حالة الفجوة التكنولوجية المتناهية الاتساع في خارطة الصناعة اليمنية المحدودة أصلاً ، ترسم ملامح مستقبل أكثر تخلفاً عن الركب..فيما خطوات الانطلاقة الأولى ما تزال رهينة طموحات عقيمة.. ويعكس شبه الغياب الكامل لمشاريع صناعة التجميع في اليمن حالة الافتقار لأسس امتلاك بنية صناعية ، رغم البداية المبكرة نسبيا لدخولها الخارطة الصناعية لليمن منذ 20 عاماً والتي تمثلت بإقامة أول مشروع في هذا المجال لتجميع مضخات مياه الآبار بمحافظة الحديدة والتابع للقطاع الخاص. إلا أنه ومنذ تدشين المشروع في ثمانينيات القرن الماضي لم تشهد المدة الزمنية الواقعة خلالها وحتى اليوم إقامة أي مشروع للتجميع باستثناء مشروع آخر في نفس المجال تم تدشينه قبل عامين.. وتحتل صناعة التجميع بحسب الخبراء والمختصين في المجال الاقتصادي ، أهمية كبيرة من خلال استقطابها للتكنولوجيا من الدول المتقدمة والتي تعد لبنة أولى باتجاه التصنيع الكامل ،وتوسيع القاعدة الصناعية في مختلف البلدان والتي تعد دول جنوب شرق آسيا وفي مقدمتها ماليزيا ، سنغافوره ، كوريا الجنوبية ، تايوان ودول عربية في مقدمتها مصر ، الجزائر ، الأردن أمثلة ناجحة على ذلك. يشير أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء الدكتور علي قائد ، إلى أن صناعة التجميع بداية أساسية لأي بلد يرغب في اقتحام مجال الصناعة المتنوعة وتنويع قاعدته الصناعية والتي من شأنها لعب دور كبير في الحد من البطالة وتوفير منتجات بأسعار تقل عن قيمة مثيلاتها المستوردة.. وعن أسباب غيابها عن غيابها في اليمن ،قال:" المشكلة تكمن في أن القطاع الخاص ما يزال ضعيفاً وحديث التكوين وهيكل استثماراته غير متنوعة ويبحث عن الربح السريع ." وأضاف ": تجربة رجال الأعمال في اليمن محدودة ولا يمتلك استراتيجية واضحة المعالم تحدد له كيفية اتخاذ القرارات الاستثمارية ..كما أن مخاوفه اكبر فهو يخاف الخوض في عملية التصنيع بصفة عامة وهو ما ساعد في تولد قناعة لدى الكثير منهم بمخاطر وصعوبة الاستثمار في اليمن". بيد أن الكثير من رجال الأعمال في اليمن يرون أن المناخ الاستثماري ما يزال تخيم عليه حالة من الضبابية وعدم الوضوح في الكثير من الجوانب التشريعية والقضائية ، لكن نجاح تجربة الكثير من المشاريع وفي مقدمتها مشروعاً تجميع مضخات المياه بحسب مالكيها يثير التساؤلات عن حقيقة المزاعم التي يرددها الكثير من رجال الأعمال حول صعوبة الاستثمار في اليمن.. إلا أن قلة من رجال الأعمال لهم رأي آخر لا يخلو من التحفظات في جوانب معينة.. حيث يعتبر مدير عام مجموعة السنيدار التجارية عبدالله السنيدار أن الحوافز والتسهيلات الاستثمارية التي يقدمها قانون الاستثمار اليمني تعد الأفضل على مستوى المنطقة..مشيرا إلى أن ما يردده الكثير من رجال الاعمال عن صعوبة البيئة الاستثمارية في اليمن فيها نوع من المبالغة الغير موضوعية. وأضاف :" نحن في مجموعة السنيدار ومن خلال عملنا في مجال استيراد الآلات والمعدات الزراعية ، اتجهنا لإقامة مشروع لتجميع وتصنيع مضخات المياه الجوفية محليا وقد بدأنا في الانتاج منذ عامين وحققنا نجاحاً مبهراً حتى الآن". وقال :" واجهنا بعض الصعوبات لكننا تغلبنا عليها وخاصة ما يتعلق بتوفر البنية التحتيهة..لكننا تغلبنا على تلك المعوقات و ينتج المصنع حاليا ما بين 2000 3000 آلاف مضخة في العام..وخلال الفترة القليلة القادمة ستصل نسبة التصنيع المحلي للمضخات إلى 100 بالمئة مقارنة بنحو 60 بالمائة حالياً.. ويرى السنيدار أن إقامة مثل هذه المشاريع تحتاج إلى معرفة ودراسة اقتصادية متكاملة ورأس مال وجرأة وبدون ذلك لن تنجح.. وفي اعتقاده أن عزوف الكثير عن الاستثمار المباشر في اليمن نابع عن تخوفات غير موضوعية كون هناك الكثير من المشاريع تم تنفيذها وحققت نجاحات كبيرة لكنه لا يخفي أن عدم استكمال البنية التحتية تعيق قيام مثل هذه الصناعة.. مشيرا إلى أنه من الصعب على المستثمر إذا ما أراد أن ينشئ مصنعاً أن يعتمد على ذاته سواء في مد خطوط الكهرباء او الهاتف او المياه أو الإسفلت إلى موقع المصنع لأن ذلك يكلف المستثمر الكثير من المال ، في وقت ما تزال المناطق الصناعية في اليمن مجرد مسميات لمناطق صناعية على الورق. وأضاف :" بالمقابل لا بد من توفر قاعدة معلومات تتعلق بالفرص الاستثمارية لكي تساعد رجال الأعمال على اتخاذ قراره الاستثماري". بالاضافة إلى ما تحققه إقامة هذه المشاريع من فوائد كبيرة للاقتصاد الوطني فإن تجمعيها في اليمن يجعل من أسعارها اكثر تنافسية في ظل قوة شرائية ضعيفة للمستهلك اليمني.. يوضح السنيدار أن تجربتهم في تجميع المضخات ساعدتهم على تقديمها بأسعار تقل 20 بالمائة عن قيمة المضخات المستوردة. ورغم أن عدد سكان اليمن الكبير والذي يربو عن 22 مليون نسمة والذي يمثل سوقاً استهلاكية مشجعة لإقامة مشاريع انتاجية في مختلف المجالات، إلا أن الصناعات الوطنية ما تزال محدودة للغاية وتقتصر على سلع معينة مثل المشروبات والمنظفات والسجائر والبلاستيك.. والسبب في رأي الدكتور قائد ، أن القطاع الخاص المحلي غير مؤهل التأهيل الكامل لدخول ميدان الصناعات الرفيعة لانه يبحث عن الربح السريع. وأضاف:" القطاع الخاص في اليمن ينظر إلى تحت قدميه ولا يمتلك رؤية مستقبلية وخططاً وتصاميم للمنتجات او مسايرة ما ينتج عالميا والالتزام بالحد الأدنى من مواصفات السلع.. وهو ما جعل أيضا تواجد السلع الغذائية المحلية في السوق محدوداً. وقال :"ما تزال ثقافة القطاع الخاص تقليدية ولا يريد ان يبذل جهداً في اجراء الدراسات والخطط والتصاميم الحديثة فهو يريد الربح السريع فقط".. وشهدت العشر السنوات الماضية توجهات لإقامة مشاريع لصناعة التجميع إلا أن تلك المساعي لم تتوج بالنجاح لأسباب غير معروفة وفي مقدمتها مشروع شركة المستقبل لتصنيع أجهزة الحاسوب (الكمبيوتر)..فضلا عن مشروع مشترك بين الاتحاد التعاوني الزراعي وشركة "روس" الروسية المتخصصة في تصنيع الحراثات الزراعية لإنشاء مصنع في اليمن لتجميع الحراثات.. غير أن عدم تنفيذ مشروع تجميع الحراثات مع الشركاء الروس بحسب مصادر في الاتحاد راجع إلى عدم قدرة الاتحاد على تنفيذ دراسة الجدوى للأسواق المجاورة لليمن وفي مقدمتها أسواق دول القرن الافريقي إدراكا من الشركة الروسية لضرورة وجود أسواق لتصريف الحراثات..فضلاً عن تغطية السوق اليمنية.. وبصفة عامة يرى المختصون في الهيئة العامة للاستثمار أن محدودية صناعة التجميع في اليمن ساهم في تعزيزها قانون الاستثمار السابق الذي ظل معمولاً به لفترة طويلة، كونه اعتمد كلياً على تخفيض ضرائب الأرباح ولم يتطرق إلى موضوع اعطاء إعفاءات لمستلزمات الإنتاج( المستلزمات الوسيطة) التي تقوم عليها صناعة التجميع إلا في وقت متأخر وبالتحديد في التعديل الذي تم عام 1992م. ويحدد القانون الجديد نسبة جمارك قدرها 15 بالمائة على مدخلات الإنتاج (المواد التي يتم استيرادها والداخلة صناعة التجميع) وهو ما يثير التساؤل عن كيفية قيام مثل هذه الصناعة في وقت لا يفرض سوى 5 بالمائة جمارك فقط على المعدات الزراعية المستوردة. وفي مايتسم عمل القطاع الخاص في اليمن بالانفرادية (الأحادية) فإن إقامة مشاريع للتجميع أمر يبدو صعباً ، لأن إقامة مثل هذه المشاريع تحتاج لرؤوس أموال كبيرة لا تتوفر إلا من خلال إقامة شركات مساهمة بقدرات مالية قادرة على تمويل مثل هذه المشاريع الصناعية.. كما أن تشجيع الاستثمار في مجال الصناعة يتطلب من الحكومة بذل المزيد من الجهود لتهيئة الأجواء الاستثمارية خاصة فيما يتعلق بتطبيق نصوص قانون الاستثمار بحذافيرها كون المشكلة في رأي الكثيرين سواء في الجانب الحكومي او القطاع الخاص لا تكمن في القانون بل في تطبيقه.. وتزداد حاجة اليمن أكثر لتوسيع قاعدتها الصناعية لتوفير فرص عمل في بلد تتراوح نسبة البطالة فيه بين 35 45 بالمائة بين القوى القادرة على العمل. والأسوأ من ذلك ، اعتماد الاقتصاد اليمني على مورد النفط بشكل كبير لتمويل ميزانية الدولة بنسبة تزيد عن 75 بالمائة واستحواذ الصادرات النفطية على حصة الأسد في ميزان الصادرات اليمنية بنسبة تفوق ال92 بالمائة..في وقت لا تزيد مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي عن 6 بالمائة فقط. وتشير الكثير من القراءات لمؤشرات الصناعة اليمنية إلى أنها ما تزال في واقعها تتسم بالطابع الاستهلاكي الخفيف ، حيث يستهلك اليمن من السلع الخارجية الجاهزة ما يقارب نسبته 89 بالمائة كسلع جاهزة. فيما تشكل المدخلات الأجنبية الداخلة في الصناعة المحلية ما يقارب 90 بالمائة يقابلها صغر حجم الصناعات التحويلية اليمنية ، وتتسم الصناعات الثقيلة والرأسمالية بمحدودية الملكية والإنتاجية وما زالت لاتغطي 60 بالمائة من حاجة السوق وخاصة في قطاع الاسمنت و70 بالمائة في قطاع النفط اما قطاع المنسوجات فما زال ضعيفاً وذا منتجات محدودة الجودة والإنتاج.. وتشير الكثير من الدراسات الاقتصادية إلى أن الموقع الجغرافي المتميز لليمن يجعل قيام مثل هذه الصناعة في اليمن ناجحاً جدا للجدوى الاقتصادية الكبيرة وخاصة إذا ما تم اقامتها في المنطقة الحرة بمحافظة عدن الأمر الذي سيمكن بالإضافة إلى تغطية احتياجات السوق المحلية إعادة تصدير الفائض إلى دول الجوار وخاصة دول القرن الافريقي كما أن اتفاقية التجارة العربية الكبرى واتفاقية صنعاء للدول الثلاث السودان واثيوبيا واليمن والتسهيلات الأوربية للصادرات اليمنية كلها تساعد على توسيع رقعة السوق والنفاذ الى أسواق كبيرة مما يساعد على تحقيق قاعدة صناعية ذات عوائد اقتصادية كبيرة.