تملكت الشبكة العنكبوتية (الانترنت) تلك الشبكة المعلوماتية الهائلة التي تربطنا مع العالم عقل واهتمام الإنسان الذي دأب على اكتشاف أسرارها ومعرفة خباياها، واستحوذت على اهتمام الكثيرين من الناس من مختلف الأجناس والأعمار, حيث ازداد عدد المستخدمين لهذه الشبكة من الشبان الذين يرتادون مقاهي الانترنت ناهيك عن دخول هذه الخدمة الى معظم البيوت لاسيما بعد تخفيض تكلفته . ولكن مع ذلك، اصبحت هذه الشبكة تستخدم لأغراض بعيدة كل البعد عن الأهداف التي وجدت لأجلها كاصطياد الفتيات والإيقاع بهن تحت مسمى(الحب) وبات الحب والزواج عبر الانترنت ظاهرة جديدة ومتفشية في بعض الدول, وأصبح الكثير من الشبان يعيشون الوهم ويركبون موجة الأحلام ليهربوا من الواقع الى عالم افتراضي منسوج عبر كلمات خارج الزمان والمكان حيث يداعب الشاب الفتاة بكلمات رنانة وأسلوب ساحر حتى تقتنع بأن هذا الشاب هو فتى الأحلام المنتظر وعبر هذه الشبكة يتم التعارف وإقامة صداقة تتطور لعلاقة حب وتعلق كل من الطرفين بالآخر وقد تنتهي بالاتفاق على الزواج. لقد دلت معظم الإحصائيات على الانتشار الكبير لهذه الظاهرة ان بلدان شمال افريقيا(وتحديداً تونس والمغرب) هما أكثر البلدان تقدما في هذا المجال حيث يرى علماء الاجتماع أن تحرر المرأة في تونس والمغرب خصوصا في السنوات الأخيرة، وانفتاح الشباب التونسي والمغربي على حضارات غربية، جعل إقامة هذا النوع من العلاقات ممكنا ومقبولا. * * * فبعد أن كان يُنظر للحب على أنه أحد المحرمات وأن اختيار الزوجات والأزواج من اختصاص الوالدين، أصبح بإمكان الشباب الاعتماد على أنفسهم وعلى الانترنت في اختيار شريك أو شريكة العمر، متخطين بذلك الخجل الذي قد يصاحب مثل هذه المواقف كما ان هذه الشبكة باتت بمثابة الأقنعة التي تشجع الصغار والكبار على خوض مثل تلك التجارب العاطفية, كما فتحت آفاقاً جديدة أمامهم للانخراط في العلاقات الاجتماعية والبحث عن الحب كامتداد طبيعي للحياة البشرية بدلا من الانعزال. يبدأ الحديث بكلمة فسلام يقودهم لبداية الطريق ، كلها ستكون حاضرة في الموعد المحدد، ولكن وسيلة نقلها ستكون هذه الشاشة وعدة أزرار وليس أكثر, فبدلا من خطابات المحبين التقليدية، تحولت المشاعر الى مخاطبات البريد الالكتروني ,فقد يكون هذا الحب جذابا لكثير من الشبان الذين يبحثون عن الحب الضائع في حياتهم، بسبب خجلهم من الحديث وجها لوجه فيما يعتبره بعضهم وسيلة ممتعة لشغل أوقات الفراغ، وقد يكون حلا لمشكلة الفصل بين الجنسين، وأفضل طريقة تعارف وبناء علاقات قد تفضي أحيانا الى الزواج. * * * وزوار هذه المواقع لا يكشفون عن هويتهم الحقيقية غالبا، وقليلون هم من يقولون الحقيقة للطرف الآخر فنجد الشاب يضع في شخصيته كل ما تمنى وجوده فيها ولكنه لم يستطع على أرض الواقع فتراه يقدم نفسه في أفضل صورة، ليتضح بالنهاية أن الشاب الوسيم ما هو إلا شاب لا يملك من الجمال ما يمكنه من إغراء أي فتاة, وقد يكون خلف ذلك الاسم الأنثوي الجميل رجل، وخلف ذلك الاسم الذكوري فتاة ناعمة ففي الانترنت نحن أشبه ما نكون في حفلة تنكرية خلف الحُجب المادية والمعنوية. ومن السهولة بمكان عبر الانترنت ادعاء شخصية مختلفة عن الشخصية الحقيقية, وكثيراً ما يتم تقمص شخصية أخرى بوعي أو دون وعي, ومن الصعوبة بمكان كشف الادعاء والزيف بدون لقاءات عدة وجهاً لوجه, فقد يظهر لنا الطرف الآخر وكأنه الفارس الشهم النبيل والفنان المبدع الأصيل و.. و.. وإذا تم التعارف عن قرب فإننا سرعان ما نكتشف شخصية مهلهلة رثة بعد أن تكوّن في خيالنا شخصية واثقة متفائلة قوية. لكن في الوقت نفسه، قد تنجح علاقات يلتقي فيها الطرفان على الصدق من البداية. * * * ولكن مشكلة هذا اللقاء أنه يتم بدون رقيب ولا حسيب, والحاجز الاجتماعي على علاّته وعقده ومشكلاته هو الضامن الرئيسي لأن تبقى الشخصية ضمن إطار محدد وإن كان إطاراً سيئاً تقليدياً, وتكون المسؤولية الاجتماعية معدومة على الانترنت إذا لم يكن لدى الشخص رادع يمنعه من التلاعب بعواطف الطرف الآخر, فنجد أشخاص يتميزون بقدرة فائقة على اختراع القصص وجهاً لوجه فكيف إذا اختبأوا خلف حجاب الانترنت الذي يتيح لهم إطلاق مواهبهم في الكذب والخداع إلى أعلى درجة وبالتالي ملامح الشخصية عبر الانترنت هي ملامح هوائية لا يبدو منها إلا ما ركبناه نحن عن الطرف المقابل, وكلما كان الخيال جموحاً كما في سن المراهقة والشباب كلما كانت الخطورة أكبر في تكوين العلاقات. * * * وخلاصة القول في هذا الموضوع ، هو أن ما يدفع الشاب أو الفتاة للتفكير بالزواج عبر الانترنت أحيانا هو الرغبة في الاختيار بعيداً عن ضغوط الأهل وقراراتهم التي كثيراً ما لا تتلاءم مع طموحات الشاب أو الفتاة في اختيار شريك حياة متآلف ومتفاهم, فقد يكون للأهل نظرة مختلفة عن نظرة الشاب أو الفتاة المؤهلين للزواج, وأبسط سبب لهذا الاختلاف هو الافتراق بين الأجيال الناجم عن اختلاف المؤثرات التي يتعرض لها كل جيل؛ فالدردشة عبر الشبكة تتيح تبادل الأفكار وقد تتيح شيئاً من المعرفة الشخصية إذا كان الطرفان صادقين, إضافة إلى أن مواقع الزواج على الانترنت قد تساعد في التعارف بين طرفين لا تسمح لهم العادات والتقاليد بالالتقاء المباشر كما هو الحال في المجتمعات المحافظة، حيث نجد في السعودية أن الفتيات بدأن باقتحام وسائل جديدة وغير تقليدية للارتباط الزوجي، فهناك عدد منهن قد عثرن على ضالتهن وسجلن تجارب ناجحة بهذا المجال فوجدن أن الإنترنت من أهم الوسائل العصرية التي من الممكن استخدامها للبحث عن شريك الحياة، وذلك لما تتيحه هذه التقنية من فرصة التعارف عن بعد من خلال مواقع المحادثة و الزواج. * * * وحول استطلاع الآراء في أوساط طلاب الجامعات حول قبول او رفض زواج الانترنت وقد حاولت من خلال بحثي هذا معرفة بعض الآراء حول قبول أو رفض زواج الأنترنت فإن هناك من يؤيد وآخر يعارض، فالمؤيد لزواج الانترنت يرى في الانترنت وسيلة عصرية تسهل زواج الشباب وتقلل من العنوسة كما ساعدت في إتمام الزواج للناس الذين تحكمهم العادات والتقاليد القاسية وكذلك الذين يعيشون فى المهجر ولهم الرغبة فى الاستقامة والحياة الزوجية الصحيحة حيث يساعد الإنترنت معايشة الحياة قبل الزواج ومعرفة كل طرف ظروف الطرف الآخر وأفكاره وتقاليده قبل فوات الأوان ,شرط فرض رقابة اجتماعية وتربوية على مواقع الزواج الالكترونية ومنع المشاركين من العبث واللهو كذلك منع الاشتراك بها دون سن محددة لعدم اكتمال النضج مع توعية الناس على ضرورة أخذ أمر الزواج بالجدية وليس للتسلية. أما المعارض له فيرى أن الزواج الذي يتم عن طريق قصة حب او تعارف مباشر قد يفشل فما بالك بالتعارف والزواج عن طريق الانترنت. * * * اذ لن يكون هناك صدق او صراحة عند الطرفين ونادراً ما نجد ان زواجاً تم عن طريق النت وكتب له النجاح او الاستمرار لأن الزواج لا يتم الا بالايجاب والقبول وذلك بعد ان يرى الطرفان بعضهما بصورة مباشرة وليس بالكاميرا فالوسيلة المجدية والبعيدة عن كثير من المشاكل هي الوسيلة التقليدية عن طريق الأهل والمعارف او الزمالة لأن التزكية مطلوبة والمعرفة مطلوبة و تكون هناك فترة خطبة يتعارف فيها الطرفان على بعض قبل ان تقع الفأس في الرأس ويندم كل على فعلته في الوقت الذي لا يفيد الندم. * * * ان هذه الآراء المؤيدة والمعارضة لهذه الفكرة العصرية للزواج، تبرز عمق الانقسام الواضح ما بين مؤيد ومعارض لفكرة زواج الانترنت كما هو الحال بين مواقف رجال الدين والحكم الشرعي من هذه المسألة. حيث يرى مفتي الديار المصرية الشيخ علي جمعة أن عمل الوكالات المتخصصة في مساعدة راغبي الزواج في العثور على شركاء حياتهم جائز بما في ذلك مواقع الإنترنت التي تقدم هذه الخدمة و يذكر أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة سريعة في هذا النوع من الزواج، والتي يساعد بعضها عرب المهجر على الزواج شرط إدلاء الراغبين بالزواج بمعلومات صحيحة عن أنفسهم، وألا تقدم أي فتاة على هذه الخطوة إلا بعلم أسرتها أو ولي أمرها ,لكن الفتوى حرمت عمل الوكالات والمواقع التي تعمل من أجل الكسب المادي فقط، وتلك التي تشجع الفتيات على الالتقاء براغبي الزواج دون علم أسرهن.