لم تحظ من المدن اليمنية التاريخية كما حظيت المدن: صنعاء، وزبيد وتريم وصعدة وشبام في كتب التاريخ وفي الدراسات الأكاديمية الحديثة للمدن اليمنية القديمة التي لعبت دور الاستيطان الحضري. وتعد زبيد احدى المدن العلمية والاقتصادية، فهي بحق رائدة في نشر العلم.. وفي تقديم أنواع الخدمات إبان العصر الإسلامي الزاهر، وكان تعليم العلم وتحفيظ القرآن وتجويده والتفقه وعلوم الدين وعلوم الدنيا كانت أيامها خدمة حيوية من بين الخدمات الأساسية. احتوت زبيد في تاريخها العلمي العلماء المبرزين واستقطاب طلاب العلم الذين كانوا يشدون الرحال إليها من بعيد حتى ورد في أغنية«جل من نفس الصباح»: وأنت ياطاوي البطاح ومسافرإلى زبيد. صحيح أنها أي «زبيد» قدمت الخدمات مثل التجارة والانتاج السلعي، والحرفي لمن يقدم إليها من المستوطنات الريفية من حولها ولكن الصحيح فعلاً هو أن خير ماقدمته واستحقت بموجبه الشهرة، هو«العلم» وخير مااجتمع فيها هو مجلس العلماء في المساجد والمدارس العلمية. بيئة سياحية من الدرجة الأولى تعددت المراجع التاريخية عن مدينة زبيد من أول عهدها حتى آخر الدراسات الهندسية التي قام بها مكتب الهيئة العامة للمدن التاريخية فعندما زرنا زبيد للمرة الثالثة أثناء المسح السياحي لاختيار المواقع المناسبة لإقامة فندق أو مجمعات سياحية كنا قد اطلعنا على 63مرجعاً عربياً واجنبياً بلغات عالمية متعددة لازال تترجم منهاإلى العربية حتى نعود إليها وإلى سبر أغوار تاريخ هذه المدينة الرائدة في نشر العلم ولتصبح مدينة سياحية لتقديم كل أنواع الخدمات السياحية. وتاريخياً كانت المدينة في العصور التاريخية القديمة عبارة عن مستوطنات سكنية لبعض القبائل أهمها: قبيلة الأشاعر، بدأت اعتمادها على الرعي ثم الزراعة. ولقد ساعد وجود وادي زبيد بمحاذاة المدينة على وفرة المياه التي تعتبر من العوامل اللازمة لأي تجمع سكاني.. هذا ولم تكن مياه الوادي السيول هي المورد الوحيد بل كان هناك الكثير من العيون تسيل منها المياه العذبة لتلبي حاجة الانسان بالاضافة إلى الآبار المنتشرة في كافة أنحاء زبيد وضواحيها. زبيد في لمحة جغرافية سريعة كانت مدينة زبيد تسمى بالحصيب، نسبة إلى الحصيب بن عبد شمس ولكن اغلب عليها الاسم الجديد في وادي زبيد. الموقع: تقع مدينة زبيد القديمة والحديثة التي ابتنيت حواليها وسط سهل تهامة مما جعل هذه المدينة التاريخية همزة وصل بينها وبين المدن التهامية من جهة وبين المدن اليمنية الأخرى من جهة ثانية، وهي بين واديين هما وادي زبيد من الجنوب ووادي رماع من الشمال.. زبيد القديمة تقع على مرتفع متوسط للوادي مما جعلها طيبة الهواء منخفضة الرطوبة. تبعد عن السفوح الجبلية ب52كم وعن البحر 52كم أيضاً ودرجة الحرارة بها تتراوح بين 0333درجة صيفاً. التسمية: قال أحد المحدثين عن شيخ كبير تجاوز عمره المائة قال: إني كنت أرعى عند مسجد الأشاعر وبها حينئذ أيكة من شجر وغدير ماء نمير، وقد سمعنا أن ابن زياد لما تعدى مكة صار كل منزل ينزله يأخذ تراب أرض ذلك المكان ويشمه ويبني داراً صغيراً في تلك القرية ولازال على حاله إلى أن قدم أرض الحصيب فأخذ من أرضه كف تراب فشمه وقال لأهل الدولة: أقيمو بناها هنا.. قالوا: ولم؟ قال: لأن هذه الأرض أرض نزيهة زبدة هذه البلاد.. قالوا: وبم صح عندك ذلك؟.. قال: لأنها طيبة بين وواديين خصيبين فلما بدأ السكن بنى مدينة زبيد وقال إنها زبدة تهامة.. حتى أن الوادي التي تقع المساكن الأولى فيه يسمى «زبيد» ولهذا بقيت التسمية طوال التاريخ. في الأوصاف وصف زبيد عدد من الباحثين الواصفين بأحب وأجمل الأوصاف بدءاً من ابن المجاور وابن الديبع وابن بطوطة والحضرمي بأنها شاهد حضاري ومركز علم حتى قيل «سنطوي البيد حتى نصل إلى زبيد» فابن الديبع وصفها «بأنهابلد العلم والعلماء والفقه والفقهاء والدين والصلاح والخير والفلاح». أما ابن بطوطة فوصف جمال نساء زبيد ورقة الكلام وشفافية الأخلاق.. أما البعثة الأثرية الكندية برئاسة الدكتور«ادوارد كيل» 28914891م وصفت بأنها بحاجة إلى مسحها وسبر اغوارها.. وقد عثرت البعثة على وجود أدلة تؤيد ماذهب إليه المؤرخون مثل ابن الديبع«بأنها كانت في الأصل عبارة عن عدد من القرى السكنية لقبيلة«الأشاعرة» وقد ساعد وجود الوادي على وفرة المياه التي أنبتت كل زرع مفيد وزهور عابقة ونخيل باسقة. بداية الإشراق على عهد الاسلام بداية إشراقه بنور الله وهدايته شكل أهل زبيد وفداً اتجه إلى المدينةالمنورة وتشرف بالمثول أمام رسول الله«صلى الله عليه وسلم» وأعلنوا دخولهم في دين الله «ولما رق لهم قلب الرسول الكريم وقدرهم فأكرم وفادتهم واعتز بهم وقال: «جاءكم من أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوباً». فأخذت زبيد وهي موطن عزيز من مواطن الاستيطان الحضري في اليمن تزدهر وتزدهر حتى حملت عى عاتقها مسئوليات كثيرة وتولت أداء الدور الرائد في خدمة العلم والتعليم.. والفقه والفقهاء والمحدثين. بدأت المدينة تتشكل بعمرانها ومساجدها ومدارسها في السنة الثامنة للهجرة إلى أن اختط المدينة بشكلها الدائري محمد بن زياد مؤسس الدولة الزيادية الأولى9188101م واتخذها عاصمة. وقد ظلت مدينة زبيد على امتداد فترات التاريخ الاسلامي وتعاقب حكم الدول الاسلامية فيها مركزاً للعلم والإشعاع الحضاري على مستوى العالم الاسلامي. وليس أدل على أهميتها العلمية والدينية خلال العصر الاسلامي أكثر من وجود 632منشأة دينية بها ما بين جامع ومدرسة ومسجد. وانعكس ذلك على جميع جوانب النهوض الحضاري في مجال الفنون والعمارة والتصنيع والتجارة والزراعة والحصون والقلاع والأسوار وغير ذلك. لهذا كان اختيار مدينة زبيد من قبل اليونسكو أن تضم إلى قائمة التراث العالمي لما احتوت من روائع الفنون المعمارية في شتى المجالات مع تعاقب حكم الدول عليها.. حيث أضافت كل دولة مالديها من فنون على المنشآت الدينية والعقائدية وأهم ذلك الدول المتعاقبة على مدينة زبيد باتخاذها عاصمة للحكم. الدول المتعاقبة على الحكم في زبيد كعاصمة لها الدولة الزيادية الدولة النجاحية الدولة المهدية الدولة الصليحية الدول الايوبية الدولة الرسولية الدولة الطاهرية خلال فترات الحكومات المتعاقبة. أقامت الأسوار الحصينة من حول مواطن السكن والعمران فيهاوالجوامع التي كانت تعقد فيها مجالس الدراسات والعلوم. وكانت للمدينة أربعة أبواب للسور الذي كان يؤمن الاستيطان الحضري تشهد الدخول والخروج، وعين الحراسة لاتغفل. ويذكر المؤرخون عن زبيد«أنها كانت مدينة عز وخير.. كثيرة البساتين وبها عين ماء جارية غزيرة العطاء تسقي وتشبع الناس وتروي البساتين وأشجارها المثمرة وأزهارها العابقة والتي لايزال منها الكاذي والفل والحنون يسوق للمدائن اليمنية الأخرى. زبيد في قائمة التراث العالمي!! مهما توالت من دعايات عن زبيد أنها ستسقط من قائمة التراث العالمي إلا أنها ستبقى شامخة مهما تلقى المسئولون في اليونسكو من تدهور المدينة فإن «زبيد» تاريخياً وحضارياً لاتزال تقف شامخة وهي تتحدث عن العظمة والعز والجاه والتاريخ العريق ويشعر الزائر وهو يتجول في أنحاء زبيد وأزقتها ويشاهد مساجدها بقبابها ومنابرها أنه يتذوق عصراً من عصور الاسلام الأولى. كما سبر اغوارها العالم الأثري الدكتور عبدالحليم نورالدين الذي قال: «يحق لأهل زبيد أن يفخروا وهم أهل تحضر واستيعاب لمتغيرات العصور الحضارية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية على طابع العمارة الاسلامي في المنشآت الخاصة والعامة، ويميز هذا الطابع الفريد والمتفرد عن بقية المدن ومناطق الاستيطان الحضري الأخرى. المعالم الاسلامية تضم زبيد - وهي حريصة على الإيمان والطابع الاسلامي - أكثر من 07مسجداً ومدرسة اسلامية ولايزال معظمها في اطار العناية وعينها التي لاتغفل في حالة جيدة من الناحية المعمارية وتتمثل هذه المساجد على الاطلاق في جامع الأشاعر ولقد لعب جامع الأشاعر دوراً بارزاً في العلم وفي اثراء الحياة التعليمية في زبيد وتقديم هذه الخدمة لكل طالب علم وكان يضم العديد من المعلمين والطلاب وكان شغلهم الشاغل طلب العلم يبدأون اليوم الدراسي من بعد صلاة الفجر ويواصلون الدرس والتحصيل في مجالس العلم والعلماء إلى مابعد صلاة العشاء. والجامع الكبير يأتي بالشهرة والصيت بعد جامع الأشاعر وهو الجامع الرئيسي في زبيد مشهود البنيان حتى الآن كتحفة معمارية فريدة تتحدث عن الفن الاسلامي وتتزين جدرانه بالكتابات والنقوش الجميلة ويشهد هو أيضاً مجالس العلماء وهكذا كانت المدارس الاسلامية في زبيدة كثيرة.. ونذكر من هذه المدارس على سبيل المثال المدارس الصالحية التي تأسست في سنة 737ه. هذا ومهما أصاب هذه المدينة التاريخية من أضرار وكوارث طبيعية وبشرية إلا أن زبيد ستظل في موقعها الفريد من أهم المدن السياحية. زبيد في صناعاتها التقليدية والحرفية كانت زبيد إلى منتصف أربعينيات القرن العشرين تضم عشرات المشاغل، والمصانع الخاصة بالحياكة والتطريز فهي من أوائل المدن الحرفية التي انتجت المصانف التهامية بأنواعها المختلة والمعاوز السميكة ومن انتاجها الحرفي الشهير المهاجين والربعات وجوان البخور ونماذج من الأدوات الفخارية وإن كانت الآن لم تعد لها ريادة في الحياكة والتطريز والحرفيات الأخرى عدا وجود أنواع متعددة من الفضيات التي تضاهي فضيات المدن اليمنية الأخرى.. وتجرى الآن فيها حصر كل أشكال وأنواع الفضيات وبقية التحف والحرف الزبيدية التي لايزال وجودها في أسواقها القديمة. كلمة أخيرة ماأحوج زبيد اليوم وهي تتوه بالماضي أن تجد العناية بعدما تعرضت للإهمال فإذا ماشملتها الحملة الدولية والوطنية كما شملت الحملة من قبل صنعاء فستكون لها عناية يؤمها الزوار والسائحون من كل مكان.