تجلَّى الاغتراب قاسياً ومريراً في مسرحية (أوركسترا تايتنك)، التي قدمتها أمس على خشبة المركز الثقافي في صنعاء فرقة قطر المسرحية. وركزت المسرحية، التي حضرها وزير الثقافة الدكتور محمد أبوبكر المفلحي، والسفير القطري جاسم بن عبدالعزيز البوعينين، على الهجرة والغربة الذي يحلم بها ويسعى إليها الكثير بوصفها طوق النجاة وملاذ تحقيق الأحلام.. لكن هذه الأحلام تبدو زائفة وفقاً للمسرحية، أو ربما لا تستحق عناء الهجرة والاغتراب. وكشفت المسرحية، التي نظمتها وزارة الثقافة ممثلة بصندوق التراث والتنمية الثقافية، عن الخطأ الكبير الذي تنطوي عليه كثير من طموحاتنا وأحلامنا التي نسميها وردية، ونرنوا من خلالها إلى السفر بحثاً عن غربة نستجدي فيها ما نعتقد أنه الراحة والسعادة، وهي كلها نتائج لن تتحقق في الغالب لأن الغربة ليست المنقذ غالباً. من خلال المشاهد، التي جسدتها أدوار فنانين من دول عربية وإسلامية ومنها اليمن، كشفت المسرحية عن حقيقة حلم الإنسان في الهجرة والسفر والاغتراب، ودعت إلى عدم تصديق هذا الحلم الذي دائماً ما يكون وهماً زائفاً سرعان ما يتبدد. وأوضح رئيس فرقة قطر المسرحية حمد عبدالله عبد الرضا، لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) أن عرض مسرحية (أوركسترا تايتنك) لمؤلفها البلغاري يوبيتشيوف ومخرجها التركي محمد نور الله، بمشاركة عدد من الممثلين من قطر والبوسنة ومقدونياواليمن وغيرهم، تأتي في سياق برنامج عمل الفرقة وبهدف إكساب أعضائها خبرة أكثر بالعمل المسرحي. وأشار رئيس الفرقة إلى أن المسرحية تجربة جديدة على المستوى المسرحي العالمي، وهي قصة إنسانية تتحدث عن مراحل حياة الإنسان.. وتأتي (تايتنك) كدعوة للحب والسلام والتآخي بين البشر مهما اختلفت اللغات والأجناس، ففيها التقى القطريواليمني والبوسني والمقدوني والتركي والبلغاري، وتقدم بعدة لغات فكراً وعشقاً واحداً للإنسان والإنسانية. وعن عرضها في اليمن لفت عبد الرضا إلى أن عرض المسرحية يأتي تأكيداً لأواصر التعاون الاخوي بين المسرحين القطريينواليمنيين على صعيد تبادل الزيارات والعروض الهادفة لما للمسرح من دور في تطوير العملية الثقافية بأشكالها المتعددة.. وأضاف: كذلك استجابة لدعوة وزير الثقافة الدكتور محمد أبوبكر المفلحي، الذي أبدى رغبته في استضافة مسرحية (تايتنك) خلال عرضها العام الماضي في دولة قطر، وذلك لما وصلت إليه هذه المسرحية من نجاح باهر نتيجة للدعم اللامحدود للثقافة والمسرح بقطر في عهد صاحب السمو الأمير حمد بن خليفة آل ثاني، وولي عهده الأمين.. من جانبه أشار الممثل اليمني الوحيد في المسرحية سالم الجحوشي إلى أن كلمة (تيتانك) عُرفت بالسفر والإبحار والهجرة، وكذلك أصبحت دلالة أيضاً للموت.. و(أوركسترا) لفظة أغريقية تطلق على الدائرة أسفل المسرح، كان يقعد عليها العازفون، وهي أيضاً ذات دلالة على دوران الحياة.. وقال: لهذا رغبنا في عرض هذه المسرحية في اليمن.. ونحن نريد من خلالها أن نقول لليمنيين الذين اشتهروا بالهجرة والاغتراب: لا يوجد داعٍ للهجرة، فالهجرة دائماً نهايتها موحشة. القطار والسفر مخرج المسرحية محمد نور نوجار أشار في تصريح مماثل ل(سبأ) إلى أن المحور الرئيس في المسرحية هو (القطار) الذي ينقل ( لمسافر) من الحياة العادية إلى الحياة التي يرى الناس فيها العيش الأفضل في أي مكان آخر. ويقول المخرج التركي: الدنيا خشبة مسرح، وفي هذه الخشبة يسافر الإنسان إلى أي بلد يشاء، بلا قيود وبلا حدود، وفي أثناء الحياة نسافر ونرى كل شيء.. نسافر لا نعرف مع من؟ ولا كيف؟ ولا بأي وسيلة سنذهب؟ وفي أثناء السفر نرى الجديد، ونعرفه، ثم نعود من حيث جئنا.. ولكن هناك سفراً لا نعود منه.. إنه الموت.. ولفت إلى أن التقنيات الحديثة المستخدمة في المسرحية سواء على مستوى الإضاءة أم الموسيقى والديكور أو السنوجرافيك، وكل هذه الأمور جديدة، لأنه مسرح حديث وجديد. كما أشار إلى أنه لأول مرة يشارك في عمل مسرحي مشترك، يضم أكثر من جنسية، عبر فرقة قطر المسرحية، وهي تجربة جديدة في المسرح الحديث والمتقدم، لأنها بتنوع الممثلين ستعطي فكرة جديدة ونمطاً جديداً للمسرح.. وقال: أقترح على ممثلي العالم أن يجتمعوا ويقدموا أعمالاً مسرحية مشتركة. وعُرضت المسرحية في أكثر من ست دول عربية وإسلامية، حيث كان عرضها الأول في مهرجان الدوحة الثقافي السادس 2007، ومن ثم في مهرجان الدراما السادس بجمهورية البوسنة، ومهرجان (أوهريد) الصيفي للمسرح في جمهورية مقدونيا العام الماضي، وكذا مهرجان المسرح التجريبي التاسع عشر في القاهرة.. إضافة إلى عرضها مطلع العام الحالي في العاصمة البوسنية سراييفو، ومؤخراً في مهرجان مردوموف لمدينة (شومن) بجمهورية بلغاريا.