ان سعادة المجتمع تنبع من سعادة أفراده ، لان الفرد هو الخلية الأولى في المجتمع، وكل جهد يبذل لتكوين الفرد الصالح هو عمل أصيل لتكوين المجتمع الصالح. وأخص ما يميز المجتمع الراقي السعيد هو التماسك والترابط الذي يتعارف أبناؤه فلا يتناكرون ويتحابون فلا يتباغضون، ويتعاونون فلا يتخاصمون ويتعاملون فيما بينهم بالعدل والرحمة والحب والاخاء فلا يبغي بعضهم على بعض ولايقسو بعضهم على بعض ولهذا فهناك دعامتان أساسيتان للمجتمع السعيد، الايمان والاخوة. والمطلوب تحقيق الايمان في نفوسنا، ومراعاة الاخوة فيما بيننا، فالايمان نعمة عظيمة ومنحة ربانية حبيبة ونور هادئ مضيء قال تعالى«يمنون عليك أن أسلموا قل لاتمنوا علي اسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين» وقال صلى الله عليه وسلم«ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً» وقال الشاعر: إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولادنيا لمن لم يحي دينا ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا أما الدعامة الثانية للمجتمع السعيد فهي الاخوة لانها روح الايمان قال تعالى«إنما المؤمنون اخوة» الاخوة الخالصة التي لاتلتقي على المصالح، لأن التي تلتقي على المصالح تنقلب عداوة عند النزاع ولهذا يقول تعالى«الاخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين». أما الاخوة القائمة على الحب في الله فباقية ويكون أهله في ظل الله ففي الحديث القدسي«وأني المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لاظل إلا ظلي» فالحب في الله يورث الجنة ، قال صلى الله عليه وسلم«والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا» وقال الشاعر: وكل محبة في الله تبقى على الحالين من فرج وضيق وكل محبة فيما سواه كما الحلفاء في لهب الحريق لقد ظهرت آثار هذه الاخوة عملياً منذ الأيام الأولى لإقامة المجتمع الاسلامي في المدينةالمنورة بعد الهجرة، وذلك عندما آخى الرسول «ص» بين المهاجرين والأنصار مؤاخاة لم تشهد الدنيا لها نظيرا، وضربوا أروع الأمثلة في التضحية والايثار والحب، ولهذا يقول الله عزوجل«والذين تبوؤوا الدار والأيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولايجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة». لقد أطفأت هذه الاخوة نار العداوة بين القبائل فطهرت النفوس من البغضاء وغرست فيها الحب والاخاء.