداً في تأكيد الالتزام السياسي للتصدي للمشكلات السكانية والعمل على حلها بالتعاون مع الشركاء المعنيين وطنياً وإقليمياً ودولياً، ولا أدل على ذلك من أن التحديات والمشكلات السكانية قد أخذت حيزاً واضحاً في البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس الذي يجب علينا جميعاً العمل من أجل تحقيقه وإنجاحه لنضمن ليمننا مستقبلاً أفضل. أبعاد الثقافة السكانية ويرى الدكتور عبد السلام الفقيه أن اليمن تواجه العديد من التحديات التي تعوق عملية التنمية وتعد المشكلة السكانية إحدى أهم التحديات التي بدأت تبرز منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي وأصبحت تأثيراتها السلبية تنعكس على الجهود الجادة لدفع مسيرة التنمية المستدامة والارتقاء بنوعية الحياة ومستوى معيشة ورفاهية الإنسان اليمني، الأمر الذي يقتضي ضرورة استمرارية وتواصل العمل من أجل مواجهة المشكلة السكانية ومعالجة مختلف جوانبها، ونظراً لأهمية الثقافة السكانية في تشكيل الوعي وتهذيب القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية المشجعة لعملية الإنجاب حظيت التربية السكانية في اليمن باهتمام كبير وأصبحت تشكل إحدى الهموم الرئيسية للنظام التعليمي باعتبارها ضرورة قومية تحتمها طبيعة المشكلة السكانية وذلك بهدف رفع مستوى الوعي لدى الدارسين وتمكينهم من اكتساب المعرفة الضرورية لفهم واستيعاب أبعاد المشكلة السكانية والعوامل التي أفرزتها وإدراك المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الناجمة عنها مع توجيه هذا الفهم لتكوين قيم واتجاهات ايجابية تمكن الدارسين من اتخاذ قرارات ايجابية في تقدير حجم الأسرة المناسب لظروفهم بما يرفع من مستوى معيشتهم ويوفر لهم تحقيق حياة أفضل، والتربية السكانية هي مجموعة الجهود التربوية التي تشمل تقديم المعارف وتكوين الاتجاهات وخلق المهارات في سبيل الوصول إلى مواقف إيجابية مسؤولة في قضية العمران البشري، انطلاقاً من إدراك العلاقات المتبادلة بين النمو السكاني والتطور الاجتماعي والاقتصادي بهدف إيجاد نوعية من الحياة تليق بالإنسان على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والعالم"، أما بالنسبة لليمن فالتربية السكانية تمثل"عملية تربوية شاملة تستهدف تقديم المعارف عن طريق الظواهر السكانية وتكوين اتجاهات إيجابية نحوها تتفق والأهداف الوطنية للتنمية الشاملة لتطوير قدرات الدارسين كي يتمكنوا من تحسين ظروف حياتهم في ظل مقومات المجتمع اليمني مؤشرات مفزعة وأشار الدكتور الفقيه إلى بعض المؤشرات التي تقدم الأدلة الواضحة على حجم المشكلة السكانية حيث قال: يمكننا ملاحظة حجم التغير المتسارع في النمو السكاني إذا علمنا أن محافظة إب تتقدم كافة محافظات الجمهورية في معدل الخصوبة لدى النساء حيث تتجاوز 3.2%، وهو ما يعني خلق مناخ ضاغط على مستوى الطلب البشري على الخدمات العامة في مختلف القطاعات التعليمية والصحية والبيئية، ونتيجة لذلك فيوجد اليوم ما نسبته 44.2% من الفتيات خارج إطار التعليم الأساسي، بالإضافة إلى اقتصار أكثر من 900 شخص على طبيب واحد وفقاً لعدد الأطباء المتوافر في المحافظة، فضلاً عن انتشار ظاهرة أطفال الشوارع، والأخطر من كل ذلك أن المحافظة تعاني من ارتفاع نسبة وفيات الأمهات والأطفال حيث تبلغ 365 حالة وفاة لكل مئة ألف حالة ولادة للنساء، و75 حالة وفاة لكل مئة ألف حالة ولادة للأطفال. اهتمام مبكر أما الجهود المبذولة لمواجهة المشكلة السكانية فيوجزها الدكتور الفقيه بقوله: لقد تمثلت أولى بوادر الاهتمام بالمشكلة السكانية عقب إعادة تحقيق الوحدة عام 1990 حيث طرحت القضية السكانية كأحد أهم التحديات التي تواجه العمل التنموي لدولة الوحدة، وحظيت الجهود الهادفة لمعالجة المشكلة السكانية، والتخفيف من حدة انعكاساتها باهتمام كبير تمثل فيمايلي: 1- تشكيل المجلس الوطني للسكان عام 1992 وحددت مهمته في التخطيط والمتابعة وتقييم الخطط السكانية وبرامجها، والعمل مع الوزارات لتفعيل تنفيذها. 2- إعداد الاستراتيجيات والبرامج بهدف إيجاد التوازن بين المتطلبات السكانية ومعدلات النمو السكاني. 3- تنفيذ العديد من البرامج وتقديم الخدمات المتعلقة بالصحة الإنجابية و برامج التوعية السكانية. 4- تم في إطار البحث العلمي تأسيس مركز متخصص بالتدريب والدراسات السكانية بجامعة صنعاء وقد أسهم في دراسة الكثير من القضايا السكانية، مما كان له أكبر الأثر في توسيع قاعدة المعرفة ووضع تصور حول الأوضاع السكانية في اليمن وتأثيرها على مختلف جوانب الحياة. 5- تم عقد العديد من الندوات والمؤتمرات كان آخرها المؤتمر الوطني الرابع للسكان المنعقد في العام 2007م إعاقة الاستثمار الخاص الدكتور عيسى الحنوم عضو هيئة التدريس بكلية التجارة والعلوم الإدارية بجامعة إب تحدث عن التأثيرات الاقتصادية للمشكلة السكانية بقوله: ثمة العديد من علاقات التفاعل والتأثير المتبادل بين القضايا السكانية والتنمية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وهي العلاقات التي تبينها دراسة القضايا السكانية وأبعاد المشكلة السكانية وكذلك مفهوم التنمية.، والعلاقة بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي ذات أبعاد مختلفة حيث يمكننا ملاحظة القنوات التي تؤثر من خلالها الزيادات الكبيرة في عدد السكان على النمو الاقتصادي وهي التأثير على مدخرات الأسر ومن ثم الاستثمار الخاص، بالإضافة إلى التأثير على المدخرات الحكومية ومن ثم الاستثمارات المادية والبشرية العامة، وكذلك التأثير على إنتاجية الفرد ومن ثم النمو الاقتصادي. كما أن النمو السكاني المرتفع يترك آثاراً واضحة على الواردات والصادرات وقيمة العملة المحلية بالإضافة إلى الأثر السلبي على سوق العمل، ويزيد من حجم الضغط على الخدمات التعليمية وجودة المخرجات التعليمية وقدرتها على توفير عمل ملائم ودفع معدلات التسرب من التعليم إلى أعلى بما يهدد الجيل ومستقبله. الصحة الإنجابية ويعتبر الدكتور فيصل أبو لحوم عميد كلية طب الأسنان بجامعة إب الصحة الإنجابية واحدة من أهم وسائل معالجة المشكلة السكانية حيث قال: تأتي أهمية الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة حسب قوله من خلال الفهم الواعي لقول الله تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)، ويمكننا أن نعرف الصحة الإنجابية بأنها حالة رفاه كامل بدنياً وعقلياً في جميع الأمور المتعلقة بالجهاز التناسلي ووظائفه وعملياته وليست مجرد السلامة من المرض أو الإعاقة، أما تنظيم الأسرة فهو توعية الزوجين بمسؤولياتهما الزوجية والوالدية مادياً ومعنوياً وجعلها أوفر احتياطاً لمستقبل الأطفال والحرص على إنجاب ذرية صالحة ونسل سليم. وتنظيم الأسر يحقق العديد من المزايا الخاصة بالأسرة والمجتمع ومنها على سبيل المثال؛ الاستقرار النفسي والاجتماعي والتماسك الأسري، وتحسين نوعية حياة كافة أفراد الأسرة وتحقيق أهدافها في الحياة، تحسين صحة الأفراد والأسرة والمجتمع، إنجاب نسل صالح وسليم، الحماية من الأمراض المنقولة جنسياً، وتمكين الأفراد والأسر من ممارسة حقوقهم الإنجابية. الحياة الجيدة وتعتقد أماني محمد يحيى أبلان طالبة بكلية التجارة أن الثقافة السكانية مهمة جداً باعتبارها مجموعة الجهود التربوية التي تشمل تكوين المعارف والمهارات اللازمة للوصول إلى نوعية من الحياة الجيدة، وهذه الثقافة تمكننا من معرفة معدلات النمو السكاني، ومعدلات الخصوبة عند النساء في اليمن الأميات والمتعلمات، وغيرها من المؤشرات التي تشكل الصورة الكاملة للمشكلة وبالتالي تكوين رأي عام حول المعالجات الضرورية. تسرب الفتيات وتقول أحلام السماوي: لقد أصبح واضحاً أن النمو السكاني يؤثر في مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية فهو المسؤول الأول عن انخفاض مستوى دخول الأفراد الذي يؤثر بدوره على الادخار والاستثمار الذي يعمل على نمو الاقتصاد المحلي، كما أن ارتفاع عدد السكان يضخم نسبة التسرب من التعليم الذي بدوره يرفع من نسبة الأمية في اليمن، وبالتالي يؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة. خصوبة النساء وتقول زميلتها رشا عبد الفتاح الشميري: مما لاشك فيه أن حجم الأسرة يؤثر سلباً أو إيجاباًً في إمكانيتها فكلما انخفض معدل الإنجاب في الأسرة زاد معدل الرفاه المعيشي، وبرأيي فإن معدل الخصوبة هو أحد الأسباب المؤثرة ولذلك ليس غريباً أنه كلما زاد مستوى التعليم بين الإناث قل معدل الخصوبة، ومن الملاحظ في اليمن أن نسبة الأطفال أكبر من الشباب وهو ما يؤدي أولاً إلى قلة الشباب العامل وهو ما يبرز اتساع رقعة الفقر، وأرى ضرورة سن قانون يمنع الأسرة من إنجاب أكثر من طفلين. ضد التيار فيما ترى سارة عبد اللطيف هدوان أن تأثير الزيادة السكانية يمثل عقبة رئيسية أمام الجهود الرامية لتحسين مستوى جودة الخدمات التعليمية والصحية، بالإضافة إلى أنها تدفع باتجاه تضييق مجالات وفرص العمل وبالتالي انتشار البطالة في المجتمع، ولذلك يجب العمل على نشر الوعي في أوساط النساء من أجل تنظيم الأسرة، بالترافق مع بذل المزيد من الجهود لخفض البطالة من خلال تبني العديد من المشروعات الإستراتيجية الكبيرة التي تمتص أكبر قدر من الأيدي العاملة المهدرة.