الأمن في اللغة ضد الخوف، وهو بمعناه الشامل اطمئنان الإنسان من عدم حصول مكروه يهدد حياته أو ماله أو مجتمعه، ويظهر أثره على جوارح الناس حين يحسون بالأمان والاستقرار والسكينة. وليس بخاف أن الأمن في أي مجتمع يشكل إحدى الركائز الهامة في استقرار الناس وسكينتهم، فهو الركيزة الرئيسية في التنمية الشاملة، وبدونه تتعطل عملية التنمية في أي مجتمع، لأنه لا تنمية بدون أمن يحميها، ولا تقدم اجتماعيا بدون أمن يشعر الناس بالاستقرار والسكينة، فبدون الأمن تفقد وسائل التنمية الأخرى فاعليتها، فينعدم التخطيط العلمي السليم، ويصاب المجتمع بالشلل، لشيوع الفوضى في ربوعه، واختلال الأمن، فيخاف رأس المال، ويحجم عن المساهمة في مشاريع التنمية، أو يتباطأ، أو يهرب ، ومثله تفعل القوى البشرية المؤهلة، فهي عندما لا تشعر بالأمان تهاجر، وبسبب هجرتها تفقد عملية التنمية خبرات ومؤهلات وقدرات بشرية يصعب تعويضها بسهولة، وتتعطل نتيجة ذلك كثير من المشروعات التنموية، وتتوقف عجلة الإنتاج في العديد من المصانع، وتتضاءل الخدمات في مجالات الحياة المختلفة، وتزداد البطالة، لأن كثيراً من الناس يفقدون أعمالهم، أو أنهم لا يحصلون على العمل أصلاً، وفي هذه الحالة يضطر عدد كبير من الناس إلى السرقة أو اتباع وسائل أخرى غير مشروعة للحصول على المال، مما يزيد الحالة الأمنية اضطراباً، لذلك لا تنمية بدون أمن واستقرار يحميها من التحديات والصعوبات والمعوقات. فما السبيل إلى الأمن والاستقرار؟ فالأمن هو مدار التنمية في أي مجتمع، ولترسيخ دعائم الأمن في مجتمعنا اليمني علينا جميعاً أن ننبذ ثقافة الكراهية، والتخلي عن الأحقاد والضغائن، والعمل على نشر المحبة والوئام والتسامح، وتعزيز أواصر الأخوة بين أفراد المجتمع اليمني الواحد، والعمل على نشر الفضيلة التي دعا اليها ديننا الاسلامي الحنيف، فالفضيلة لها أثر بالغ في تحقيق الأمن الاجتماعي في البيئة الاسلامية ، لأن المؤمنين يجتمعون على محبة الله ورسوله وتترسخ في نفوسهم فضيلة الرحمة والأخوة والإيثار ، وهو لا شك يؤدي إلى نشر الأمن والاستقرار بين أفراد المجتمع الواحد امتثالاً لقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار) وكذا قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنون حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم). ومما لا شك فيه أن الأزمة السياسية التي شهدتها بلادنا خلال الفترة الماضية ، وما صاحبها من تمردات واعتصمامات واحتجاجات جماهيرية أسفرت عن حصول بعض التغييرات في السلوك الاجتماعي يغلب عليها الطابع السلبي أكثر من الإيجابي ، وهو ما أدى إلى ضعف الترابط الاجتماعي وبروز حالات من الحقد والكراهية لدى بعض افراد المجتمع، وحالات من التنافر والتناحر لدى بعض القوى السياسية، وهو ما يتنافى مع طبيعة المجتمع اليمني المسلم، المتسم بالمحبة والتسامح والوئام، التي بفضلها عاش شعبنا اليمني سنوات طويلة في حياة طيبة وآمنة ومستقرة ينعم بالمحبة والتعاون والتكافل والسلام والأمان، بعيدا عن التطرف والغلو ونبذ الآخر، وعندما تخلى عن هذه الفضائل عمه الفساد والرذائل. لذا علينا ان نبذل ما في وسعنا لاشاعة ثقافة المحبة والتسامح في اوساط مجتمعنا اليمني، ونعمل جاهدين على نشر ثقافة المودة وتعميق اواصر الاخاء فيما بيننا، وفتح مجالات الحوار الهادف والبناء لحل مشكلاتنا ليسود العدل والمساواة في اوساط مجتمعنا، ويزول شبح الظلم والاستبداد والفساد، وينتفي كل ما يدفع افراد المجتمع الى الغلو والتطرف، وكل ما يؤدي الى عدم الاحتكام الى القوانين والاعراف الاجتماعية السائدة، وما يتسبب في الاختلال الأمني. وينبغي التأكيد انه لكي ينعم مجتمعنا اليمني بالأمن والاستقرار لابد من ان يلتزم جميع افراد المجتمع بروح المحبة والاخوة،ويقطعوا دابر الفتن والتطرف ويجففوا منابع الارهاب بمختلف اشكاله والوانه. قال تعالى: «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا»(النور-55) فلماذا لا يسعى أفراد المجتمع اليمني جميعهم الى تناسي احقادهم والتخلي عن ضغائنهم، ولينعموا بالأمن والاستقرار في وطنهم. قال تعالى: «قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى» (الشورى- 23). ولماذا لا نجسد إيماننا بالله تجسيدا عمليا بالاخوة والمحبة والتسامح والعمل الصالح، لنحيا حياة طيبة يسودها السلام الاجتماعي ويعمها الأمن والاستقرار امتثالا لقوله تعالى: «من عمل صالحا من ذكر وانثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون» (النحل- 97). واتذكر هنا قول الشاعر محمد اقبال وترجمة الشاعر احمد رامي: إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحيي دينا * خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان