قال وكيل وزارة الأوقاف والإرشاد لقطاع الحج والعمرة الشيخ حسن عبدالله الشيخ أن الزكاة لا تستثمر إلا بعد أن تسد الحاجة الضرورية للفقراء، وأنها شرعت لتكون بمثابة معالجة للحالة الاقتصادية في مجتمع يجب أن تسوده القيم والأخلاق وتسوده المودة والمحبة”. وأشار في حوار أجرته معه وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) إلى أنه في الوقت الحاضر تغير نمط التعامل مع الزكاة حتى لا تصبح فقط إعاشة وإعالة آنية ينتهي مفعولها بانتهاء إخراج الزكاة، منوها أن هناك من الفقهاء والعلماء من سلك مسلكاً آخر، وهو التعامل مع الزكاة كجانب استثماري يبقى أو يمتد أثره إلى العام بأكمله أو إلى سنوات قادمة أو إلى مكان غير المكان الذي أخرجت فيه. بداية ما هو المقصود باستثمار الزكاة؟ استثمار الزكاة معناه انه بعد أن تسد الحاجة الضرورية للفقير تستثمر وتنمى حتى يكون لها ريع يعود ثماره على الأصناف التي ذكرها الله عزوجل في قوله” إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم”. فإستثمار الزكاة ينبع من خلال نظرة واقعية، أن المال يجب أن يتحرك ويدور ويكون له اسهام في مجال التنمية الاقتصادية بحيث يكون مردود تشغيل الزكاة على أيدي كثيرة عاطلة وعلى التنمية الاقتصادية وعلى الفقراء وذوي الاحتياجات، حينما يكون توزيعها قائماً على أساس خطط وبرامج تحدد طبيعة التعامل مع هذه الفريضة . ما هو الحكم الشرعي لاستثمار الزكاة؟ من الامور المسلمة أن الحكم الشرعي يدور مع المصلحة وجودا وعدما ، فإذا ما وجدت المصلحة وجد الحكم ، فإذا ماكانت المصلحة فثم شرع الله اذا ما حقق الاستثمار عوائد وثمار تعود ريعها على ذوي الحاجات، فالحكم الشرعي إن لم يكن الاستثمار واجبا فهو مستحب ، فإذا وجدت العلة التي تحدد طبعية الأثر وطبعية الثمرة المتوخاه من الاستثمار فالحكم يدور مع هذه العلة ، ومن المعلوما أن المال إما أن يدور فيكون له ريع وثمار وإما ان يجمد ولا يكن له ريع ولاثمار ، وكما هو معلوم في الوقت الحاضر كلما تحرك المال ، كلما كانت الفوائد والثمار راجعة الى اكبر مساحة وعدد من الناس باعتبار أن تشغيل المال يبدأ بتشغيل وينتهي بمن يستفيد منه. هل هناك شروط لإستثمار الزكاة ؟ لاتستثمر الزكاة إلا بعد أن تسد حاجة المحتاجين ،وأن يكون الاستثمار في المجال المباح والحلال ، ولايجوز أن تستثمر الزكاة في جوانب ربوية أو في سلع محرمة أو في جوانب استثمارية فيها نوع من الحلال أو الحرام ، فهذا مال الله والأصل أن يوضع كما أخذ من وجه الحلال في الأماكن الحلال . من يجوز له إستثمار الزكاه ؟ الأصل أن الزكاه تنشأ لها هيئة أو مصلحة أو أي مسمى، تكون تحت إشراف الدولة لأن الله تعالى يقول” خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم “ ، فالزكاة تطهر النفوس وتزكي الأرواح وتنمي الأموال ، والأصل أن يأخذها ولي الأمر لأنه أعرف بكيفية التعامل معها أخذا وعطاءً ، أو الجهة التي تعين من ولي الأمر إن كان هناك من ولاة الأمر من يأخذها، أما اذا لم تؤخذ وقام مجموعة من التجار أو مجموعة من الناس على جمع الزكاة وعلى استثمارها فهذا خير إذا لم يكن هناك ولي أمر يأمر بجمعها، لأن استثمار الزكاة لا يمكن ان يحقق ثمار طيبة ويانعة الا إذا كانت هناك رؤية صائبة بكيفية الاسثمار ومجالات الاستثمار ومن الذي يشرف على الاستثمار والثمار المتوخاه من ذلك، ولا يمكن أن يحقق ذلك فرد بعينه، ولابد ان يشترك فيه أكثر من جهة وهذا لايتحقق الا عن طريق ولاة الأمر . هل يعطى القائمون على استثمار الزكاة من الزكاة؟ لاشك أن الاستثمار كهيئة أو كشركة أو كمؤسسة سوف يكون هناك هيكل إداري وطاقم بشري ومجموعة من النظم والقوانين تنظم هذه المؤسسة، هذه الشركة او الهيئة، لابد ان تكون هذه المجموعة من البشر منقطعة لهذا العمل، فحكمها حكم العاملين عليها ، وهي صنف من الاصناف الثمانية الذين ذكرهم الله عز وجل “ والعاملين عليها” فإذا ما تفرغوا للعمل، وكما تقول القاعدة الفقهية “من احتبس شخصاً فعليه مؤنته” ولا يمكن أن يفرغ شخصاً للعمل دون أن يأخذ ما يسد حاجته، وحكمها أو حكم هذه الجهة المستثمرة للزكاة كحكم غيرها من المؤسسات أو الشركات . ماهي المجالات التي يجوز فيها الاستثمار؟ المجالات متعددة ومتنوعة في الزراعة او الصناعة او التشغيل أو التصنيع كل مجال فيه فائدة وثمرة تستثمر فيه الزكاة ، واصلاً أن يكون مجال الاستثمار حلال ، وقد وجدنا ان بعض الدول العربية تستثمر الزكاة واصبحت الارباح بالملايين ، بل بالمليارات وهذه الارباح ستعود بالفائدة على أكبر عدد من الفقراء والمحتاجين وايضا يتعدى نفعها الى بلدان أخرى، لاسيما ونحن نعايش حاجة الناس في أكثر من بلد سواء بسبب المجاعة او بسبب الفيضانات أو الحروب والتشرد ، فمن لهولاء إن لم يكن هناك جهة تؤيهم وتنفق عليهم. واقول ايضاً ان الزكاة من حيث التشريع الرباني لو طبقت على ما يريده الله عز وجل لغطت حاجة المحتاجين ، إن هناك مليارات الان مدخرة سواء للجهات الرسمية او الجهات التجارية او الشخصية هذه المليارات لو أن الزكاة أخرجت منها لغطت مساحة كبيرة من الفقراء، ولما بقي فقير. ولقد جاء زمن في أيام عمر بن عبدالعزيز ان الزكاة صرفت على الفقراء حتى لم يوجد فقير، فسدت حاجة المدينين ثم زوجت الشباب ، تعددت منافع الزكاة ، واختفى الفقراء من البلد الاسلامي ، حينما كان هناك تدافع واخلاص ونية صالحة لاخراج الزكاة دونما إكراه من انتقاص لها بل كان الواحد يخدمها على أساس انها عبادة وان هذه العبادة رقيب الانسان فيها هو الله عز وجل كرقيبه في الصلاة والحج والصيام. ما دور الزكاة اقتصاديا ؟ حينما تنظر الاصناف الثمانية والجهات التي تسير حاجتها الزكاة فإننا نجد أن هناك مساحة واسعة تغطيها الزكاة إذا ما اخرجت الزكاة وتعاملوا معها من خلال تغطيتها للجوانب التي ذكرها الله عز وجل لوجدنا انها تحد او تسهم في سد مجال واسع تجعل الجهات المسؤولة تتعامل مع الدعم ما يسمى بالدخل القومي او الدخل العام في مجالات أخرى ، فتكون الزكاة قد أدت دوراً كبيراً وعظيماً وسدت حاجة شرائح عدة من المجتمع او شريحة واسعة من المجتمع ، اضافة إلى انها لو استثمرت لكانت ثمارها وعائداتها وفوائدها اكبر واعظم مما اذا أنفقت لأن الاصل في الزكاة انها ليست فقط إعاشة يأكل الانسان ويشرب وكفى . وقد وجدنا في بعض البلدان ان الزكاة تعطى للفقراء على شكل قروض بدون فوائد هذه القروض تحقق لهم عائد مادي، إذ تستثمر في تربية حيوانات ومشاغل أو مكائن الخياطة، بعد سنوات يقوم الذي اقترض بتسديد قرضه ثم بعد ذلك يبدأ يزكي فينتقل من حالة الفقر إلى حالة الغنى، هذه هي الطريقة السليمة، وهي التي يمكن أن تحقق الزكاة من خلالها الحكمة الربانية من شرعيتها وحتى لانجعلها فقط لوزارة الشؤون الاجتماعية، تعطي في أخر كل شهر مبلغ من المال ليأكله الفقير. فالزكاة تشغل اليد هذه عن طريق القرض أو عن طريق توفير مايسمى بطرق الاستثمار التي من خلالها ينتقل الشخص الفقير إلى حالة الغنى الى حالة إعطاء الزكاة وإخراجها . بنظركم، ماذا لو طبق الاقتصاد الإسلامي في حياتنا المعاصرة؟ من خلال ماكتب عن الاقتصاد الاسلامي سواء من جهات إسلامية أو غير الاسلامية نجد انهم ينظرون الى الاقتصاد الاسلامي بأنه المنقذ للبشرية جمعا، لانه بعيداً عن الطمع والجشع والانانية والأثرة والاستئثار بالمال، فالاقتصاد الاسلامي يحقق العدالة ويحقق التنمية والمردودات الايجابية ويشغل الايدي العاملة ويتيح مجالات عدة للاستثمار ، الآن الاقتصاد الاسلامي لاينظر الى الربح ، لكنه ينظر الى توسيع دائرة حركة المال وتوسيع دائرة حركة المال معناه تشغيل اليد العاطلة ، معناه عوائد مالية وتحريك لهذا المال، اما الاقتصاد الربوي يقوم على اساس الربح عن طريق القرض الذي يجر منفعة وكل قرض يجر منفعة فهو ربا كما هو معلوم في الفقه الاسلامي، وايضا يكون فيه استئثار مجموعة بسيطة من الناس يكون لها رأس مال تحرك هذا المال لا عن طريق التنمية ولا المساهمة في الإعمار ، لكن عن طريق القروض الربوية وسواء استفاد هذا الذي اخذ القرض او لم يستفد فالبنك يأخذ ماله مع العائد المادي واحيانا قد تكون العوائد المادية تتعدى رأس المال المسلم الى المدين وهذا هو واقع الشعوب . عموماً الدول المقرضة للشعوب النامية نجد ان الفوائد الربوية تجاوزت رأس المال الذي اخذته تلك الدول واصبحت ترزح تحت تلك القروض وأصبح المردود المالي او مايسمى بالدخل القومي لايفي بالفوائد الربوية على القروض، نجد ان كثيراً من علما الغرب يشيدون بالاقتصاد الاسلامي لانه يحقق العدالة الاجتماعية فهو مال متحرك وليس جامد وليس محتكراً لجهات معينة ، ولهذا بدأوا يفتحون ما يسمى بالنوافذ الإسلامية في البنوك الربوية بالتعامل الإسلامي.