حين عرض المسلسل السوري الكبير ( أهل الراية ) قبل عامين بدا واضحاً أن التنافس على أسواق العرض قد اشتد بين منتجي الدراما السورية التي ارتفعت أسهمها في السنوات القلائل الماضية . وبعيداً عن مفاهيم السوق والتسويق والعرض والطلب أحسب أن التنافس الشديد يصب في مصلحة الأعمال الدرامية في سعيه لاستقطاب أكبر نسبة من جمهور المشاهدين عبر البحث عن الجديد في الفكر والمضمون والمعالجات الدرامية . وقد استطاع (أهل الراية) بجزئه الوحيد أن يلفت أنظار المشاهدين و(يخطف الأضواء) كما يقول أهل السينما من (باب الحارة) بأجزائه المتعددة . ذلك ما يوحي به إعادة عرض المسلسل المذكور- دون كلل أو ملل لحد الآن - على مختلف الفضائيات العربية . (أهل الراية) الذي كتبه أحمد حامد وأخرجه علاء الدين كوكش لا يختلف كثيراً من حيث الجوهر عن (باب الحارة) في تناوله للزمان والمكان والمحيط الاجتماعي . فالحارة الدمشقية التي تكلمنا عنها سابقاً في حديثنا عن (باب الحارة) بأزقتها الضيقة الأليفة ودكاكينها المتلاصقة وحلاقها وحارسها وشيخها ودايتها وأراملها هي هي لم تتغير تقريباً مما يؤكد إصرار الجهات المنتجة على الالتصاق بهذه الأجواء الحميمة (والتي أصبحت مألوفة لدى المشاهد العربي بشكل عام) كمعين خصب يحظى بقبول جماهيري واسع . وإذ يلجأ (باب الحارة) إلى التاريخ السياسي ويوظفه في سعيه الى أن يكون عملاً تاريخياً ملحمياً فإن (أهل الراية) يركن الى التاريخ الاجتماعي وحده دون إغفال الإشارة التوثيقية البسيطة التي نفهم منها أن أحداث المسلسل تدور في الأعوام الأخيرة من القرن التاسع عشر متمثلة بزيارة إمبراطور النمسا إلى بلاد الشام (الخاضعة للدولة العثمانية) والعفو العام الذي يصدره ( وزير الشام ) . يستند المسلسل الى القصص الشعبي المتداول الموروث ويؤسس عليه عدة حبكات ثانوية فرعية يمسك الكاتب بخيوطها جميعاً بمهارة ثم يجعلها تلتقي جميعاً عند الحبكة الرئيسية : زعيم الحارة وراعيها سلطان أبو الحسن (الفنان جمال سليمان) يقرر الزواج ثانية بعد وفاة زوجته الأولى فيتزوج الأرملة دلال (الفنانة كاريس بشار) التي تفشل في الإنجاب وتعاني كثيراً من عقدة العقم فتحقد وتتخلص من ابني الزعيم ثم تلفق تهمة الزنا للابنة بمساعدة الداية (الفنانة منى واصف) التي تعترف فيما بعد وهي على فراش الموت بأنها ساعدت زوجة الزعيم بتلفيق التهمة للبنت البريئة من أجل المال . هنا تبلغ المعضلة ذروتها ويهبط الخط البياني للأحداث تدريجياً باتجاه الحل السعيد فيستعيد الزعيم ابنه المتبقي وابنته وينتهي الحال بالزوجة الى النبذ ثم الجنون . . يزدحم المسلسل بالنجوم الذين غادروا باب الحارة وغيرهم مثل رفيق سبيعي وعبد الرحمن آل رشي وسليم كلاس وهدى شعراوي وحسام تحسين بيك وأيمن رضا وقصي خولي كما نشاهد الراحل ناجي جبر في أحد أهم أدواره الأخيرة والذي يكرر فيه الشخصية التي أحبها منه الجمهور طيلة سنوات مسيرته الفنية : شخصية (القبضاي) الطيب الظريف (نمر في هذا المسلسل) . يكرر المسلسل التأكيد والإشادة بالقيم الايجابية لدى أبناء الحارة من بطولة وشهامة وكرم وعفو وتكافل ونخوة كما يقف مليا عند مفردات الحياة اليومية في الحارة وحرفها الشعبية التقليدية ليقدمها للمشاهد بصورة بهية صادقة تخلو من التكلف والمبالغة .