ارتبطت الآداب الشعبية ارتباطاً وثيقاً بوجود الإنسان، بل يمكن القول بأنها قصة حياته، صاغها بالكلمة واللحن والصورة.وللأدب الشعبي تفرعاته العديدة في محافظة حضرموت يتفرع هذا الأدب إلى شعر شعبي “زوامل قصائد غنائية بدء وجواب”، ورقص شعبي “شرح بدوي” حضرمي دحيفا زربادي شبواني”. إضافة إلى الألحان الشعبية “تواشيح أغاني الحرف أغاني الزراعة” كما يوضح ذلك المؤرخ والأديب جعفر السقاف أما الدان فيأتي في صدارة هذا الآداب والفنون. ويؤكد الشاعر والأديب/ سالم بكير أن الدان غناء صوت وأن الأصل فيه هو اللحن والملحن هاوٍ وعاشق للغناء ومبدع للألحان، يتوارثها عن الآباء والجدود ومؤلف للنغمات وللألحان حائك، وبالنغمة تبدأ مجالس سمر الدان، قد تسبق لها ماركتها المسجلة وحقوقها المحفوظة بشعر كما يقول الكاتب/ سالم شيخ باوزير. وقد تبدأ نغماً فقط، وفي كل الرقصات والأنغام والجوهر واحد والأساس في الشعر الارتجال. دان وادان دان ولأن معرفتي بالدان لم تكن تتجاوز سماعاً لما يشدو به الفنان أبوبكر سالم بلفقيه في عديد أغان أثق بأن الكثيرين تمايلوا واهتزوا طرباً لسماعها. فإن حضور فعاليات “تريم عاصمة للثقافة الإسلامية 2010م” مثلت فرصة ثمينة للاستزادة. حيث كان فعالية جلسة سماع دان في فندق قصر الحوطة بسيئون هي المفتتح لذلك بلقاء مع أعضاء في فرقة الغناء للدان الحضرمي. ولا يمكن تحديد أي بدايات لنشوء الدان الحضرمي حيث إن أي سؤال على هذه الشاكلة ستكون إجابته “قديم قديم وكثير من المؤرخين لم يستطيعوا تحديد بداياته ولكن ما أشاروا إليه إلى أنه يقال بالفطرة،وكان الجمَّالة يحدون به عندما يعودون من زيارة قبر نبي الله هود”. كما قال ذلك محمد سعيد قحطان مدير إدارة الفنون والمراكز الثقافية بمكتب وزارة الثقافة بحضرموت الوادي والصحراء. قناة إعلامية متنقلة وللدان نكهته في التعبير عن العاطفة والغزل العاطفي الرقيق خلافاً للشعر الشبواني المحتوي على التحريض بشتى مجالاته. ولم ينحصر الدان في التعبير عن العاطفة فقط كما يشير إلى ذلك طالب عمر بن شملان الشاعر الشعبي وعضو فرقة الغناء للدان الحضرمي، إذ إنه كثيراً ما عالج قضايا عديدة اجتماعية، سياسية اقتصادية أو أي حدث معين. وعُد الدان الوسيلة الإعلامية للمجتمع الحضرمي ولإيصال الكلمة وكل ما يقال في الدان الحضرمي يعبر عن جانب معين من حياة الناس، أما الشاعر الدان فعُد بمثابة قناة إعلامية متنقلة. أوزان عدة ويقال الدان على أوزان عدة يحدد كل وزن نوعية الدان ومسماه.. حيث الدان ذو المقاطع الثنائية يندرج ضمن دان الهبيش الأسرع إيقاعاً والذي يكثر في بادية حضرموت ويستعمل في الشرح فيما المقاطع الثنائية والثلاثية والرباعية سريعة الحركة فتندرج ضمن نوع الحيقي نسبة إلى منطقة الحيق والذي يزدهر الآن في وادي العين ووادي دوعن. أما المقاطع الرباعية والخماسية والسداسية والسباعية والثمانية فتندرج ضمن نوع الريض الهادي الأنغام والبطء حين الغناء والطرب وهو النوع المزدهر في المناطق المحيطة بمدينة سيئون. اللحن قبل الكلمات ويمتاز الدان بابتداء اللحن قبل الكلمات كما أن اللحن هو من يفرض الكلمات التي تقال. وتحضر الرمزية في الدان الحضرمي وفي الشعر الحضرمي عموماً حيث تكون الجنبية أو صينة القهوة رمزاً للأنثى والسيف أو النخلة أو غيرها رمزاً للرؤساء كما يوضح سالم عبيد باحشوان شاعر دان وأحد أعضاء فرقة الغنَّاء للدان الحضرمي والذي يضيف بأن الرمزية تكمن بجودة الدان والشعر الحضرمي عموماً. شاعر الدان كذلك كان بإمكانه أن يكون متنبئاً أو متكهناً بالآتي، حيث كانت أبيات وكلمات صالح ربيع بن لسود نبوءات لما حصل في “13”يناير 86م في جنوب الوطن في جلسة دان كانت قبل الأحداث بثمانية أيام. أما الأبيات فيرويها محمد سعيد قحطان مدير إدارة الفنون والمراكز الثقافية بمكتب وزارة الثقافة بحضرموت الوادي والصحراء وهي: خور مكسر يابقع له مرى حن والسُفن متماحنة والسليط القار فيها بالجلن وآل “حنم” في دندنة آه من تال الزمن لا متى يا دهر عادك با تزين دلنا عا لخير يا الله يا مُعين الأشهر والأقدم ويعد حداد بن حسن الكاف من أشهر شعراء الدان الحضرمي إضافة لمستور حمادي، عاشور أمان وكرامة علي بريك وسالم عبدالقادر العيدروس ومحمد بن ناصر القعيطي. أما في سيئون فيعُد سعيد مرزوق عمير ملحن الدان فيما يأتي الشن، عبيد بامطرف يسلم الشاذل كأبرز مغني الدان في سيئون وشبام. ويذكر الكاتب سالم شيخ باوزير وجود مغنيين مشهورين قديماً بالمكلا هما بن شامخ ودحى ومحفوظ الخامر في والمغني عبدالله عوض بامطرف في غيل باوزير والمغني عمر قزيل في الشحر.. بعد جلسة الدان الممتعة في فندق قصر الحوطة كان علي أن أتذكر مع أعضاء فرقة الغنَّاء للدان الحضرمي أبرز من تغنوا بالدان الحضرمي كمحمد سعد عبدالله، سالم باحويرث، محمد جمعة خان، سعيد عبدالنعيم، كرامة مرسال والفنان أبوبكر سالم بلفقيه مترنماً ب “يا طير يا ضاوي إلى عشة قللي متى باضوي أنا عشي”