يبدو أن أيام الأعياد تختلف في مدن بلادنا عن بقية مدن العالم ،حيث لايزال اليمنيون يحتفظون بالحنين الأول للقرى والأرياف التي ولدوا فيها فيستغلون أية فسحة طويلة من العمل مثل إجازة العيد ليهجروا المدن التي يزاولون فيها أعمالهم طوال العام ويعودون للعش الأول الذي شهدوا فيه شهقة الميلاد تاركين وراءهم المدينة يتيمة مهجورة.. قمة الصخب بين الليلة التي تسبق العيد ومساء يوم العيد فرق كبير في مدينة مثل تعز ،وهي مدينة يصل عدد سكانها إلى خمسمائة ألف نسمة إلا أنها تتحول مساء كل عيد إلى قرية شبه خاوية ،وكل هذا يحدث خلال الاثنتي عشرة ساعة الأخيرة قبل صباح العيد، فمدينة تعز تشهد خلال أسبوع كامل على الأقل قبل العيد مستوى من الحركة استثنائية ،حيث ترتفع وتيرة الحركة إلى اشدها في مدينة تعز خلال هذه الفترة. صمت مقيت بسبب توافد الناس على المدينة من أجل استيفاء متطلبات العيد وهي فترة تشهد فيها المدينة أعلى مستويات الصخب وتكثر مشاكل حوادث السير بسبب الشوارع الضيقة وخصوصاً وسط المدينة التي تفتقر شوارعها للإعداد اللازم لاستقبال الأعداد المتزايدة المتوجهة إلى الشوارع الحيوية في قلب المدينة ،وهو المكان الذي يشهد نشاطاً تجارياً محموماً لايحدث سوى مرتين في العام خلال موسمي العيدين الفطر والأضحى وبعد أن يقضي كل المتوافدين من نواحي وأرياف المحافظة حاجتهم يتركون المدينة يتبعهم عدد كبير من التجار وأصحاب المحلات الباعة المتجولين الذين يقفلون محلاتهم ويوقفون انشطتهم ويعودون إلى قراهم لتتحول المدينة بين ليلة وضحاها من حالة الصخب الشديد والزحام الكثيف إلى حالة هدوء وسكون قارس البرودة. ضرورة فطرية محمد سعيد غالب 54 عاماً وهو صاحب بسطة لبيع الأحذية في شارع التحرير وسط المدينة يرى مسألة العودة إلى القرية خلال اجازة العيد ضرورة ملحة لايمكن الاستغناء عنها ،فيقول: قلبي معلق في القرية حيث الأهل والأصدقاء ورغم أن أسرتي تسكن معي هنا في تعز إلا أني استغل فترة اجازة العيد من أجل الاسترخاء في القرية بعد كل مالقيته من عناء وتعب طوال أيام السنة. لحظات ثمينة أما خالد علي الذماري 15 عاماً يعمل في بيع المكسرات فيقول: اعمل بكد طوال العام وبالنسبة لي فترة ماقبل العيد موسم يكثر فيه العمل بالنسبة لنا نحن بائعي المكسرات ،حيث يقبل الناس على الشراء من أجل تقديم الزبيب واللوز والفستق للضيوف وإذا ماحلت الساعة ال21 منتصف ليلة العيد أشرع في اغلاق محلي وأنا ملتهف للوصول إلى الأولاد في ذمار تقطع السيارة المسافة من تعز إلى ذمار وقد غمرني الشوق لابنائي الذين أكون قد حملت لهم كساء العيد والهدايا.. ويضيف خالد: وقد بدى على ملامحه التأثر صدقني انها لحظات لاتعوض. بلا مغريات هاشم المجيدي باحث اجتماعي: يعتقد من وجهة نظره أن سبب موات الحركة في المدينة يعود في الغالب إلى غياب المباهج التي يمكن أن تغري الناس في البقاء داخل المدينة في اجازة العيد ويرى هاشم أن كل ما يجبر الناس على الاستقرار في المدينة هو العمل ، فإذا ما استبعدنا سبب العمل فلن تجد سبباً آخر قد يمثل للناس حافزاً للبقاء .. مضيفاً أن المدينة تحتاج إلى الكثير من المغريات لتجذب الناس في البقاء ،حيث لاتوجد مسارح ولامتنزهات ولا أنشطة تثير الرغبة في البقاء داخل المدينة خلال اجازة العيد. بعيداً عن المعتاد من جهته يرى عبدالواحد مرشد: صاحب بقالة في منطقة حوض الاشرف بمدينة تعز أن اجازة العيد يجب أن تستغل على الوجه الأمثل وذلك عبر قضائها في مكان بعيد عن المكان الذي نزاول فيه أعمالنا الروتينية طوال العام ،فهو على سبيل المثال لايحل العيد إلا وقد سبقته أسرته إلى مدينة عدن فيما يزاول هو عمله حتى مساء يوم العيد بعد ذلك يقفل بقالته ويلحق بأهله إلى عدن .. وحول ما إذا كان التوقف عن العمل قد يفوت الكثير من الأرباح التي يجنيها عبدالواحد خلال العيد من خلال العمل في البقالة يقول عبدالواحد : لايوجد مايغري بالجلوس ومزاولة العمل خلال اجازة العيد، فالمدينة تصبح شبه متوقفة عن الحركة والبيع والشراء خلال تلك الفترة لذلك من الأجدر قضاء الاجازة عبر السياحة وتغيير الجو في مكان آخر فذلك مفيد ايضاً لصحة الإنسان ويعمل على تجديد النشاط. رهبة الفراغ فيما يقيم نشوان الانباري 13 عاماً ويعمل سائق باص اجرة مستوى الحركة في المدينة قبل العيد واثناء اجازة العيد بالقول: حركة السير اثناء اجازة العيد في مدينة تعز تنخفض إلى أقل من المستوى الاعتيادي ،وباستثناء الفترة الممتدة من 01 صباحاً حتى الظهيرة وهي الفترة التي تشهد بعض الحركة لأشخاص يقصدون سوق القات أما بقية النهار فالحركة تكاد تكون فيه شبه منعدمة ، أما في الليل اثناء العيد فتتحول المدينة إلى مدينة اشباح وكل ماعليك فعله هو التحرك في ليالي اجازة العيد في المدينة حتى تشعر برهبة الفراغ ،وعلى عكس الأيام التي تسبق العيد ،حيث يصبح العمل بالنسبة لسائقي باصات الأجرة نوعاً من المجازفة بسبب الزحام الشديد وصعوبة الحركة والتوقف لتحميل وانزال الركاب.