الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    مجلي: مليشيا الحوثي غير مؤهلة للسلام ومشروعنا استعادة الجمهورية وبناء وطن يتسع للجميع    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قلعة صيرة.. عنوان الشموخ التاريخي
لعبت دوراً دفاعياً من الغزوات الأجنبية
نشر في الجمهورية يوم 02 - 12 - 2009

صيرة تقف على عتبات الجزيرة وهي صخرة عملاقة قبالة جبل المنظر وعلى قمتها شيدت قلعة قديمة قدرها العالم الروسي (السوفيتي) سيرجي سيرنيسكي للقرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين.
وتفتقر المصادر العربية والتراثية على ذكر«صيرة» كقلعة بالرغم من ان هناك الكثير من الاشارات وباختصار عن تاريخ الجزيرة بصفة عامة.
ولوعدنا الى معجمات اللغة في تعريف التسمية صيرة التي اطلقت على الجزيرة كلها بما في ذلك القلعة والذي اختلف كثيراً الباحثون المحليون في تعريفها.
فقد ذكر صاحب «تاريخ عدن وجنوب الجزيرة العربية» وله السبق في تناول مثل تلك الموضوعات، ثلاثة حلول للتسمية:
اولها: ان المستعمرين البرتغاليين اطلقوا اسم «سيرة» والتي تعني لهم الجبل على هذه البقع.
ثانيها: ان الهنود وبحكم العلاقات التجارية وماقامت به عدن من دور كميناء هام كانوا يسمون عدن «سيرة سيت» ولعلها اشارة الى اسطورة رأس الجني «راون» الذي يسكن السلسلة الجبلية الممتدة من جبل التعكر «جبل حديد حالياً».
ثالثهما: أن صيرة بالعربية تعني السمك الصغير أو الساردين أو الشقوق والكهوف.
مع العلم بأن صيرة مليئة بسمك «العيدة» وهذا السمك يكثر في سواحل حضرموت بل ان موطنه الأصلي هو ساحل «الشحر» ولكن هناك بعض من الصيادين الماهرين والمؤكدين ان نوع آخر من السمك يسمى «الليه» هو كثير الشبه بالعيدة وينتشر في جزيرة صيرة وهو أصغر من العيدة.
وتفيد ايضاً المعاجم العامة والمتخصصة وتبين أن لفظة «صيرة» تعني أولاً الصحناءة أو الصحناء وقد اطلقها «احمد تيمور» وحدة على السمك المملح وليست على السمك في حالتها الطبيعية.
والصير بمعنى الشق لانطلقها على الشقوق والكهوف البحرية، حيث ورد في الحديث النبوي « انه من نظر في صير باب وفقئت عينه فهي هذد» ووردت في هذا المعنى في كل المعاجم.
فمثلاً وفي معاجم مختلفة ذكر «ياقوت الحموي» ان «صيرة» هي حضيرة تعمل للغنم تبنى من حجارة وقد تقام من خشب أو اغصان. والمعروف، كما يذكر المؤرخون، ان اهل عدن كانوا يأخذون في القرون الماضية (سبعة ثيران) ويذهبون بها الى جبل صيرة حيث تبقى هناك حتى مطلع الفجر فيذبحون واحداً منها على سبيل التضحية، فلعلهم بذلك كانوا يحفظون هذه الثيران في تلك الحضائر ويكون سابعها التضحية بالمحافظة على سلامتها فكانوا يطلقون على هذه الحضيرة صيرة وقد سمى المؤرخ بامخرمة هذه العامة ب«ضحية الجبل» ويقول بانهم كانوا يقومون بذلك ايضاً قرباناً للارواح الشريرة التي قد ربما تعبث بمزارعهم عن طريق او حسب زعمهم عبر امواج البحر او لتعرقل سير السفن بينما الحقيقة هي ان «الرياح الموسمية» التي تهب في موسم الشتاء هي التي تعبث وتعثر السفن في شواطئ صيرة.
وهناك من المؤرخين من يشير الى مواضع وجزر اخرى تسمى ب«الصير» منها «صير ابو نصير» وهي جزيرة بين دبي وجزيرة «داس» وصير «بني باس» وهي قريبة من ساحل ابوظبي وصيرات وهي تبدو على ساحل ايران.
وبالرجوع الى هذه التسميات والتعليلات آنفة الذكر وبطبيعة مواقع هذه الجزر وايجاد تعليل لهذه التسمية نجد ان الاقرب الى الصواب في لفظة صيرة مصطلح بحري «للصخرة» فالبحارة حينما يرسون في مرسى فيه صخرة او جبل يقولون «هذا موس في صيرة» وصارت الجبل عند البكري رأسه.
تكثر مثل هذه المصطلحات في المصنفات البحرية واختفائها في المعاجم ويعزو «احمد رضا» اصول هذه اللفظة في معنى معانيها الى «عاد وارم» وهذا ما يؤكد جذورها في اللهجات اليمنية القديمة المندثرة.
قلعة صيرة
من ابرز القلاع وحصون مدينة عدن القديمة التاريخية وقد لعبت القلعة دوراً دفاعياً في حياة المدينة، حيث ومن خلالها تشكلت التحصينات الدفاعية في الجبل وتم صد الكثير من الهجمات والغزوات التي سعت للسيطرة على المدينة حتى صارت رمزاً للصمود امام هجمات الغزاة والطامعين والسيطرة على الميناء كان آخرها الملحمة البطولية التي يرويها لنا التاريخ والتي صنعها سكانها (عدن) والدفاع عنها باسلحتهم المتواضعة في وجه الاحتلال البريطاني في 19 يناير 1839م.
موقع قلعة صيرة
تقع قلعة صيرة على الجزيرة المعروفة باسم صيرة والتي تقع الى الشرق من مدينة كريتر.
وهي عبارةعن جبل يحيط به البحر من اربع جوانب، حيث يبلغ ارتفاعه 430 قدماً فوق مستوى سطح البحر.
صيرة هي اشهر المعالم الباقية الثلاثة التي تؤرخ لمدينة عدن ونشاطها عبر التاريخ، واذا كانت الصهاريج نشاطها الاقتصادي فالمنارة نشاطها الديني، بينما نشاطها العسكري هي تلك القلعة العتيدة والحصون المنتشرة والتي تطرز سفوح الجبال لتحتضن المدينة (عدن) وتدفئها.
وقد قال القبطان البريطاني «جون جوردن» الذي زار عدن في 1609م واصفاً جزيرة صيرة بقوله «وتوجد للدفاع عن المدينة جزيرة عالية على بعد طلقة بندقية عليها قلعة منيعة لا تقصد حتى بدون رجال وعتاد فهي قوية بطبيعتها وبدون دروب».
وهناك «وصفاً» أدق من ذلك ورد عند «ادن بروكه» الهولندي اثناء رحلته الى عدن التي تمت في العاشر من سبتمبر 1614م وعلى احد اطراف المدينة تقع جزيرة صغيرة ولا تبلغ المساحة بينها وبين البر اكثر من الجير والحجر لها ابراج مشيدة وهي مستديرة الشكل وقد علمنا ان المياه تخزن في الصهاريج داخل الحصن نفسه لمدة سنة كاملة بلا انقطاع وذلك لمواجهة الهجمات أو الحالات الطارئة.
كما جاء في الاتفاقية المعروفة باسم «اتفاقية عدن» وهي اتفاقية صداقة وتجارة وقعت عام 1802م بين «السلطان احمد بن عبدالكريم» سلطان لحج وعدن، و«هيوم دوفام مايومي» بمطالبة بريطانيا بالحيازة الكاملة للجزيرة والتي لا تسيطر على المدينة وحسب وانما على الخليج كذلك، كما طالب بان يتواجد على الجزيرة ثمانية او عشرة مدافع مع سرية مدفعية، وقد كانت الاتفاقية تحتوي على ثمانية عشرة مادة معظمها تجارية ماعدا المادة الرابعة عشرة وهي الخاصة بالجزيرة ونصها يتم التنازل على كامل الجزيرة الصغيرة الموجودة غرب الرصيف للامة البريطانية مقابل مبلغ (معين) يتم دفعه عند إقرار هذه المعاهدة بحيث تتمكن من تحصينها والدفاع عن الخليج ضد اي هجوم من جانب اي من اعداء السلطان سواء من الداخل ام الخارج.
تاريخ الانشاء
بالاعتماد على بعض الشواهد والمصادر التاريخية ومقارنتها والدراسة المتأنية لها يمكن ان نتوصل قدر الإمكان الى تحديد زمن بناء القلعة والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال إلاّ ان يكون بناؤها مرتبط ارتباط وثيق بنشوء وتطور الميناء والذي لا يمكن ان يتطور ويذيع صيته كأهم ثلاثة موانئ في العالم القديم ان لم يكن اهمها والتي ذكرت في الكتب اليونانية والرومانية القديمة دون ان يكون لها حماية -القلعة- وتحصين تطرز بها الجبال المطلة على هذا الميناء.
من خلال كل هذا يتبين لنا أن هناك حصناً قديماً فوق جبل صيرة وهناك من الطامعين والغزاة من قام بتوسيعها وآخر قام بتخريبها ومن سعى لإعادة ترميمها وإصلاحها وهكذا دواليك.
الوصف العام للقلعة
إن الغرض من انشاء القلعة اضافة الى موقعها الاستراتيجي الذي يتحكم في ميناء عدن القديم كان عسكرياً بحتاً وذلك من أجل الدفاع عن المدينة، ويدل ذلك من حيث عدد المدافعين عنها وانتشارهم في حجراتها المتعددة ووجود المزاغل المنتشرة فيها التي تنفتح غالبيتها على البحر.
الوصف لشكلها الخارجي
تتكون القلعة من برجين اسطوانيين متساويين في الارتفاع يحصران بينهما المدخل الرئيسي الواقع في الجهة الغربية، في البرجين فتحتان كبيرة وفتحات صغيرة عبارة عن «مزاغل» تضيق في المقدمة وتتسع للداخل بحيث تسمح بحرية الحركة للمرابط عليها والتصويب بدقة.
المدخل
يوجد مدخلان للقلعة رئيسي وهو محصور بين البرجين ويقع في الجهة الغربية والباب الآخر يوجد في البرج الشمالي.
ويصعد الى المدخل الرئيسي بواسطة درجات دائرية الشكل تؤدي الى فتحة باب مستطيلة بطول 47.2 سم وعرض 96.1 سم كان يغلق عليها باب خشبي سميك لا يوجد الآن ولكن آثاره باقية ثم يليه باب خشبي آخر بطول 72.2 سم وعرض 96.1 سم يفتح على الصالة المركزية.
البرجان
احدهما يقع على جهة الجنوب والآخر الى الشمال فيهما عدة فتحات ثلاث منها في الوسط وأربع في الاعلى وكذلك الحال بالنسبة للبرج الآخر ويختلف هذا البرج الواقع في جهة الجنوب بوجود باب من الناحية الشمالية ويلتف البرجان حول القلعة بشكل دائري حيث يلتقيان في الخلف.
الوصف الداخلي للقلعة
المدخل الرئيسي للقلعة يفتح على صالة مركزية عليها ممرات تؤدي الى حجرات مختلفة المساحات، أما سقفها فهو سطح وبه فتحات للتهوية والضوء.
ويلاحظ تنوع البناء والطراز المستخدم في اساليب الممرات بالأقبية الاسطوانية (البرميلية) والحجرات بالأقبية المتقطعة الى جانب الأسقف المسطحة.
الجانب الأيمن للبرج الجنوبي من القلعة
يوجد به اربع غرف (حجرات) ويتم الوصول الى هذه الحجرات عبر ممرين، فالممر الأول يصل بالحجرة رقم (2-1) والممر الآخر يؤدي الى الحجرتين (4-3).
الجانب الشمالي من القلعة
في هذا البرج نفس عدد الحجرات في البرج الجنوبي ويتميز بوجود حجرات مغلقة من التهوية والضوء وربما انها تستخدم كمستودع او مخزن للمؤن الغذائية وكذا الأسلحة وفي إحدى حجرات هذا البرج فتحة دائرية عبارة عن صهريج لخزن الماء لخدمة الحامية العسكرية في القلعة.
الطابق العلوي (سقف القلعة)
يتم الصعود للطابق العلوي للقلعة عبر درج حجرية وعلى سطح القلعة اربع قواعد حديدية في الجهات الأبع مستندة على قواعد مستديرة الشكل مبنية من الحجارة ومكونة من ثلاث طبقات وطبقتين وقد سدت بعض المزاغل في الطابق العلوي بأنها -مستحدثة- ويبلغ عددها ثمانيةو عشرين فتحة كما يوجد الحمام في الطابق العلوي.
وفي مارس 1839م أمر الكاتب «فوستر» بوضع مدافع نارية على قلعة صيرة.
جزيرة صيرة (الميناء القديم)
ان هذا الاستنتاج من خلال دراسة اللفظة «صيرة» تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ان البحارة القدامى كانوا يطلقون التسمية على المراسي الجبلية او بالاحرى المراسي التي تقف على سطحها التلال او الجبال الصغيرة او ما يسميها «الثعالبي» المتوفي سنة 429ه (الضلع) أو (القرن) وفي جزيرة صيرة الواقعة في الخليج الأمامي لمدينة عدن تقع إحدى هذه المراسي القديمة متوسداً ضفاف البحر ويقف على عتبة جبل شامخ هو المعروف ب«جبل صيرة».
اصبح الامر واضحاً وجلياً بأن الموضع «صيرة» يعد من أهم المنافذ التي تضفي الى قلب المدينة -ان لم يكن الوحيد- والتي تحتفظ مياهه بثروات معدنية منها معادن اللؤلؤ كما يقول «الكرخي» المتوفي في اواخر القرن الرابع.
وقد شهد معارك دامية خاضها اليمنيون ضد كل انواع القرصنة بدءاً بحروب «ارياط» مع «ذي نواس» الحميري على ما يذكر الدينوري المتوفي سنة 282ه وانتهاءً ب«المستعمرين» البريطانيين بقيادة القبطان هنس.
وكان مرفأً تجارياً هاماً يستقبل السفن الهندية من مختلف المقاطعات وايضاً الصينية والفارسية والعمانية والمصرية والحجازية والحبشية.
وكانت تستودع فيه مختلف المنتجات العالمية التي تنتقل بعد ذلك الى مرافئ أخرى على سفن صغيرة تمر عبر مضيق باب المندب ويقدر ابن المجاور عدد السفن التي كانت ترسو في الميناء بثمانين أو سبعين سفينة كل عام، ويصف نشاطه التجاري ويقول «والفرضة» صيرة كالمحشر فيه المناقشة والمحاسبة والوزن والعدد.
نظام مراقبة السفن
وقد استحدث في هذه الفترة نظام مراقبة السفن الواصلة الى ميناء صيرة وهو نظام جديد بدائي نستطيع ان نطلق عليه «الفنار البدائي» يقوم به عدد من الحراس يقفون على قمتي جبل المنظر والخضراء ويراقبون ويستطيعون معرفة الشيء المنظور، فاذا كانت حركته في جهات عدة تبين لهم انه مجرد طائر، أما اذا كانت الحركة بطيئة فيتيقنوا انها حركة سفينة قادمة الى المراسي فيصرخ الحارس «هيريا» ويرددها الآخر، وهكذا دواليك حتي يسمعها الحارس الذي يقف على مقربة من الفرضة فيذهب الى الوالي يخبره بقدوم السفينة ليأتي الوالي والمفتشون بعدها يسألون عن نوع البضائع وعدد الركاب والبحارة والجهة التي قدمت منها السفينة وربما انتزعوا اشرعتها ليتأكدوا من أنها لن ترحل قبل تأدية الضريبة، كما تقول الباحثة الفرنسية «جاكلين بيرن».
نظام التفتيش
استحدث نظامان آخران أحدهما نظام تفتيش الركاب والبضائع والآخر نظام الضرائب او العشور، ولعل كليهما استحدثا في عصر بني زريق، وهناك موظفان يقومان بتفتيش الركاب احدهما رجل يفتش كل اجزاء الجسم «اليثيي» الرجل وامرأة تفتش النساء وتضرب بيدها في اعجازهن وافراجهن كما يقول بامخرمة.
أما البضائع والأقمشة فتظل في الفرضة أياماً ثلاثة تتعرض لتفتيش دقيق ثم تدفع الى اصحابها بعد اخذ العشور.
نظام الضرائب والعشور
اما بالنسبة لنظام الضرائب والعشور فقد استجد في عصر بني زريق وكان يتأرجح من حيث تحديد الضريبة من حيث الارتفاع والانخفاض والاضطراب في بعض الاحيان فقد تفرض ضرائب باهظة على بضائع معينة كالعود والكافور و كذا على البهارات كالفلفل والهيل وغيرها.
كما تفرض ضريبة جمركية على السفينة عند دخولها وضرائب ايضاً عند خروجها، وتعفى بضائع اخرى من الضريبة كالحنطة والدقيق والسكر والارز والصابون وزيت الزيتون والعسل والتيوس والماعز والسمك المملح ان كان بلا رأس، وهذه البضائع جميعها هي القادمة من مصر والهند، كما يقول ابن المجاور.
والظريف في الامر ان الضرائب لا تفرض على الجواري الحسان والعبيد والغلمان اذا كانت اعينهم واسعة قد يحدث هذا كله في حضور حاكم المدينة والولآه، إذ يذكر بامخرمة ان حاكم عدن «عمران بن محمد بن سبأ» كان يحضر الميناء اثناء العشور.
والجدير بالذكر ان يهودياً اسمه «خلف النبا وندي» هو الذي حدد هذه الضرائب وقدمها كمقترح للدولة الزريعية التي وضعتها قيد التنفيذ مباشرة.
والمعروف ان اليهود ذو خبرة واسعة في هذا المجال وكانوا ينتشرون في مدينة عدن وغيرها من المدن ولهم احياء خاصة.
وقد لاحظ الرحالة الاوروبيون الاقدمون منهم والاحدثون هذا النشاط الكبير للمرافئ، فمنهم من قدم الى عدن للتجسس على احوالها الاقتصادية والسياسية للتحقق من امكانية الوصول الى مرافئها والعبور عبر مضايقها بحثاً عن مناطق نفوذ اكبر في العالم، إذ اشارت الاستاذة الفقيدة الدكتورة «جاكلين بيرن» في مؤلفها «اكتشاف جزيرة العرب» الى واحد من هؤلاء القراصنة هو «بيدور دي كوفيلي» الذي بعثه المستعمرون البرتغاليون الى شبه جزيرة العرب عام 1487م وقدم الى عدن في العام نفسه ووصف مرفأها وصفاً دقيقاً.
وسبقه بزمن طويل الرحالة الايطالي «ماركو بولو» الذي شاهد هذا النشاط عندما مر بعدن عام 1285م وسجل ملاحظاته، ويبدو من كلام «ابن بطوطة» المتوفي 779ه - 1377م ان اهالي عدن الميسورين كانوا يمتلكون بعض المراكب العظيمة الراسية في الميناء والتي تدر عليهم ارباحاً طائلة.
نظام حماية السفن
استحدث في العصر الايوبي نظام هو اشبه بأنظمة حماية السفن في عرض البحر، ولكن مقابل ضريبة يدفعها ملاك السفن ارتفعت افقياً بعد سنة 613ه ستمائة وثلاثة عشر ولعل السبب في ارتفاعها يكمن في ضعف السياسة الاقتصادية في البلاد في عهد المستعمرين الايوبيين ورغبتهم المتزايدة في استنزاف خيرات اليمن عن طريق القوانين والضرائب الجائرة التي فرضوها على الاهالي وملاك السفن ذكر «ابن جبير» المتوفي سنة 614ه في حين ان «عثمان الزنجبيلي» والي عدن من قبل الايوبيين نهب اموالاً وذخائر ونفائس من عدن وحولها لمصر ووضعها بسوق السعيدة مع التجار والاهالي، إذ كانت المنافسة التجارية كلها راجعة اليه والذخائر الهندية المجلوبة كلها واصلة الى يديه فاكتسب سحتاً عظيماً وحصل على كنوز قارونية على حد تعبيره، وقد تمكنت سفن الحراسة الليلية من تعقبه ومصادرة بعض من هذه الاموال.
والملاحظ ان هذه الجزيرة كانت خالية قبل هذا الاجراء من سفن الحراسة الليلية في العصر الزريعي وربما كانت غير محصنة أو مسورة، إذ يورد ابن المجاور قصة المركب المغربي الذي ارسي في الميناء وتوجه صاحبه خفية الى بيت الداعي ولعله عمران بن محمد ابن سبأ دون علمهما واخفى بضاعته في منزل احدهما، والظاهر ان هذا المنزل على مقربة من المرسى او على جبل المنظر ثم لما اسفر الصبح تأكد التاجر انه في منزل الوالي وعفى عنه الوالي كما يذكر ابن المجاور ولكنه انتبه لهذا وامر بتشييد اول سور لمدينة عدن يمتد من الجبل الأخضرالى جبل حقات وقد تهدم هذا السور لضعفه وابتنى سوراً آخر ظل الى عهد عثمان الزنجبيلي السالف الذكر الذي قام هو الآخر بتجديده ويبدو انه حصّن المدينة تحصيناً قوياً، وعندما زارها الجاسوس البرتغالي السالف الذكر وادهشته تحصيناتها القوية واسوارها الممتدة على السلسلة الجبلية المحاطة بها.
ويبدو انه لولا هذه التحصينات اضافة الى القدرة القتالية لدى المدافعين اليمنيين لاستطاع «الفونسو دي البوكرك» من الاستيلاء عليها.
الغزوات التي تعرضت لها عدن على مدار تسعة قرون
سجلت المصادر أن مدينة عدن قد تعرضت لأكثر من ثلاثين غزوة خلال تسعة قرون، اي اكثر من غزوة في كل جبل تم في بعضها احتلالها واستبدال حكام بغيرهم وتحدد بذلك مسيرها ومسار تاريخها.
سجلت المصادر خمس غزوات بحرية حاسمة دار فيها الصراع على وحول جبل صيرة وانتصرت المدينة في ثلاث منها حين كانت في افضل عهودها في زمن الزريعيين والظاهريين.
كما اشارت اقدم المصادر الى هجوم «الملك قيس» أيام الزريعيين في فترة شقاقها على عدن والمعلومات ضئيلة في ذلك.
وهي تفيد ان الملك «قيس» اراد الاستيلاء على ميناء عدن فوصل في عدد من السفن التي رست تحت جبل صيرة وارسل انذاراً الى حكام عدن من بني زريع وتسليم قطعاً من المدينة وفسرت القطعة بان الملك «قيس» يريد الاستيلاء على قطعة الخضراء، ولعله بذلك يريد ان يكون شريكاً لبني زريع.
وبالرغم من وهن دولة بني زريع إلاّ ان المدينة واهلها استطاعوا التغلب والنصر في النهاية بعد ان كانت الهزيمة على الابواب وتفاجأ العدو أنها مدينة حصينة بطبيعتها.
وتكرر مثل ذلك في صد غزوة البرتغال حين فاجأوا العدو ووجهوا همهم كالمعتاد الى حرق السفن في الساحل وتكثفت قذائف مدافع المدينة على مراكبهم تحطم كل يومين اثنين او ثلاثة منها واضطروا الى الهروب خارج هدفها.. وبدأ دور العرادة تضربهم من صيرة فتزيد مراكبهم ضرراً واخرجتهم من البندر كارهين.
وكذا الحال بالنسبة لصد الغزو المملوكي الذين يئسوا من صمود المدينة واستبسال اهلها.
وهكذا نرى ان هذه القلعة كانت عبر تاريخها الطويل رمزاً لإباء وشموخ هذا الثغر اليماني وامتزج تاريخها وتراثها ليخلق نسيجاً متجانساً مع ثقافات شعوب واجناس الامم مكونة بذلك سفراً مقدساً بذاكرة هذا الشعب والشعوب الاخرى يجب مراعاته والحفاظ عليه.
مدير عام فرع الهيئة العامة للمتاحف والآثار بعدن
*المراجع:
1- مسح آثاري لمدينة عدن الكبرى «مديرية صيرة- كريتر- الموسع الأول 2004م- إعداد الهيئة العامة للآثار عدن.
2- صيرة للفقيد عبدالله محيريز
3- «تاريخ تعز عدن» ابي محمد عبدالله الطيب بن عبدالله بن احمد ابن مخرمه
4- صفة بلاد اليمن ومكة وبعض مدن الحجاز- جمال الدين ابي الفتح يوسف بن يعقوب بن محمد المعروف بابن المجاور.
5- تقارير من ارشيف مكتب الآثار .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.