تشكل الثقافة مجمل النشاط الإبداعي للإنسان في مختلف مجالات الآداب والفنون والعلوم والفكر وأساليب التعامل الرفيع بين البشر، وبحكم امتلاك محافظة اللواء الأخضر لمقومات نشوء المراكز الحضارية فيها عبر التاريخ فقد حظيت بنصيب وافر من الإنجاز الفكري والثقافي والعلمي الذي رفع لواءه مئات العلماء والمثقفين بدءاً من الفقيه الكيميائي والفلكي المنطقي عفيف الدين عبدالله الجبرتي المتوفى في العام الثالث والثمانين للهجرة وصولاً إلى أستاذ الأجيال الدكتور عبدالعزيز المقالح. وغيرهم . واستناداً إلى كل ذلك الرصيد الكبير فقد استيقظ مثقفو المحافظة في السنوات الأخيرة على انتشار المراكز المسماة العلمية التي اوجدت الفرقة.. لذلك فقد اتجهت العقول الكبرى نحو البحث في المشكلة ونتج عن ذلك البحث تصميم شبابي لإقامة مركز ثقافي يحتضن الشباب والمثقفين والمبدعين ويجسد فيهم ومن خلالهم روح الثقافة الوطنية المنتمية إلى العروبة والإسلام والمنفتحة على ثقافات العالم والمفندة لكل دعاوى الفرقة وعوامل الانكسار واليأس... في التاسع والعشرين من ديسمبر2004م تم انعقاد الاجتماع الموسع للجمعية العمومية للمنتدى الذي تم فيه مناقشة وإقرار مشروع النظام الأساسي وتزكية هيئة إدارية للمنتدى ضمت في صفوفها مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الشباب الشيخ عبدالعزيز الحبيشي رئيساً للمنتدى والدكتور محمد الزهيري نائباً، والأستاذ محمد زين العودي نائباً ثانياً، وعبدالله الشراعي أميناً عاماً إلى جانب عشرة آخرين،وبناء على ذلك فقد ابتدأ المنتدى بمزاولة نشاطه وبروح الحماس والتفاؤل أقام المنتدى عدداً من الفعاليات والأنشطة الثقافية، وفي مارس 2007 صدر العدد اليتيم من صحيفة المنتدى التي سميت [آراء]... ومنذ ذلك الشهر تجمدت الدماء في شرايين المنتدى وصحيفته، لكن الأخطر أن بات الجميع على قناعة تامة بأن المنتدى قد دخل منذ الشهر الثالث لولادته مرحلة الموت السريري، وقد وصل اليوم إلى نقطة اللاعودة..والسؤال المطروح: من وراء فشل المنتدى؟ التحذير التاريخي • منذ البداية كان الشيخ عبدالعزيز الحبيشي رئيس منتدى الإشعاع الثقافي الأدبي بمحافظة إب قد أطلق تحذيره الذي لم يفهمه كثيرون حتى اليوم حيث قال: لا أظنني بحاجة إلى الحديث عن إب ودورها في مجال الثقافة عموماً، والأدب خصوصاً، ومن هنا سعينا لإيجاد هذا الكيان ليكون إلى جانب غيره رافداً من روافد الحراك الثقافي والأدبي ولن يكون ذلك إلا بتضافر الجهود من قبل الجميع. إن هذا الكيان وهو في بدايته مثل الغرسة النافعة، فإن هي حظيت بالرعاية والاهتمام أينعت وأثمرت، وإن هي أهملت يبست وانتهت، وقد سعينا مع أبنائنا من الشباب والشابات في تأسيس هذا الكيان، لا لشيء إلا رغبة في أن يضع الجميع أيديهم في أيدي هؤلاء، ليحتل المنتدى مكانه ويؤدي دوره التنويري في إطار ثوابتنا الدينية والوطنية. وأد المشروع الثقافي • ولأن وأد مشروع المنتدى برأينا ليس خطراً على الشبيبة المثقفة في محافظة إب بمفردها، بل لا نبالغ إن قلنا بخطورته على المشروع الوطني للثقافة الذي تقع المحافظة الخضراء في موقع القلب منه ...فقد كان لابد من مواجهة الهيئة الإدارية للمنتدى لإطلاع الجميع على الحقيقة...وطرحنا السؤال الموجز؛ انطفاء الإشعاع ...لماذا؟؟ مفاجأة • وجاءت الإجابة على سؤالنا من الدكتور محمد أحمد عبدالله الزهيري رئيس قسم اللغة العربية بجامعة إب نائب رئيس منتدى الإشعاع الثقافي الأدبي بمحافظة إب الذي استهلها بالقول: إن سؤالك موضوعي وجيه حول أسباب تعثر منتدى الإشعاع الثقافي الأدبي بمحافظة إب، وعلى الرغم من موضوعية السؤال فقد كان مفاجأة لي لسبب بسيط أن أحداً لم يسأل عن هذه الأشياء، كما أنه أثار فيّ أشياء كثيرة ارتبطت بنشأة المنتدى وظهوره وتفاعل الشباب معه ثم ضموره المبكر، وقبل الإجابة يعلم الله أنني لا أحمل أحداً المسؤولية، وأني أجد حرجاً حينما أقابل تلك الوجوه الشابة التي تفاعلت وتفاءلت ولا أدري بماذا أجيب عمن يسألني عن المنتدى وأرجو أن يجدوا المؤسسة الناضجة الواعية الواقعية التي تأخذ بأيديهم قريباً. أسباب تعثر المنتدى • وأضاف معدداً أهم الأسباب التي أدت إلى تعثر المنتدى قائلاً: ثمة أسباب خمسة قادت إلى تعثر المنتدى من وجهة نظري، وأولها: الوعي بما تعنيه الكلمة من معنى على سعته هو سبب نجاح كل عمل أو فشله، ولاغرو إذا قيل إن سبب نجاح أي عمل أو فشله أو أي سلوك إيجابي أو سلبي هو الوعي الثقافي، ولنضرب مثلاً في النظافة التي قد تبدو أبعد الأشياء عن الثقافة لكن الحقيقة أن النظافة الشخصية أو المنزلية أو في المكاتب أو المؤسسات أو الشارع هي انعكاس للثقافة، وللوعي الثقافي وإدراك أهميتها هو السبب في نجاح أي محضن ثقافي أو فشله وأنت تجد المشاريع الثقافية في اليمن قد أخذت زخماً وتحمس لها الناس فترة ثم اختفت لأن الثقافة التي لا تجد أي اهتمام.. وحتى مايؤسس من محاضن أو يقام من فعاليات يغلب عليها الجانب الدعائي الاستعراضي ويغيب عنها الأهداف الواضحة المراد تحقيقها والسياسة المدروسة والخطط الموضوعة. ولاتجد الاهتمام بايجاد محاضن ثقافية كالمراكز والمنتديات والملتقيات والنوادي إلا بعض الأفراد الذين درسوا خارج اليمن وحضروا فعاليات ومجالس عمرها عشرات ومئات السنين ورأوا المكتبات في كل حارة، والقارئ النهم في كل بيت ووجدوا الإصدارات مميزة. فعادوا يحملون الفكرة المتحمسة دون إدراك للواقع المعادي للثقافة والأدب. الطموح في مواجهة الخبرة • واستطرد الدكتور الزهيري قائلاً: أما ثاني أسباب تعثر المنتدى فيتمثل في المثالية حيث إنها محبطة ومن ينظر إلى أعلى يتعب ومن يقرأ في أهداف المنتدى والطموح الذي خالج أصحابه والكلمات التي صدرت والآمال التي وجدت يعرف أن المؤسسين لم يراعوا الواقع الذي يعيشونه والإمكانيات التي يملكونها والخطط الممكن تنفيذها والأهداف المعقولة التي يستطيعون تحقيقها والخبرات الإدارية الممارسة التي وظفوها، فكان المنتدى فكرة مثالية مجردة تلقتها عقول شباب متحمس، ولم تجد الفكرة الكوادر المجربة ذات الخبرة التي تحول الأفكار إلى أهداف معقولة تصاغ في خطط واقعية قابلة للتنفيذ في ظل الظروف والإمكانيات المحيطة . برميل البارود الحقيقي • ويصل نائب رئيس المنتدى إلى السبب الخفي والداهية العظمى التي التهمت المنتدى حيث يقول: لقد شكل انعدام الروح الجماعية سبباً ثالثاً لتعثر المنتدى ومعلوم أن الروح الجماعية التي تتبلور في عمل مؤسسي له لوائح ونظم وهياكل واختصاصات محددة وواضحة هي التي تستمر وتنجح والأعمال الفردية التي تخضع للمزاج والمصلحة والبيئة والأهواء والتأثيرات السلبية الخارجية سواء أكانت جماعة أم مذهباً أم قومية أو حزبية مهما كانت كبيرة فإنها آنية وقتية سرعان ماتتعرض للفشل والتعثر لأن الموضوعية والحيادية والتجرد من الأمور الضرورية في نجاح كل شيء فهي في الثقافة أشد ضرورة لاسيما وهي البضاعة الكاسدة التي تحتاج إلى تضحية وتواضع وجماعية، والمجتمع المسلم على وجه العموم واليمني على وجه الخصوص يتميز بالعقلية المبدعة الشمولية التي تصنع المعجزات ولكنها تفتقد إلى الجماعة أو المؤسسة التي تواصل وتستمر فتموت بموت صاحبها، وقد عبر عن ذلك الإمام الشافعي رحمه الله فقال: الليث أفقه من مالك لكن صنيعه طلابه. ولاغرو في ذلك فقد تجد الفرد في العالم الإسلامي يخترع علماً كاملاً أو يقوم بعمل مجمع أو مؤسسة حتى تجد أن الكثير من الانتصارات العظيمة والإنجازات الجبارة تنسب إلى فرد.. فعلم النحو أسسه أبو الأسود الدؤلي والعروض والمعاجم أسسها الخليل بن أحمد الفراهيدي وعلم الاجتماع أسسه ابن خلدون هذا العلم الذي انقطع بسبب عدم المواصلة. ولد ميتاً • أما رابع أسباب مقتل منتدى الإشعاع فيوجزه الدكتور الزهيري بقوله: الانشغال سبب رئيسي للفشل وقديماً قالوا: إذا أردت أن تفشل عملاً فأوكل به مشغولاً، وقالوا:صاحب العملين كذاب، ومن ركب على جملين افتلخ.. فكيف إذا كان صاحب العمل مشغولاً بأكثر من عمل ..فالشيخ الفاضل عبدالعزيز الحبيشي رئيس المنتدى له أعمال كثيرة وله ارتباطات واسعة ويحمل هموم أمة بارك الله في عقله وبدنه وجهده وروحه..أنى له أن يتفرغ للمنتدى؟ والفقير إلى الله الدكتور محمد الزهيري الذي عين في أثناء غيابه نائباً لرئيس المنتدى له أعمال كثيرة وارتباطات واسعة وعلاقات متعددة. والأخ الأستاذ عبدالله الشراعي الأمين العام سافر لتحضير الدكتوراه في الهند وهؤلاء هم الهيئة التنفيذية للمنتدى وكل أعضاء الهيئة الإدارية لهم أعمال وارتباطات ومشاغل، أضف إلى ذلك عدم الخبرة الإدارية وضعف القدرات العقلية مع حب التصدر والظهور والحرص على التفرد وتهميش الآخر نتيجة وجود الشكوك وانعدام الثقة التي هي كفيلة بتدمير كل شيء، فضلاً عن منتدى ثقافي ناشئ. غياب المنهج العلمي • ويكشف نائب رئيس المنتدى عن جانب آخر لأسباب السقوط المبكر حيث يقول: التخطيط أساس النجاح، والعشوائية الارتجالية هي الفوضى التي تسبب فشل كل عمل، والتخطيط الذي يعني اعتماد أسس وقواعد علمية في وضع الخطط ورسم السياسات التي توصل إلى الهدف أو الأهداف لاغنى عنه في الأعمال الصغيرة والكبيرة التي يراد لها النجاح والاستمرار والمواصلة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينجح في تأسيس دين الإسلام ونشره وانتصاره الذي بلغ اليوم مابلغ الليل والنهار إلا بالتخطيط في جذب الرجال وتربيتهم والبدء بالدعوة السرية حتى لاتجهض الدعوة قبل تغلغلها في قلوب من اعتنقوها. والدول اليوم لاسيما الغربية تضع الخطط لمئات السنين فقد خطط اليهود لاحتلال فلسطين واتخاذها وطناً قومياً لهم قبل خمسين سنة من دخولهم فلسطين والسيطرة عليها في العام 1948 فقد اتخذوا هذا القرار في مؤتمر بال بسويسرا في العام 1897، والأمريكان قد خططوا للسيطرة على منابع النفط في العام 1956م، وصدر وعد كيسنجر الذي يدعو أمريكا إذا أرادت السيطرة على العالم إلى السيطرة على منابع النفط في العام 1971م، وفي أمريكا وحدها مليونا مركز بحث استراتيجي يضع الخطط التي لها الأثر الكبير في سياسة أمريكا بينما كل أعمالنا عشوائية ارتجالية آنية ردود أفعال سرعان ماتفشل. وإن شاء الله تكون تجربة منتدى الإشعاع كافية للنهوض به نهوضاً صحيحاً أو تأسيس محضن ثقافي جديد قائم على أسس صحيحة. إعلام المنتدى • وماكان لنا أن نغفل وجهاً آخر لموت المنتدى ممثلاً بصحيفة آراء فطرحنا سؤالنا حول أسباب توقف الصحيفة منذ صدور عددها اليتيم وأجاب رئيس تحريرها الأخ ردمان الأديب بالقول: إن أهم سبب لتوقف الصحيفة هو كونها صحيفة تختص بالشأن الثقافي والأدبي وهو جانب لايحظى بأي دعم أو تشجيع، بالإضافة إلى أن الصحيفة تتبع منتدى ليس له دعم مالي، وليس مرتبطاً بأي حزب سياسي حتى يقوم الحزب بدعم كافة أنشطته، وللعلم فإن مانحصل عليه هو مبلغ رمزي من صندوق التراث الثقافي لايغطي تكاليف إيجار المقر ومع ذلك استطاع المنتدى ممارسة أنشطته الثقافية والأدبية منذ التأسيس وكانت صحيفة آراء خلاصة ذلك النشاط المتميز وحسب معرفتي فإن منتدى الإشعاع الثقافي هو أول منتدى يصدر صحيفة بهذا الشكل المتميز معتقدين أن قيامنا بذلك سينال اهتمام الجهات المعنية بالأنشطة الثقافية وستبادر إلى تقديم دعمها وتشجيعها لمثل هذه الأنشطة إلا أن ذلك لم يحصل، ومن خلالكم ندعو الإخوة في وزارة الثقافة ممثلة بمعالي الدكتور محمد أبو بكر المفلحي وزير الثقافة إلى المساهمة بدعم وتشجيع النشاط الثقافي بمحافظة إب وذلك باعتماد مبلغ شهري يسهم في استمرار إصدار الصحيفة بصورة منتظمة.