الشيء الوحيد الذي اتفق عليه الفلاسفة وهم لا يتفقون على شيء تقريباً هو أن لذة الإنسان في العطاء تفوق لذته في الأخذ وهو ما عبر عنه المنفلوطي قديماً ب «لذة الإحسان» «لقد فنيت اللذات كلها ورثت حبالها وأصبحت أسأم على النفس من الحديث المعاد المكرور وبقيت لذة واحدة لا تدانيها لذة هي لذة الإحسان». هذا الشعور هو ما يجعل حتى من لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ينفقون بسخاء من أجل إسعاد الآخرين.. بل لقد ارتقوا بالعمل الخيري والاجتماعي مراقي لم نبلغها نحن المسلمين بكل أسف! «هناك جامعات أمريكية تعطي درجات الماجستير والدكتوراه في جمع التبرعات». نحن في بلد الحكمة ورقة القلوب ولين الأفئدة نجد اليمنيين بتسابقون لزرع الابتسامة في وجوه الفقراء خاصة في شهر رمضان لكن دعونا نتساءل «كمثال فقط»: لماذا يسارع تجارنا لبناء مسجد يكلف الملايين في حين يفكرون ألف مرة وربما يحجمون «بالمرة» عند بناء مستشفى خيري أو مدرسة في بلد يضج بالأميين والأمراض البدائية؟ أيهما أفضل عند الله أن أنفق على مسكين أو يتيم مبلغاً شهرياً من المال أو أن أوهله وأدربه وأساعده كي يكون قادراً على الإنفاق على نفسه ونفع غيره، وقديماً قال المثل الشرقي: «بدلاً من أن تعطيني كل يوم سمكة علمني كيف اصطاد». لما لا نفكر في اعطاء الزكاة للمصارف المعروفة ولكن لتأهيلها وتدريبها وليس لمجرد الإطعام والإلباس؟ أين التاجر الذي يبحث عن شاب لمنحه دورة في الكمبيوتر والانترنت واللغات أو الخط أو النجارة والكهرباء...الخ كما يبحث عن أسرة فقيرة لإطعامها فمعيار تقدم الدول والمجتمعات اليوم بمقدار ما فيها من معاهد للتأهيل والتدريب على الحرف والصناعات اليدوية الصغيرة ومراكز البحوث والدراسات «ونحن في الأمرين صفر على الشمال». أعرض هنا لأمر منطقي وشرعي في نفس الوقت: أعرف من يذهب للعمرة مرات ومرات، قلت له: خير لك من الحج والعمرة وأنت الذي سقطت عنك الفريضة أن تواسي بهذا المال المحتاجين والمعدمين.. قال: الحج والعمرة تلبي أشواق روحي، وسنة لا أصليها بالحرم ليست سنة من عمري! قلت إذاً هي أشواق الروح وطلب المثوبة والأجر! رحم الله عمر بن عبدالعزيز حين قال: «لأن أشبع بطناً جائعاً أفضل عند الله من كسوة الكعبة». كيف نصل بهذا- وأمثاله ما أكثرهم أن يوازنوا بين أشواق روحية وضرورات اجتماعية وإنسانية وتنموية إذا كان لم يقتنع بالتنازل عن عمرته العاشرة على التوالي من أجل بطن جائع فكيف يفقه ومتى «والمجتمع من ورائه» أن تدريب وتأهيل الفقراء والأيتام صدقة عند الله وربما أفضل أجراً وأعظم أثراً من إطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام ولو كان في المسجد الحرام. وأنا ادعو هنا الجمعيات الخيرية المصرح لها رسمياً والتي يظهر نشاطها في رمضان أن تولي هذا الجانب اهتماماً ولقد شعرت بسرور وفرح وأنا أرى «دار رئيس الجمهورية لرعاية وتأهيل الأيتام» والتي تشرف عليها جمعية الإصلاح الخيرية.. والتي تنتظم إداراتها إدارة لتنمية المشروعات الصغيرة، هذه وغيرها من الأعمال الخيرية هي المطلوبة اليوم لتنمية البلد وتأهيل أبنائه وليتحول فقراء اليمن من عاجزين وطالبي مساعدة واحسان إلى محسنين وأصحاب حرف ومهن.