الدراما مرآة الحياة ,لا شك في ذلك . وان عامل الإثارة والإمتاع فيها الذي يشد المشاهد إلى متابعة العمل الدرامي إلى نهايته يكمن في مدى محاكاتها للواقع المعاش ومقدار اقترابها وملامستها وتمثيلها للتجربة الإنسانية وتفاصيلها اليومية. ولا شك أيضا أن معاناة الطفولة المشردة تشكل مظهراً جلياً واضحاً للعيان من إفرازات الواقع الاجتماعي المرير نستطيع أن نلحظه حولنا يومياً بيسر ودون عناء باعتباره أحد الانعكاسات الطبيعية لظاهرة الفقر المدقع الذي تعاني منه آلاف بل ملايين الأسر في مجتمعاتنا العربية . بل إن خطف الأطفال وبيعهم وتهريبهم واستغلالهم وتشغيلهم بات من الأخبار المألوفة في صحافتنا والتي لا نتوقف عندها كثيرا . وقد عالجت الدراما المصرية هذه الثيمة الخطيرة المستلة من حياة الشارع المصري وسلطت الكثير من الأضواء على الظاهرة المسماة ( أولاد الشوارع ).في عدد لا بأس به من العمال الدرامية والسينمائية . وآخر تلك المعالجات ما رأيناه في الجزء الأول من العمل الدرامي ( حكايات نعيشها ) والمعنون ( هالة والمستخبي ) الذي كتبه حازم حديدي وأخرجته مريم أبو عوف والذي عادت فيه الفنانة ليلى علوي بقوة الى الشاشة الصغيرة بعد انقطاع دام عدة سنوات . الثيمة مكررة كما أسلفت لكن المعالجة جديدة وجريئة إلى حد كبير . تمتد حكاية هالة ( الفنانة ليلى علوي ) على مدى خمس عشرة حلقة فهي إذن نصف العمل أما النصف الآخر فيحمل عنواناً آخر لقصة أخرى كتبها كاتب آخر وأخرجها مخرج آخر ( وسنحاول تناولها في هذه الزاوية لاحقا ) . يتفق زوج هالة ( الفنان باسم سمرة ) مع الطبيب الذي يجري لها عمليات الولادة ( الفنان محمد رمضان ) على بيع أولادهما التوائم في الوقت الذي تكون فيه هالة تحت تأثير المخدر . تكتشف هالة الأمر ( عن طريق اعتراف الممرضة ) بعد أن يكون زوجها قد عقد ثلاث صفقات بيع على مدى عدة سنوات فتهجر زوجها وتقرر البدء بمعركة استعادة أولادها الواحد بعد الآخر بمساعدة العم رمضان ( الفنان أحمد راتب ) وآخرين . وخلال رحلة البحث والتحري يتكشف لهالة - وللمشاهدين - الكثير من خفايا تجارة بيع الأطفال والشبكات السرية المنظمة التي تدير الصفقات وتشغل الأطفال وتنتهك طفولتهم انتهاكا بالغا في أعمال نصب واحتيال وشحاذة مقرونة بسرقة وبلطجة وتعاطي مخدرات ودعارة مقل، تلك الشبكة التي تديرها حب الرمان ( الفنانة سوسن بدر ) . لا يقدم المسلسل حلاً مثالياً متخيلاً للمشكلة الخطيرة بل يستند مرة أخرى إلى مرجعية الواقع المعاش ومعاناة الأسر الفقيرة , فالمشكلة لم تنته بعد ولم تعالج من جذورها ولا يزال سوق بيع الأطفال قائما وإذ نجحت هالة في استعادة بعض ابنائها ( آخر أبنائها المفقودين رحل مع الأسرة الجديدة إلى خارج مصر ) فإن الكثير من الأطفال لا يزالون ينتظرون من يبحث عنهم ومن يردهم إلى أسرهم وينهي معاناتهم أو من يقدم لهم يدا بيضاء . وإذ تضم هالة أحد هؤلاء الاطفال الى أسرتها وتعتبره ابناً لها فإن مؤسسات المجتمع مطالبة بأن تضم العدد الكبير المتبقي وتعيد تأهيلهم واندماجهم في المجتمع كأسوياء . وهذا الحل المقترح هو بالضبط ما تحاول أن توحي به النهاية المفتوحة لحلقات المسلسل . فتشرع هالة في رعاية أبنائها مع الأطفال الآخرين الذين استعادتهم والذين تسعى إلى استعادتهم وتدعو إلى النظر بجدية لمعاناة الأطفال في الشوارع من حولنا . أما زوج هالة فيلفظه المجتمع ويزدريه وحتى أمه ( الفنانة رجاء حسين ) تأبى أن تغفر له جريمته النكراء ( جريمة بيع أطفاله ) بذريعة الحاجة للإنفاق على بقية أطفاله . وينتهي به المطاف طريداً عاجزاً على سرير في المستشفى يطلب المغفرة من الجميع و من هالة التي تسامحه عن حقها الشخصي لكنها لا تستطيع أن تجعل أطفالها يغفرون له أو حتى أن يذكروه كما يذكر الآباء . مثل هذه المعالجة الدرامية الشيقة حققت للمسلسل نسبة مشاهدة عالية نسبياً وجعلته من المسلسلات التي تلتف حولها العائلة بشوق وفضول كبيرين .