أقرت الجامعة العربية في اجتماع وزراء الخارجية العرب أول جمعة من كل إبريل في كل عام يوماً للاحتفاء باليتيم العربي ورغم تنافس الكثير من الجمعيات والمؤسسات الخيرية للاحتفاء باليتيم في هذا اليوم إلا أنها عجزت أن تشرك المجتمعات في هذا الاحتفاء .. فالعمل الخيري والاجتماعي في الوطن العربي يعاني أزمة حقيقية، ومنظمات المجتمع المدني عموماً تفتقد المؤسسية ومصابة بداء النخبوية، ويظهر أن سلبية المجتمعات العربية تجاه المشاركة في القرار والفعل السياسي انسجت على مشاركتها في إدارة الحياة عموماً فغابت حتى عن المشاركة في العمل الاجتماعي. وإذا كان 90 %من أبناء الشعب الكندي البالغين يشاركون في أعمال طوعية تنظمها أمثال هذه المنظمات المدنية، والرئيس الأمريكي الأسبق (كلنتون) بعد تسليمه مفاتيح البيت الأبيض اتجه لتأسيس وإدارة مؤسسة خيرية، وكثير من الجامعات الأمريكية والأوروبية تعطي درجات الماجستير والدكتوراه في جمع التبرعات والبناء بعد الكوارث .... إلخ.. فماذا يمكن أن نقول عن العمل الخيري المؤسسي في الوطن العربي والذي مازال يحبو في مجتمعات هي الأخرى لا تجيد سوى الحبو علمياً وفكرياً وإدارياً. ولذا لا تجد مقارنة في إغاثة المنكوبين في أي بقعة عربية ، بين ما تقدمه المؤسسات الإغاثية الغربية وما تقدمه المؤسسات الخيرية العاملة في نفس الوطن العربي المنكوب . وهمّ آخر يضاف إلى هموم العمل الخيري في الوطن العربي؛ فالمؤسسات الخيرية بعمومها مازالت تعتبر جوهر عملها هو إعالة الأيتام والفقراء ولذا هي تنفق على ذلك عشرات أضعاف إنفاقها على تنميتهم وتأهيلهم، متناسية – والمجتمع من ورائها – ان التخفيف من الفقر لا يكون بإعطاء الفقير أو اليتيم مبلغاً مالياً شهرياً لأنه والحال هذه سيظل الفقير على فقره رغم الإنفاق الشهري عليه. عطالة الفكر تؤدي بالضرورة إلى عطالة اليد، والأفكار من أهم الموارد البشرية ومادام المنفق لدينا – تاجراً أو مؤسسة خيرية – يرى أن بناء مسجد - مثلاً – يقربه إلى الله أكثر مما لو بنى داراً للتعليم والتأهيل والتدريب وأنه لو أطعم يتيماً أو فقيراً أفضل مما لو علّمه وأهله إدارياً أو حرفياً فإننا سنظل نراوح مكاننا، فقراء... فقراء ... يمدون أيديهم فحسب . نبي الرحمة ومؤسس الحضارة الإسلامية عندما جاءه متسول يمد يده العاطلة عن العمل حوّل هذه اليد إلى يد فاعلة بانية .. ومنفقة عما قريب. توزيع الأبقار الحلوب على المزارعين، وآلات الخياطة على الأرامل، وتأهيل الأيتام في مهن وحرف مختلفة، إلخ هي أجدى من وجهة نظري – نظري ستة على ستة ولله الحمد !!– وأنفع لهم وللمجتمع من مجرد الإعالة الشهرين التي لا تكاد تسد رمقاً. وللشافعي هنا فتوى جديرة بالتأمل ؛ فهو يحبذ أن تعطى الزكاة للفقير أو اليتيم بطريقة تضمن له استمرار عيشه، فإن كان نجاراً تعطى له أدوات نجارة أو حداداً أدوات حدادة، أو خياطاً آلة خياطة، وهكذا ومن هنا كانت الفتوى بإسقاط الزكاة عن أدوات وآلات الانتاج بينما غيرها تجب فيها الزكاة تشجيعاً للتنمية والصناعة والانتاج. خدمة المجتمع وتنميته اليوم لا تتطلب من مؤسسات العمل الخيري أن تشبع بطن اليتيم أو الفقير فحسب، بل أن تساعده حتى يُشبع بطنه بنفسه (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً).