مرحلة ما بعد الولادة تقتضي رعاية مكتملة الجوانب نفسياً وغذائياً وصحياً، وكذا قسطاً وافراً من الراحة لتستعيد النفساء عافيتها وتتهيأ لتحمل أعباء رعاية وليدها وإرضاعه والعناية به لوحدها دون مساعدة من أحد. مع الأسف قلما تحصل النساء الوالدات في مجتمعنا كغيره من المجتمعات التي تشيع فيها الأمية على رعاية كهذه لاسيما من الناحية الصحية،وهو مايمكن وصفه بالحلقة المفقودة،لما يترتب على غياب هذه العناية أحياناً من تداعيات ومشاكل مرضية يشار إليها في أسوأ الأحوال بأصابع الاتهام في التسبب في وفاة الكثير من الأمهات خلال فترة النفاس. والضرورة هنا تقتضي لتلافي مالا يُحمد عقباه أن تكون الأسرة والمجتمع على قدر من الوعي والمعرفة بمظاهر وعلامات المضاعفات المحتمل حدوثها بعد الوضع مباشرة، كونها لاتقل خطراً عن المضاعفات والمخاطر التي تهدد صحة وسلامة الأمهات وأحمالهن خلال الحمل والولادة،وتلك المخاطر تبدأ في المراحل الأخيرة من الوضع «المخاض» ، وتستمر أحياناً حتى إكمال مرحلة النفاس مدة «42يوماً». فقد تعاني المرأة النفساء من مخاطر ومضاعفات مثل: النزيف بغزارة «نزيف مستمر، أو خروج كتل متخثرة بحجم قبضة اليد». الضعف والدوار والدوخة وفقدان الوعي. تأخر خروج المشيمة بعد نصف ساعة من الولادة. الحمى وأحياناً برودة الجسم. إفرازات من مجرى الولادة «المهبل» برائحة كريهة؛إذ من المحتمل هنا إصابة النفساء بحمى النفاس «الانتان النفاسية» وأعراضها حمى شديدة،ألم في الحوض،إفرازات مهبلية ذات رائحة كريهة وتأخر في عودة الرحم إلى وضعه الطبيعي في الحوض خلال فترة النفاس. التشنجات والتصلب. الصداع والاضطرابات في الرؤية «الغشاوة». عدم القدرة على التبول خلال الثماني الساعات الأولى بعد الولادة. الشعور بألم شديد في البطن. وهذه المضاعفات في معظمها إذا لم تداركها بإحالة النفساء سريعاً إلى المرفق الصحي الملائم أو المستشفى فإنها تودي بحياة الكثيرات وخصوصاً خلال الأيام الثلاثة الأولى على الولادة،مايفرض على الزوج ومن يتولى شؤون رعاية الأم النفساء تأمين رعاية وعناية فائقة منذ الوهلة الأولى على ولادتها ووضعها، نفسياً وغذائياً وأن تحضى بالراحة حتى تستعيد عافيتها، وأيضاً لابد لها من الحصول على إشراف ومتابعة ومراقبة منتظمة من قبل الطبيبة أو على الأقل من قبل القابلة المهارة المدربة التي قامت بالتوليد وذلك للاطمئنان على صحتها وللتمكن من ملاحظة أي مضاعفات ومن ثم فرض التدخل السريع ونقلها بصورة عاجلة إلى أقرب مرفق صحي أو مستشفى تتوفر فيه طوارئ توليدية، بغية اتخاذ التدابير اللازمة حفاظاً على صحتها وسلامتها. فالشعور بألم شديد في البطن يمكن أن يكون ناجماً عن تمزق الرحم بعد الولادة،وعادة هذا الألم يصاحب الولادة المتعسرة أو لدى محاولة إخراج المشيمة أو بسبب حدوث تشوهات في الرحم،كحدوث ندبة الرحم الناتجة عن تدخل جراحي سابق أو انثقاب الرحم بعد عملية تنظيف سابقة. كما أن حدوثه وارد لدى المرأة في سن الإنجاب المتأخر أو في حال الإنجاب المتكرر والمتتابع دون فاصل زمني أقله عامان. والنزيف الشديد بطبيعة الحال يؤدي إلى وفاة المرأة النفاس مالم تنقل فوراً إلى أقرب مرفق صحي،وينجم أساساً عن تمزقات في مجرى الولادة لاسيما عند حدوث تمزقات في عنق الرحم جراء دفع المرأة الحامل أثناء الوضع «عند المخاض» قبل أن يتوسع عنق الرحم تماماً.. بالإضافة إلى أن بالإمكان حدوث نزيف شديد في مرحلتي انفكاك المشمية أو طرحها. وأود التنبيه هنا إلى أن النزيف خلال فترة النفاس بكميات مقبولة وضع لا مشكلة فيه، أما إذا تغير الوضع وزادت كمية النزيف، فالواجب حيال ذلك نقل النفساء بسرعة إلى أقرب مرفق صحي ملائم لما لذلك من دلالة ومؤشر على وجود مشكلة قد تشكل خطراً على حياة النفساء. لذا يتعين الاتفاق مع مقدم أو مقدمة الخدمة الصحية لتنظيم زيارات متابعة عقب الولادة بغية الاطمئنان على الوضع الصحي للأم الوالدة؛فخلال اليوم الأول للولادة لابد من تنظيم الزيارات بعد ذلك زيارات متابعة بعد «6ساعات لبقية اليوم، ومن الخطأ جداً أن تترك الأم وحيدة بعد الولادة مالم يمر على ولادتها مدة «24 ساعة»..وخلال الأسبوع الأول بعد الولادة تتطلب النفساء زيارة واحدة على الأقل أو زيارتين للاطمئنان على صحتها وسلامتها ومدها بالنصائح والإرشادات اللازمة. كما تتيح زيارة المتابعة بعد أسبوع على الولادة معرفة مدى حدوث النزيف المهبلي والخياطة وما إذا وجد احمرار أو تقيح أو انتفاخ في منطقة التوسيع «قص العجان». أضف إلى أهمية زيارة مقدمة الخدمة الصحية للمرأة النفساء عند انقضاء الأربعين يوماً على الولادة،من أجل: مناقشة الرضاعة الطبيعة الخالصة،والحصول على النصائح والإرشادات عنها. متابعة تحصين الطفل والاطمئنان على صحته ونموه الطبيعي. الحصول على المشورة، حيث يفضل تقديمها بحضور الزوج. تلقي المعلومات الكافية عن التغذية الجيدة والمتوازنة اللازمة للأم والرضيع. تصحيح المفاهيم والعادات والتقاليد الخاطئة ذات العلاقة بالأم والمولود. ويتعين على القائمة بالرعاية للأم النفساء ضرورة: الاهتمام بالنفساء وبغذائها من بعد الولادة مباشرة وإبقاء الوليد بجوارها بشكل دائم ودعمها نفسياً ومعنوياً للبدء والاستمرار في الرضاعة الطبيعية. الاهتمام بالنظافة الشخصية للنفساء وإلباسها الملابس النظيفة وإعطاؤها الحفاظات «الفوط الصحية النظيفة» بدلاً من قطع القماش الملوثة التي تؤدي فيما بعد إلى الالتهابات. الطلب إلى الأم النفساء أن تتأكد من إفرازات المهبل التي تكون حمراء حتى إكمال اليوم الرابع، ثم بنية اللون حتى اليوم العاشر، ثم بيضاء مصفرة حتى اليوم العشرين، والتوجه بها إلى المرفق الصحي إذا كانت الإفرازات غزيرة أو ذات رائحة كريهة. ومن ناحية التغذية يتعين على الأم النفساء ومن يتولى شؤون رعايتها خلال مرحلة النفاس معرفة التغذية المفيدة والمناسبة خلال هذه المرحلة،وأهم مايلزمها في التغذية: الزيادة من المواد البروتينة، كاللحوم بأنواعها والألبان والبقوليات والمكسرات والسكريات كالتمر والعسل، وكذلك المواد النشوية مثل الحبوب والأرز. تناول الخضروات والفواكه المغذية لغناها بالفيتامينات والعناصر المغذية،ويفضل للنفساء كذلك تناول أقراص الحديد وحمض الفوليك بعد الولادة وخلال فترة الرضاعة،فهي مهمة وضرورية لها لاسيما إذا كانت تعاني فقر الدم الناجم عن عوز التغذية. يفضل كثيراً للمرأة النفساء كي تحصل على تغذية صحية مثالية أن تتناول زيت السمك «زيت كبد الحوت» الذي يمد الأم ورضيعها بالطاقة ويفيد في نمو دماغ المولود بشكل أفضل. من باب أولى يفضل استخدام الدهون النباتية مثل الزيوت لدى إعداد وطهي الطعام بدلاً عن الدهون الحيوانية مثل السمن البلدي والزبدة. لاينصح بتناول البصل والثوم لإحداثهما تغيراً في طعم الحليب. وجوب تحري سلامة الأغذية وعدم تلوثها بالمبيدات الزراعية،لأثرها السيئ على الأم والطفل،وكذا عدم تعاطي العقاقير الطبية أو العلاجات المهدئة للأعصاب خلال القيام بالرضاعة الطبيعية إلا إذا اقتضت الضرورة وتحت إشراف طبي. تناول السوائل بكثرة بمقدار لايقل عن لترين في اليوم الواحد، مؤلفة من فنجان من الحليب وكأس من العصير الطازج والماء النقي، وعلى النفساء أيضاً الإقلال من تناول الشاي والقهوة والشوكولاتة السائلة. وختاماً .. أتوجه بالنصح للأزواج والقائمات على رعاية الأمهات في فترة النفاس بأن يحرصوا على استدعاء الطبيبة المختصة أو القابلة المدربة والماهرة ثلاث مرات على الأقل خلال فترة النفاس، لتدارك أية مشكلة قبل تفاقمها وتلافي حدوث أي مضاعفات، لا قدر الله.