ثمة أسباب عديدة تحول دون الاهتمام بخدمة العلاج النفسي.. فهناك مرضى يتحرجون من الذهاب إلى الطبيب النفساني، مأسورون لثقافة سائدة أن كل من يذهب إلى الطبيب مجنون أو مخبول. ينصرف الذهن بمجرد سماع كلمة «مرض نفسي» خصوصاً في المجتمعات الشرقية إلى «الجنون» والشعور بالعار والنبذ من المجتمع.. ولا غرو من أن ذلك نتيجة حتمية وطبيعية لحالة الجهل والتخلف والانغلاق الذي تعيشه هذه المجتمعات. وكلمة «مرض نفسي» هي من أكثر الكلمات دوراناً على الألسن وأقلها حظاً في التعريف، وربما أن حب الراحة الذهنية والفكرية وراء ذلك إذ يتبنى الكثير من الناس أفكاراً وتفسيرات الغير الجاهزة ممن سبقوهم أو عاصروهم وهذا ما يصطلح علماء النفس على تسميته «البرهان الاجتماعي» مايحدو بالناس إلى الاعتقاد بالأرواح الشريرة وما إلى ذلك ما يجعل منهم ضحية لدجل الدجالين والمشعوذين. مالا يختلف عليه اثنان أن الدماغ عضو من أعضاء البدن وما يمكن أن يتعرض له الدماغ يمكن أن يتعرض له أي عضو من أعضاء الجسد.. والدماغ عبارة عن كتلة من الخلايا وكل فئة من هذه الخلايا لها عمل محدد تقوم به فمنها مايفرز مواد تمنع الاكتئاب ومنها مايفرز مواد تمنع الشك أو توازنه ومنها ماتفرز مواد تمنع الهوس.. والخ، بيد أنه عندما تحاصر الشخص الهموم والمشاكل والمتاعب والضغوط الاجتماعية تزيد افرازات هذه الخلايا أو تنعدم وتتوقف بسبب كثرة التفكير مايؤدي إلى المرض النفسي مايجعل الإنسان في هذه الحالة يذهب إلى الاخصائي أو الطبيب النفساني والذي بدوره يصف له من الأدوية والعقاقير الطبية مايعوض خلايا دماغه وجسده من مواد افتقرت إليها خلايا دماغه أو الحد من غزارة ماتفرزه بشكل غير طبيعي وغير متوازن. مرض عضوي من ذلك نجد أن المرض النفسي مرض عضوي شأنه شأن بقية مايمكن أن يتعرض له أعضاء الجسد، أما مسألة زيارة الاخصائي أو الطبيب النفساني فيجب أن يعي الناس أن ذلك نوع من التحضر ومظهر من مظاهر اهتمام الإنسان بصحته ولا مدعاة للشعور بالعار أو الاستحياء. إن خدمة العلاج النفسي في اليمن وأغلب الدول العربية تكتنفها الكثير من الملابسات وتقف أمامها عوائق وعقبات كثيرة حرصنا في هذا التحقيق أن نتلمسها ونسلط الضوء عليها وقد خرجنا بالآتي: لا توجد لدينا رؤى واضحة؟ الدكتور/نزار غانم أستاذ جامعي بكلية الطب وباحث في مجال الطب النفسي ومستشار نفسي لدى الصندوق الاجتماعي للتنمية وهو ضمن الفريق العامل في وضع الاستراتيجية للصحة النفسية في اليمن قال:. هناك معوقات لها علاقة بالمجتمع اليمني وهناك معوقات تتعلق بطبيعة الخدمة نفسها أما التي لها علاقة بالمجتمع اليمني فتتمثل في أن المجتمع اليمني مازال يعيش في ظل العقلية الخرافية فالدين جاء ليحرر الإنسان من مثل هذه الخرافات فإلى الآن لم يتكون وعي متساوٍ جمعي عند الإنسان اليمني بدليل التفاوت الكبير في القدرة على فهم موقف الإسلام من القوى غير المرئية «الميتافيز يقية» كالسحر والعين والمس والأرواح الشريرة فليس لدينا رؤى واضحة نحو هذه المواضيع. كذلك موضوع الوصمة الاجتماعية فيوجد تشويش في الفكر بسبب الثقافة السائدة فينظر إلى الشخص الذي يذهب إلى الطبيب النفساني أنه مجنون ولا ينظر إليه نفس النظرة إذا راح إلى المقرئ والمشعوذ، وتأثير الثقافة قد يطال حتى المتعلمين مهما وصلوا إلى مستويات من تعليمهم فكثير من طلاب الجامعات مازالوا ينظرون إلى المرض النفسي أنه مس وأن علاجه هو الدجل الذي يقوم به المشعوذون والمقرئون وغيرهم. لا توجد مراكز كافية..!! أما ما يتعلق بالخدمة نفسها فالخدمة موجودة بصورة مركزية، أي على المستوى الأقصى، فلا توجد خطة لإدماج الصحة النفسية ضمن خدمة الرعاية الأولية في وزارة الصحة التي تبناها في الثمانينيات الدكتور/محمد الحسن توفيق خبير منظمة الصحة العالمية، فلا توجد إلى الآن المراكز الكافية لتقديم هذه الخدمة إضافة إلى غياب فريق العمل المتكامل المتمثل بالطبيب النفسي والأخصائي النفسي والأخصائي الاجتماعي. الإعلام لم يتبن أي خطة؟! من جهته يقول الدكتور/منصور الشرجي استشاري الطب النفسي بأحد المستشفيات الخاصة ومدير عام مستشفى الرسالة للطب النفسي:إن التحدي الذي يقف وراء نمو هذه الخدمة ويعيقها هو الوصمة الاجتماعية التي تجعل بين خدمة العلاج النفسي والمريض النفسي حاجزاً لا يمكن تجاوزه إلا بصعوبة. وأرجع الدكتور الشرجي ضعف الوعي الإعلامي الذي أساء إلى هذه الخدمة أكثر من أن يخلصها عن طريق الأفلام التي تجسد الثقافة الخاطئة للمرض النفسي من أنه سحر أو مس.. كما أن الإعلام لم يتبن أي خطة لمعالجة هذا الموضوع نهائياً. إهمال المعنيين وجهل الطبيب..!! أما الدكتور/عبدالرحمن المنيفي دكتور العلاج النفسي بكلية الآداب جامعة صنعاء ومعالج نفسي فأرجع مشكلة العلاج النفسي في اليمن إلى ناحيتين الأولى تتمثل في إهمال المعنيين في الوزارة التي لا نعلم هل هو جهل أم تجاهل لمثل هذا الموضوع فمهنة الاخصائي النفسي ليست موجودة في السلم الوظيفي ومن ناحية ثانية أرجع المشكلة لأصحاب التخصص نفسه فالطبيب يجهل أهمية وجود الفريق المعالج من اخصائي نفسي واخصائي اجتماعي وجزء من المشكلة ارجعها إلى الطبيب الذي يتسرع أحياناً بصرف العلاج لمرضى بالعادة لا يحتاجونها أو يحتاجون شيئاً بسيطاً منها، فكم هي الحالات التي جاءت تشتكي من تسرع هؤلاء الأطباء وأرجع جزءاً من المشكلة للأخصائي النفسي الذي لا يطور نفسه ومهاراته أو يتجاوز دوره بصرف أدوية دون أن يحترم عمله. الوصمة الاجتماعية إعاقة كبيرة!! خالد الشميري رئيس الوحدة النفسية بمستشفى الأمل للطب النفسي يرى أن الوصمة الاجتماعية هي أهم مايعوق خدمة العلاج النفسي فالناس يرون فيمن يذهب إلى الأخصائي أو الطبيب النفسي أنه مخبول أو مجنون فيلجأ المريض إلى الدجالين أو في بعض الأوقات إلى أطباء الباطنية وغيرهم على أنها شكاوى جسدية كما في الاضطرابات السيكوسوماتية، من جانب آخر تلعب الثقافة دوراً هاماً في ذلك.