تعيش مدينة تعز حالة تناقض عجيبة, من زحام شديد في الفترة التي تسبق العيد إلي حالة سكون وفراغ مخيف خلال فترة إجازة العيد, وهي فترة تخلو فيها شوارع المدينة من مستوى الحركة الطبيعية التي اعتادت عليها المدينة, لكن حالة السكون الغريبة تأتي أساساً عقب ارتفاع وتيرة الزحام ومستوى الحركة بشكل كثيف جداً, وهي حالة تستوي فيها مدينة تعز مع مدن يمنية أخرى تعايش نفس الحالة. تناقض واضح لكن يمكن ملاحظتها بشكل لافت في مدينة تعز, بحسب الباحث الاجتماعي هاشم المجيدي الذي يقول: في محافظة مثل تعز يصل عدد سكانها إلى ثلاثة ملايين نسمة يعتمدون على مدينة تعز في الحصول على تجهيزات العيد وما يصنعه ذلك من ارتفاع وتيرة الحركة وحدوث الزحام والاختناقات المرورية التي تسبق فترة العيد, وما يحدث من انخفاض معدل الحركة أثناء إجازة العيد وهو أمر يظهر بوضوح، حيث تخلو مدينة تعز من الحركة خصوصاً أننا نتحدث عن مدينة تتسم شوارعها بالضيق وهي شوارع غير معدة لاستقبال تلك الأعداد الهائلة من البشر في تلك الفترة الاستثنائية الخاصة بالاستعداد للعيد. أزمة طرقات كما تتوافد على مدينة تعز أعداد متزايدة من المستهلكين والمركبات خلال فترة الاستعدادات للعيد، وهي فترة تشهد أيضاً تدفق أعداد كبيرة من البائعين الموسميين الذين يفترشون الطرقات ويقطعون الحركة المرورية في الشوارع الرئيسية وسط المدينة مما يضاعف حجم الأزمة، ففي حين تستقبل المدينة أعداداً متزايدة من المركبات يتم قطع الشوارع بسبب الباعة. حريق وقود وأعصاب محمد علي نعمان سائق سيارة أجرة في أرياف مديرية جبل حبشي يقول: لو كان الخيار بيدي لما خرجت إلى مدينة تعز في أواخر رمضان بسبب الفوضى التي تسود حركة المرور، فنحن نضطر للتوقف أكثر من نصف ساعة في جولات تقاطعات الشوارع, ونحرق أعصابنا إلى جانب كميات هائلة من البنزين بسبب انعدام التنظيم في الحركة المرورية. فقط للتجارة تمثل الأعياد الدينية فرصة للكثير من الأشخاص لممارسة أعمال التجارة بسبب الإقبال المتزايد لشراء احتياجات العيد من ملابس وسلع أخرى.. محمد حميد سرور رجل في ألأربعين وأب لسبع بنات وهو بائع عطور متجول جاء من قرية برداد مديرية صبر الموادم يقول: تشعرني مدينة تعز بالضياع طوال العام, لذلك أعتمد في كسب رزقي على بيع خردة المعادن في قريتي, ولا أحضر إلى تعز إلا للعمل قبيل العيد. معظم الباعة المتجولين الذين قابلناهم ينتمون إلى الأرياف وبمجرد أن تنتهي أعمال البيع والشراء يغادرون إلى قراهم وإلى أعمالهم الأصلية. القرية أفضل كمال المغلس مدرس لغة إنجليزية في مديرية المعافر يعمل في مواسم الأعياد في بيع الأحزمة بمدينة تعز وحول ما إذا كان يزور المدينة خلال العيد مع أطفاله قال: لا أعتقد أن هناك ما يستحق أن أغادر القرية من أجله فلا يوجد في مدينة تعز مكان يمكن أن نجد فيه المتعة بشكل يرضي جميع أفراد الأسرة. أسباب طارئة هي تلك التي تصنع حالة التناقض التي تعايشها المدينة قبل الأعياد وبعدها مباشرة, من ازدحام مُبالغ فيه يعقبه انخفاض غير طبيعي لمستوى النشاط الإنساني في المدينة خلال أيام إجازة العيد. بهجة العيد منطفئة فتنعدم المظاهر التي تدل على وجود بهجة للعيد في مدينة تعز بمجرد حلول الظلام, ويشعر المرء أن المدينة تم إخلاؤها لحدثٍ جلل حلّ بها, وهي مسألة يفسرها الباحث الاجتماعي هاشم المجيدي بانعدام أماكن الترفيه التي يمكن أن تقضي فيها الأسر أمسيات العيد مثل المسرح أو السينما أو أية أنشطة ترفيه مناسبة لحضور جميع أفراد الأسرة، وهو ما يدفع الناس للمكوث في بيوتهم خلال أيام الإجازة العيدية. القات يسلب الأطفال الفرح وباستثناء الأطفال الذين يخلقون أجواء من البهجة في أحياء المدينة من خلال تنقلهم بملابسهم الجديدة من منزل إلى آخر بحثاً عن «العيادة» أي حلاوة العيد والأماكن الوحيدة التي تبقى عامرة بالنشاط الإنساني في مدينة تعز ومعظم المدن اليمنية هي أسواق القات والتي يعتبرها يحيى علي وهو ناشط في جمعيات مكافحة القات أنها السبب ألأساسي في حدوث حالة الشلل التي تشهدها المدينة، وقال يحيى: يعمل القات على انصراف معظم الآباء عن تلبية رغبات أبنائهم في الخروج لقضاء أوقات جميلة خارج المنزل مما يؤدي إلى تدني مستوى الحركة داخل المدينة.