ركنت سيارتي أمام مقر عملي، وبقيت خلف المقود ساكناً لا أتحرك وبعد برهة تملكتني رغبة في أن أخرج لأتمشى قليلاً فما كان مني إلا أن حللت عقدة رباط العنق وقذفت بها إلى المقعد الخلفي ثم نزعت الكوت وبعجلة كورته ثم رميت به إلى المقعد الذي بجانبي.. أغلقت باب السيارة ثم أخذت أدب على الأرض دباً، ثم مشيت بخطوات متقاربة قبل أن أبدأ في رفع «زيادة» سرعة سيري حتى بدأت أهرول، لم أكن أقصد جهة معينة بل استجبت لهوى في نفسي.. ربما تكون فورة نشاط مفاجئ ربما هي الرغبة في «التسكع» ربما وربما.. أخذت أغذ السير بغير هدى وبعد مايقارب الساعة وجدت نفسي أنعطف مع انعطاف الشارع في الطريق الصاعد إلى جولة الخط الدائري، وبينما أنا شارد لا ألقي بالاً إلى ما حولي إذا بي قد اقتربت دون أن أشعر من المجمع التربوي العملاق الكائن على تقاطع الطرق مع الخط الدائري الذي يمتد بعرض ستين متراً أمام سفح الجبل المهيب، وإذا بي ألاحظ أعداداً من التلاميذ والطلبة يسيرون فرادى وجماعات وهم نصف حفاة لم أنتبه للوهلة الأولى إلى أن جميعهم يرتدون فردة حذاء «واحدة» في الرجل اليمين أو الشمال والرجل الأخرى «بدون حذاء»، أي أن كل طالب «يبرطع» بحذاء واحد و«يركز» بالرجل الأخرى بدون حذاء، فركت عيني عدة مرات ثم أعدت النظر وتأكدت بأن ما أراه صحيحاً وليس وهماً أو حلماً، عرجت على أحد المقاعد الخشبية المنصوبة على الرصيف المبلط الفسيح أمام المجمع التعليمي الشامخ وأخذت أرقب «الشباب» «الجيل الصاعد» وهم يمرون من مسافات قريبة من أمامي وأرجلهم «تقرع» البلاط قرعاً بحذاء واحد «فردة واحدة برجل يمين أو شمال»، لم أفهم سر الظاهرة في البداية كانت مفاجأة.. نعم وارتفع فوق هامتي سؤال حائر «أيش حصل ياجماعة الخير»؟ أخذت الظنون الأفكار تتحشد في مقدمة رأسي «لعلي، ربما، أخشى أن».. وفجأة اقترب مني تلميذان مهذبان وبأدب جم سألاني أية خدمة ياعم؟ هل أنت بحاجة إلى مساعدة؟ هل أضعت شيئاً «ما شاء الله الدنيا مازالت بخير».. رددت عليهم ياشباب أنا في دهشة حقيقية لماذا تسير أنت وزميلك بحذاء واحد؟ أين الحذاء الآخر؟ وما الغرابة ياعم؟ إنه نوع من العقوبة المستحدثة في مدرستنا الحميدة!! لقد احتجز المدير ومساعدوه فردة حذاء واحدة عن كل طالب تأخر عن طابور الصباح وسمحا لنا بالاحتفاظ بالحذاء الآخر.. عجيب.. انصرف التلميذان لشأنهما وعدت أنا بواسطة المواصلات العامة إلى موقع سيارتي وأنا بين مصدق ومكذب.. لقد ظفرت أخيراً بلحظة تاريخية وهي أني كنت أول من شاهد هذا التطبيق المبتكر «لمبدأ الجزاء بحجز الحذاء».