يعتبر الرقص الشعبي أحد أصناف وأشكال علم الفلكلور وإبداعاً شعبياً يختلف من زمن إلى آخر ومن منطقة جغرافية إلى مكان اخر وقد حظيت الرقصات الشعبية في حضرموتجنوباليمن باهتمام كبير من خلال تطويرها وهي كثيرة ومتعددة في حين اشتهرت حضرموت بالدان وهو في اللغة يأتي بمعنى الدندنة بهيمنة الكلام ودندن فلان نغماً لا يفهم منه كلام فإن لفظة ما يدل عليه الدان يمكن ان يكون الى الهمهمة والتنغيم وليست الى الشعر . وللدان الحضرمي بحسب موقع «الاقتصادي اليمني» اسسه وثلاثة انواع هي الريّض والحيقي والهبيش لكن الدان الحضرمي أول ما يبدأ بالهمهمة والنغم ثم تأليف ووضع اللحن وترابط أجزائه بتفعيلة ( دان ) ومن هذه الثلاثة الأحرف والتي قد تختصر في النغمة أو تطول أو تمد فإنها تبقى التفعيلة الجذرية لأصل نغمات وألحان الدان .. التفاصيل في التحقيق التالي تعدد واختفاء بداية يقول الأستاذ سعيد عمر فرحان «أبوعمر» رئيس فرقة الفنون الشعبية بمكتب الثقافة في حضرموت سابقاً في كتابه الرقص الشعبي بحضرموت: إن من بين العوامل التي ساعدت على تعدد وتطور الرقصات الشعبية بحضرموت الموقع الجغرافي للمحافظة وازدهار الحركة الثقافية والفكرية وهجرات الحضارم إلى بلدان كثيرة وتعدد الحرف التي يمارسها أبناء هذه المحافظة وإقامة العديد من الزيارات في مواسم مختلفة مثل زيارة سالم بن عمر الشحر» الفقعة -غيل باوزير - الحول - سيئون - قيدون - دوعن والدور المتميز والملحوظ الذي لعبته فرق الرقص بحضرموت في تطوير هذه الرقصات أهمها فرقة الفنون الشعبية بالمحافظة. وتتميز محافظة حضرموت عن غيرها من المحافظات بوجود عدد كبير من الرقصات الشعبية لكن الملاحظ أن بعض الرقصات قد أخذت تتوارى عن الأنظار الآن لما اعترى الحياة الاجتماعية من تبدل حضاري بيد أن رقصات أخرى كرقصة العدة، والشبواني، والغياظي ظلت تحتفظ بمكانتها بما تتميز به من خصائص فنية بما تحدثه في النفوس من الطرب والإمتاع بما كانت تحدثه في الماضي. رقصة العدة الباحث اليمني المعروف الأستاذ جعفر محمد السقاف اطلق على رقصة العدة لعبة الفتوة الشعبية وهي تعبير عن الفروسية فقد جسدت رقصة العدة دورها الشعبي في جمع الشمل والتكتل للهجوم بواسطتها على البرتغاليين الغزاة وسلاح الراقصين لايتجاوز أدوات الرقصة من عصي ودرقة وسكاكين في مواجهة الغزو البرتغالي على مدينة الشحر وذلك في العاشر من شهر ربيع الثاني سنة 929ه - الموافق 1523م. اما الباحث اليمني الأستاذ/ عبدالله صالح حداد فقد قال في بحثه الأدبي عن رقصة العدة بأن أزياء اللاعبين الراقصين «عبارة عن قرمة وفوطة ورمان ويحمل كل لاعب عصا غليظة ودرقة وسكيناً وسط العصرة، أما الآلات والأدوات المستعملة في رقصة العدة هي الهاجر، وهو طبل كبير ورئىسي -المرواس الطبل الصغير- ودرقة وعود وطاسة»، غير ان شاعر المكلا محمد فرج بانبوع يقول: مروّح بامعيبد وكم من شاب روح مروح بالذي هم ينكرون النكيرة وأهل مدينة الشحر يطلقون على الهاجر . بن سعيد وباغبار ومن أبرز شعراء رقصة العدة بحضرموت ومؤلفيها المعاصرين عمر مبارك قزيل، مدينة الشحر، ومحمد فرج بانبوع، مدينة المكلا، وعوض عبيد باعبود، مدينة غيل باوزير. ويعتبر الشعراء مستور حمادي -سيئون- وعيد فرج باحريز -المكلا- وعمر بن شيخ بن طاهر باوزير -غيل باوزير- من عمالقة رقصة الشبواني يقول عمر بن شيخ: مسكين بن طاهر من المعشرة ووس ولا له ولا القهوة لي هو عسل مدبوس يمنية خليجية ويرى المختصون ان هناك رقصات تربط اليمن بدول المنطقة في الجزيرة والخليج وخاصة رقصات البحر المتشابهة في ألحانها وشلاتها وحركاتها.. كرقصة الشراع.. على كل هذا العمل الاستعراضي استغرقت فترة زمنية مقدارها 40 دقيقة، وقام بتجسيد هذا العمل أكثر من 1500 راقص, بالاضافة الى الشباب الذين كانوا عند مستوى الثقة فجميعهم كانوا مهتمين وحريصين على ان يقدموا هذا العمل بشكل يليق بسمعة اليمن. الدان الحضرمي حول الدان الحضرمي تؤكد كتب التراث الغنائي ان الدان هو نغمات موسيقية وإيقاعات فنية مطربة تطرب الروح وتبعث على الشجن وهو اكثر انتشارا في حضرموت لأنه يعبر بصدق عن احساس الناس وامانيهم وتطلعاتهم وهمومهم وآلامهم وشعورهم العاطفي.. وتنطلق النغمات مع توقيعات الحانه وتقاسيمها الغنائية المنسابة الكلمات الرقيقة العذبة والمعبرة فالدان نغم ولحن له صفة قديمة لدى كل فئات طبقات المجتمع الحضرمي وهو نوع من الشعر المغنى بالفاظ وأوزان غير مقيدة بما يقوله النحاة ولقد سموه في الاندلس بالموشحات وسماه الحضارم الدان.. ويرى الادباء ان لفظة الدان جاءت في كثير من اشعار الشعراء الشعبيين في حضرموت منهم الفقيه الشيخ عمر بن عبدالله بامخرمة المتوفي سنة تسعمائه واثنين وخمسين هجرية الذي يقول: مستبديا بالدان دان يامطربه فإني على دانش اطرب روقي فيه خلينا من الصافي اشرب فاني لي في الغناء مذهب وللناس مذهب ويقول: يامطربه دندني بالدان يامطربه غني بصوتش وشلي ابياتي المعربه وغيرها من اشعار بامخرمة الحافلة بذكر الاستهلال بالدان والدان هو فن قديم اصيل لم تدخل في أدائه اية آلة موسيقية مما يعطي الدليل الواضح على قدمه وأصالته وإن كانت بعض الحانه في الأربعين سنة الأخيرة طوعت لأدائه بالآلات الموسيقية ولكن هذا التطويع جاء بعد بروز اللحن لفن متعارف عليه اصلا هو(الدان). وتؤلف اجزاء نغمات الدان ويقال لها تلحين أوصوت ويأتي كله ضمن اطار الكلمات الشعرية المقيدة بهذا الإطار ويبدأ (بالفصل ) كما يقال له والفصل هو ربط الكلمات الشعرية ببعضها البعض في اطار يحدد الوقوف عند كل مقطع بالقافية والوزن . والفصل مأخوذ من الحاجز بين الشيئين وهو يفصل بين القولين في نظم الشعر . .وبحسب مصادر التراث الغنائي فإن في الدان بعد احكام النغم واللحن يأتي دور الشاعر ليقول فيبدأ بالفصل ويبدأ الفصل كقول الشاعر خميس سالم الكندي : ذا فصل والثاني سمر ياسعيد ذكر كل عاشق الدان يومه حرفة العشاق الدان خطتهم ومنبتهم وله زاعق وناعق يتذكر النغمات كل عاشق ومعشوق وقول الشاعر ناصر بن يسلم بن ناصر: ذا فصل والثاني سمر ياعاشقين الدان ياسامعين الصوت جمع الاهل والاخوان كما ان الدان الحضرمي يخرج عن دائرة أبحر الشعر ال 16 بحرا و عن نطاق أبحر الشعر الحميني والتي تقابل ما يماثلها في الشعر العربي والدان مع خروجه عن نطاق الشعر الحميني غير انه يسير في دربه من حيث التسكين وعدم الإعراب وهناك تقارب بين الموشحات الأندلسية والدان الحضرمي من حيث ان الموشحات كما أوضح ذلك المؤرخ ابن خلدون بانهم ينظموها أسماطا واغصانا واعاريض والتزاما بالوقوف عند تلك الأغصان وفي فن الدان الحضرمي ينظمونه اسماطا وأغصانا واعاريض والتزاما عند القوافي بل يبلغ الالتزام فيه بلزوم ما لا يلزم . و في اصوات الدان الموازين غير محددة كما يقول فقهاء الشعر فهي متجددة ومرتبطة واغلب الموازين ملتزمة والشعر نفسه غير محدد في المقاطع لكنه غير محدد في الوزن فقد يحد المقطع بمقطعين لكن ذلك المقطع يكون بأوزان مختلفة لذا فان عامل الوزن ليس له تقيد وان مقاطع الدان تبدأ من مقطعين والى عشرة مقاطع لكنه غير محدود الوزن واغنية الدان واسعة فلذا قد يكون احد المقطعين اكثر من الآخر بتفعيلة لأننا نرى ان الترابط بالمقطع وليس بالتفعيلة والغالب ان المقطع الثاني أو الثالث يكون في آخره تخميس في البيت وإن المقاطع الرباعية وما بعدها بغير تخميس والتخميس ترديد مستمر في كل مقطع فهناك الثنائي كهذا الصوت. ريت من حب حد يلقيه راعي عالكبد ما يفكه ليل ونهار جلسات الدان وللدان جلسات في حضرموت طقوس صارمة ونظام وتقاليد راسخة فهي تكون في اماكن محددة أي خاصة ولا يحضرها إلا عدد محدد من أهل الذوق وعشاق هذا الفن ويؤخذ المغني جلسته في صدر المجلس بغض النظر عن مكانته الطبقية في المجتمع ويجلس في وضع الحبوة (محتبياً) ويبدأ بالتحضير للغناء بالدندنة ومع تنوع نغمات الدندنة يبدأ في رفع وتيرة صوته تدريجيا كلما استحسن صوته و يبدأ التفاعل ويضع كفيه خلف اذنيه لترجيع صدى صوت الدندنة ليضخم سماعها فيهما. ثم يغني ويقول الشاعر البيت ويأتي دور الملقن وغالبا مايكون من هو من بين الحضور سريع الحفظ وتلقف ما يقوله الشاعر وتلقينه المغني ويأتي الشاعر الآخر لينشد بيتا و هكذا ولا يمكن ان يقول الشاعر بيتا إلا بعد غناء بيت من كان قبله واساس الدان المغني والشعراء والملقن وقد يكون من بين الحضور كاتب يكتب ما قالته الشعراء ولا يسمح لأحد بالكلام عند الغناء والشعر بل يسود الهدوء والسكينة والانصات ويشد الإنفعال الوجداني الحضور حتى يغرقوا وسط بحور الدان ويكسون انفسهم بالهيبة والوقار في جلسة استحضار تهيم فيها ارواحهم فوق سماوت حضرموت وبكل شفافية نحو التألق والإبداع مع نعمة التعبير عن أدق خلجات النفس البشرية , من حيث طبيعة الصوت وخصائصه وميزة إيقاعاته المتأثرة بالبيئة التي يتداول فيها ينقسم الدان إلى ثلاثة أنواع حضرمية هي : الريّض : وهو ذو المقاطع الطويلة وهو الرباعي والخماسي وما بعده. سمي ريضاً لهدوء أنغامه وعدم سرعة اندراجها عند الغناء والطرب ولطرب الإبل (الحدا) عند سجع الإبل بالمغنى بالدان فيريض الجمل ويسترسل ويمد خطاه ويطمئن ويسترخي , الحيقي : الحيق في لهجة الحضارم (السهل) والحيق هم سكان السهول الساحلية (والحقة ) كما جاء في القاموس هي الأرض المستديره أو المطمئنة ... ويليهم (النيد)أي النجد وهم سكان الجول والهضبة. والدان الحيقي هو ذو المقاطع الثنائية والثلاثية والرباعية السريعة الحركة والاندراج وسمي بالحيق لأنه يأتي غالبا من أهل الحيق ثم ينتقل إلى سكان الجبال ثم إلى الوديان في حضرموت. ويزدهر في وادي دوعن ووادي العين.. الهبيش : فهو ذو المقاطع الثنائية غالبا..غير انه أسرع إيقاع وحركة من الحيقي ويكثر لدى البادية ويستعمل في (الشرح) وفي رقصة (الهبيش) المعروفة في بادية حضرموت وهي نوع من الرقص يجتمع الرجال والنساء فيها يصفق الكف بالكف ويقفون في دائرة بينما يكون أكثر من اثنين وقد تصاحبهم امرأة في الرقص في وسط الدائرة..والهبيش في اللغة العربية : الجمع والكسب وهبش الرجل : حلب بالكف كلها وبهش القوم : تجمعوا. وللدان في الهبيش الحان متنوعة جميلة وكل لحن يطلق عليه الصوت . ونشير اخيرا إلى ان الفنان أبو بكر بلفقيه فقد أدى الكثير من أغاني الدان , ونشأته في حضرموت كان لها تأثير كبير عليه في جعله نجم تأدية هذا النوع من الغناء الفلكلوري كما قام بتطوير أغاني الدان و جعلها عصرية بأن غناها بمصاحبة الآلات الموسيقية الحديثة , وبعض أغاني بلفقيه أصبحت ذائعة الصيت على المستوى الداخلي والخارجي وكان اشهر الكتاب الذين غنى لهم ابو بكر سالم هم حداد الكاف و حسين أبو بكر المحضار .