إن الذي ينظر إلى مقاصد زواج النبي «صلى الله عليه وسلم»، يرى الإنسانية تتجلى في أعلى مراتبها، فلم يكن زواجه بأم المؤمنين خديجة «رضي الله عنها» إلا زواجاً تزفه المودة والرحمة، فقد تزوجها وهي بنت أربعين سنة في حين لم يتجاوز عمره الخامسة والعشرين، ثم لم يجمع معها في حياتها أخرى، وهو في أوج شبابه وقوته، فقد أحبها حباً شديداً، فكانت حياته معها حياة هانئة سعيدة موفقة في هذا العش الآمن والبوتقة المباركة. ومضت الأعوام تلو الأعوام والحياة تغشاها المودة عند هذين الزوجين، حتى بلغ رسول الله «صلى الله عليه وسلم» سن الأربعين، وقد كانت خديجة زوجة واثقة بصدق الحبيب، فوقفت معه تلك المواقف الشديدة تطمئنه على ان الله لايخزيه أبداً لما رأت منه الصدق والوفاء والأمانة، ولم ينس النبي الزوج «صلى الله عليه وسلم» مواقفها الرائعة حتى بعدوفاتها، فكان يتذكرها دائماً، لأنها سكنت في قلبه، ولم يذهب ليتزوج بأجمل النساء، وإنما تزوج بسودة بنت زمعة، سيدة كبيرة أرملة، وهذا من أروع الدلالات على أن النبي «صلى الله عليه وسلم» لم يتزوج بمقصد قضاء شهوته، كما يتغنى بها أعداؤنا، بل تزوج ليجد السكن في بيته والرحمة في حياته، والمودة مع زوجاته أمهات المؤمنين. ثم تزوج عائشة «رضي الله تعالى عنها». وهي حديثة في السن، وقد استطاع أن يحتوي حداثة سنها، ويرفعها إلى مستوى علمه، فكان يداعبها ويناديها.. ياعائش، ويضع اللقمة في فمها، ويشرب من الإناء الذي شربت منه، فترك لنا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» من ذكرياته الحلوة، معاني في الرومانسية، التي تجدد أبجديات الحياة، وكان «صلى الله عليه وسلم» يمارس مع زوجته عائشة «رضي الله عنها» الرياضة، فتسابقه ويسابقها ثم يضحك «صلى الله عليه وسلم»، وكأن وجهه هلال رمضان، الذي ينبلج بالخيرات والنفحات، وهذا المشهد أكبر دليل على شفافية الإسلام، ومرونة تعاليمه السمحة، فقد بعث الله نبيه «صلى الله عليه وسلم»، ليكون رحمة للعالمين، فما على الزوجين، إلا أن ينهلا من معين الحبيب المصطفى «صلى الله عليه وسلم»، أسرار الرحمة والمودة. وكان من مقاصد زواجه «صلى الله عليه وسلم»، إلغاء التبني، فتزوج بزينب مطلقة زيد بن حارثة «رضي الله عنها»، التي فيها نزل قول الحق سبحانه وتعالى : «وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لايكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولا» «الأحزاب /73» وهو زواج يدل على نبوته وعلى فضائله «صلى الله عليه وسلم». فقد يتزوج «صلى الله عليه وسلم » المرأة تأليفاً لقلب عدو له، كما تزوج أم حبيبة تأليفاً لقلب والدها أبي سفيان، وقد يتزوج المرأة الأرملة شفقة عليها وحفظاً لأولادها وإكراماً لزوجها الذي استشهد في سبيل الله، كما تزوج أم سلمة زوجة الصحابي الشهيد أبي سلمة «رضي الله عنهما»، وقد يتزوج المرأة إكراماً لصديق وتوثيقاً لعلاقته به، كما تزوج عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر «رضي الله عنهم وأرضاهم جميعاً». لقد كان رسول الله «صلى الله عليه وسلم» زوجاً وفياً بأخلاقه العظيمة، وزوجاًحليماً بأقواله الحسنة، وزوجاً معلماً برسالته العالمية، وزوجاً كريماً بابتسامته اليانعة وكلماته الساحرة، وزوجاً تقياً مع زوجاته في حياته الزوجية. خطيب وواعظ ومستشار في العلاقات الأسرية.