الفكرة مقتبسة من قصة سفينة التايتنك وغرقها الأسطوري في المحيط وأوجه التشابه بين الموت والانتظار عديدة لا يسعنا هنا المقارنة بينهما حتى لا نتوه ونخرج عن المسرحية. - ركاب سفينة التايتنك غرقوا وركاب مسرحية الكاتب البلغاري يوبيتشيوف. ينتظرون... فما ركبوا ولا وصل القطار ولا هما وصلوا.. وربما ماتوا أيضا قبل أن يصلوا وبقيت لنا منهم حقائب السفر التي حملوها. - الوهم بالتغلب على المشيئة الإلهية بالسفينة والوهم بان هناك قطارا قادما سيقلهم بالمسرحية... إذن ليس هناك حقيقة مطلقة فكل شيء نسبي فقد تكون هناك سفينة وقد لا تكون وقد يكون هناك قطار وقد لا يكون وهذه هي الدنيا مجرد سفينة نحن جميعا مسافرون عليها أو على خشبة أو محطة ونحن جميعا المنتظرون عليها لنسافر منها بلا رجعة مرة أخرى إليها. فلماذا لا نتآخى؟لماذا لا يسود الحب والسلام والوئام بيننا طالما ونحن في محطة واحدة وسفينة واحدة إن غرقت سنغرق كلنا ؟وهنا يستحضرني مقطع لمسرحية أعددتها عن رؤية للكاتب العربي السعودي عبدرحمان منيف اسمها (قصة حب مجوسية) يقول بطلها: ((المحطة هي المكان الوحيد الثابت تستقبل الآلاف كل يوم وتودع الآلاف كل يوم فسيري أيتها القطارات في كل الاتجاهات احملي البشر بأحزانهم وبأفراحهم احملي كل شي.. فما اشد بؤس القلب إذا تحولت الأشياء الخارقة والناعمة والحساسة إلى كلمات مميتة تقف بالحلق مثل شوكة سمك عتيقة...اقتلوا الكراهية والحقد والخيبة أيها الناس بالحب والكتب والتأملات..ولستُ طالبا منكم الإشفاق فانا احتقر هذه العاطفة الذليلة...غير انني اطلب فقط أن تشفقوا بأنفسكم )) وهذا ما يطلبه منا أيضا الكاتب البلغاري يوبيتشيوف الشفقة بأنفسنا فهذه الدنيا ، أو محطة انتظارنا لا تحتمل البغضاء ولا الكراهية أو العدواة بيننا. (بنية العرض) اتخذ المخرج محمد نور من الخلفية السوداء تعبيراً اصدق لمعاناة ركاب المحطة وكانت هذه الخلفية من ثلاثة مداخل تتخلل هذه المداخل فتحة لجهاز المراقبة فيدلف إلى هذه المحطة مجموعة مسافرون من جنسيات مختلفة فيمر القطار الأول والثاني _في ذهنيتهم فقط_ تمر هذه القطارات ولم تتوقف لهم فيحاولون قتل فراغهم بأحاديث جانبية بينهم وبين عامل المحطة الممثل القطري (سيار الكواري)الذي اتخذ منه المخرج أداه للتواصل بين الجنسيات المختلفة وكدلالة على إن دولة قطر فاعلة ومؤثرة في حضورها على الصعيد الثقافي العربي والعالمي.وهذه الحقيقة لا يمكن أن ينكرها احد فلقطر دور محوري واستراتيجي بذلك . .وفي مجمل أحداث العمل لم يعتمد المخرج اعتماداً كلياً على لغة النص الألسنية من حيث تعدد اللغات واللهجات بل كانت له لغته العلامية ألداله على صعيد المؤثرات الموسيقية والسينوغرافيا المكانية والملابس واتخذ من الموسيقى لغة الحوار المحورية للحوار بين الأجناس والثقافات والديانات المختلفة فتوأمة سيمفونية بتهوفن بإيقاع الموروث الشعبي اليمني والخليجي الراقص وتناغمت مع أعذب الألحان الموسيقيه العربية (المصرية) فطربت وحركت مشاعر كل الجنسيات والثقافات وكأنه يريد أن يقول إن حوار الحضارات يجب أن نبدأه من خلال الموسيقى التي تتلاشى معها حواجز اللغة وخصوصيات الثقافات وتتغلغل في المشاعر الإنسانية للبشرية جمعاً. وبالرغم من اعتماده الواضح على الموسيقى إلا انه أيضا لم يغفل باب الإشارات والعلامات الايقونية الثابتة والمتحركة على الخشبة فالحذاء الذي أولاها احد الممثلين اهتمامه البالغ لم يكن من فراق وإنما لكونها في وقت قريب وجهة ضربه أخلاقية غير مسبوقة لقوى الشر والظلام الذين يحاولون قتل الإنسانية(حذاء الزيدي). الملابس السوداء ووجه الممثلة رادميلا الأسود والأبيض الذي يحمل دلالتين يمكن إن يكونا بلدان الشمال البائسة وبلدان الجنوب الغنية...البلاهة والحزن والضياع في أداء الممثل بايروش مجاكو للترغيب والمكر في أداء الممثل محمد باخ كل هذا لم يكن عفوياً بقدر ما هو مقصود وله دلالته الثقافية على صعيد الشخوص والبلدان والقوميات والأمم. وإذا كنا قد مررنا على بعض مفاهيم العمل بشخوصه وعلامته ومحاور ارتكازاته إلا أن هناك محوراً وهو الأهم بالعرض يمثله الفنان المبدع الرائع سالم الجحوشي الذي جمع في دوره بين مفهومين،هما المفهوم العام والمفهوم الخاص فكان على مستوى المفهوم العام روحاً في تطلعاته للمستقبل الواعد بالحرية والسلام المتسامح الحالم المحلق في مطلق الخيال الرافض للعنف والحقد والكراهية وحياة الظلام. أما على مستوى المفهوم الخاص فهو ساحر اليمن الساحر الباحث عن الكيف الغير مبال في شيء.. المدرك من أن الحياة هذه لا تعني شيئاً وحتى هذا الخنجر المغروس في أحشائه فهو مجرد لعبة يلعبها من اجل تحقيق شيء.خلق وجوده الأسطوري على حساب وجود الآخرين في المحطة بينما هو لا شيء عالمه فريد من نوعه وساحر بمعنى الكلمة وكأنه صورة عاكسة لحالة وواقع اليمن اليوم. أبدع في أدائه على الخشبة وأمتع الجمهور وحرك الخمول في الأجواء العامة للمسرحية فاندمجنا معه وعايشناه لحظة بلحظة وحركة حركة وأمتعنا بحضوره الرائع على الخشبة... انه عملاق من عمالقة الفن التمثيلي على مستوى الخليج والجزيرة العربية ويحق لنا وكمسرحيين يمنيين أن نفخر بهذا العلم البارز الأستاذ القدير سالم الجحوشي والى العالمية إن شاء الله. تحية لكل لفرقة قطر المسرحية على هذا العمل الرائع وتحية خاصة لرئيس مجلس إداراتها الأستاذ حمد عبدالله عبدالرضا ولكل طاقم العمل ممثلين وفنيين وادريين وتحية للمخرج الفنان والفيلسوف الأستاذ محمد نور نونجار وأتمنى لكم إقامة ممتعه في بلدكم اليمن. ناقد ومؤلف مسرحي